إصلاح منظومة الحكم المحلي فى السودان

عرف السودان نظام الحكم المحلي قبل الإستقلال أبتداءا بحكم العشائر والإدارة الأهلية ثم الإرتقاء بمستويات الحكم المحلي عام 1951 بعد صدور تقرير الخبير البريطاني د. مارشال ويستمر الحال حتى صدور قانون الحكم المحلي عام 2003 وتعديلاته اللاحقة.
وتلزمنا هنا رجعة الى التاريخ لنستعرض على عجالة ملامح تلك الفترات من الحكم المحلى وقوانينها كخلفية لابد من الإتكاءة عليها .
عام 1951 فيه صدر تقرير الدكتور مارشال الإنجليزي لقيام نظام إداري راشد في السودان يتلاءم مع ظروف البلاد ويشارك فيه المواطنون في إدارة شئونهم… وقد راعي النظام الذي صدر بموجب هذا التقرير طبيعة المناطق الجغرافية ومستوي الوعى السكانى وفقا لمستويات الحكم الأربعة بما يتوافق وكل منطقة وكانت السلطات تقريبا متركزة في يد المفتش الإنجليزي .
في العام 1960 صدر قانون إدارة المديريات فى عهد حكم الرئيس عبود وفيه تسمية وتقسيم الحكم المحلي الي المديريات التسع المعروفة .
في العام 1970 في عهد حكم الرئيس نميري صدر قانون الحكم الشعبي المحلي الذي ألغى قانونى 1951 و1960 وباتت مستويات الحكم هي المستوي المركزى ومستوي المديريات والمجلس الشعبي التنفيذي .
ثم جاء قانون الحكم المحلي الاقليمى لعام 1980 وفيه تم تطبيق الحكم الإقليمى كبديل لتجربة 1971 وأصبحت الأقاليم وحدات لها شخصية إعتبارية ولها أجهزتها التشريعية والتنفيذية .
ثم صدر قانون الحكم المحلي وتعديلاته عام 1995 الي خلق ثلاث مستويات إتحادى …. وولائي ومحلي وهو النمط السائد حتى الآن رغم صدور قانون الحكم المحلي لسنة 2003 والتعديلات اللاحقة.
كل هذه السيرة والمسيرة( العطرة ) من الحكم المحلي منذ صدور أول قانون له عام 1951 وحتي القانون الأخير عام 2005 لم تقدم للبلاد شيئا يذكر حتى يحسب في إيجابيات هذه المنظومة ..وظللنا ندور ونلف ولم نبارح محطة الدكتور مارشال التي بحسابات الربح والخسارة كانت متقدمة جدا عن كل المناهج والنظريات اللاحقة التي تدثرت بثوبها المنظومة .
وبدلا من أن تكون الإدارة المحلية عونا في حكم البلاد أصبحت وبالا عليه فبجانب قصورها المهنى وتقاعسها عن تقديم أبسط الخدمات لمواطنى المحلية … كانت أيضا عونا في عدم الاستقرار المعيشى والأمني فقد خلصت دراسة أكاديمية قدمت في ورقة بحث علمية مشاركة في إحدى المنتديات العلمية … خلصت الي وجود علاقة ذات دلالة إحصائية بين نظم وقوانين ولوائح الحكم المحلي والإضطرابات الأمنية وعدم الاستقرار في مؤسسات الحكم المحلي وسؤ التخطيط وعدم التوظيف الأمثل للموارد والكوادر البشرية والسلطة المركزية الخانقة وضعف دور المشاركة الشعبية.
والسؤال الذى نختصر به بقية المقال الطويل متعدد الجوانب الذي لا يظل باقيا … هو هل يمكن بعد كل هذا الخراب والدمار الذى أصاب منظومة الحكم المحلي في السودان العودة به الي المبادئ العظيمة التي وضعها دكتور مرشال في تقريره العام 1951 في إمكانية تطبيق حكم محلى راشد ذي أهداف وبرامج نابعة من ثقافات وتقاليد المجتمعات المحلية في السودان وقادرة على تحقيق تطلعات وطموحات الجماهير بأن تكون ( البلدية )وليس ( المحلية ) حاضرة معهم في حياتهم اليومية كما كانوا يحسون بها أيام الحكم البريطاني رغم تبدل الزمان والدور الوطنى ؟
والإجابة بالضرورة نعم ..وهي ليست بالسهلة ولكنها ليست بالمستحيلة من خلال عقد منتدى علمى علي درجة عالية من التحضير والتأهيل وبمشاركة الخبراء والعلماء وأساتذة الجامعات وبيوت الخبرة العالمية و أصحاب الخبرة من الإداريين و زعماء العشائر والإدارة الأهلية حتى يتدارسون وضع هذه المنظومة ويشاركون بفعالية في إعادة صياغتها وتأهيلها من جديد ودورهاحتى تتواكب وتطلعاتإنسان الألفية الثالثة وما يتوقعه من خدمات وتنمية مستدامة على المستوي المحلى ..
د. فراج الشيخ الفزاري