مواطنو الخرطوم في عنق الزجاجة.. عالقون تحت ركام الأرض المحروقة

الخرطوم: العفراء
حصيلة عام من الحرب، المعاناة.
كلمة المعاناة تحمل بين طياتها كل أشكال الفقد لمقومات الحياة الطبيعية.
هذا ما تلحظه عندما تسأل أي شخص عن الحال في الخرطوم اليوم، تنهيدة كبيرة هي التي يبتدر بها حديثه ثم يواصل في سرد تفاصيل تشبه تفاصيل الخالة محاسن وهي تقول: (حال شنو عليك الله هو ده حال الحمدلله بس، الواحد يفتح عينو في صف الموية ومن صف لي صف لما اليوم ينتهي) وضاحكاً من حديثها يقول أحدالشباب :( والله كلامها صح الناس تعبت ياخ ضرب وعدم أمن وسرقات وصبرنا، عدم الكهرباء عمل لينا مشكلة الموية، والموية دي أصعب حاجة فالناس بعد جاءت إلى الخرطوم جزء كبير حاليا بدأ يطلع تاني، أزمة في أي حاجة بقت الله المستعان بس).
وعندما يصبح التساؤل القائم مع تردي الأوضاع لماذا لا يخرج الناس لمناطق وولايات آمنة نجد عند المواطن هشام حسابات أخرى( أنا ما عندي مكان بره الخرطوم أمشي عليه، يعني حدخل في مشاكل إيجار وعدم شغل وجهجهة كتيرة، نفس الوضع هنا بس مع توفر الأمن الما مضمون ذاته، هنا الواحد يشتغل ليه أي حاجة تجيب ليه حق البيأكله لأولاده، كان يوم ما لقيت بتلقي البعرفك ويدينك لليوم البعدو).
هذا الشكل العام لما يقاسيه المواطن اليوم في الخرطوم، بين الحين والآخر تزداد وتيرة العمليات العسكرية، ويجلس المواطن تحت زخات الرصاص وفوق نيران الصبر ينتظر انفراج مجهول المعالم، زيادة في الاسعار وشح في السلع ينذر بمجاعة محتمة. أوضاع اقتصادية متدنية تنذر بأمراض سوء التغذية.
الشابة مروة تقول: ( الناس هنا حتموت واقفة أصلا، بنفتح عيونا ما بنقدر نغسل وشنا إلا بعد نقيف في صف الموية، ننتهي نحول الصف للتكية عشان نجيب لينا لقمة ناكلها)
وهناك العم صديق يفرش بضاعة أمام بيته لبيع بعض المستلزمات اليومية، والخبز الذي يأتي به أبنه من الفرن يقول:(العيش ده خمسة بألف بقى الناس تعيش كيف، نحنا نسينا الحرب ذاته، الشغل الشاغل بقى كيف تأكل وتشرب وتقدر تبيع بضاعتك قبل ما تتنهب بس، وتقول زوجته: لو طلعنا من بيتنا ده والله يوم واحد بنجي نلقاهو حيط واقفة، نعمره من وين تاني، نقول الله يصلح الحال بس)
وفي حديث متفائل يقول الشاب لبيب:( ده الواقع والحل تتأقلم بس، أي طلعة بتعني أنك قنعت من كل الوراك لأنه ح ترجع تحمد الله لو لقيت الحيط واقفة، حاتعمر من جديد بشنو؟ فالناس صبرت وقت الضرب الشديد الآن تستحمل بس، تمشي صف الموية تتونس وتفرق وترجع تكبها في صينية تبرد وتشرب وخلاص، يوم تأكل ويوم تجوع لما تفرج. وما ضاقت إلا لتفرج، ربنا يحفظ الناس بس وكل التعب ده يبقى حكاوي في بلد آمن ومستقر)
نعم هذا هو الحال في الخرطوم بعد تجاوز العام، شح في المواد الغذائية، وانفلات أمني، انعدام الكهرباء والاتصالات وصعوبة في الحصول على الماء.
لا يوجد عمل، وصعوبة في الحصول على المبالغ النقدية.
ضرورة الفرار من الخرطوم، يحيط بها هاجس الفقد لكل ما يترك في الوراء.
بين صعوبة السفر وزيادة الأسعار،
يتأرجح الناس بين من أين وإلى أين.