الاستعباد بالوظيفة

بسم الله الرحمن الرحيم

من أسوأ مواريث ثقافتنا الوطنية.. تلك القناعة التي ترسخت ..وضربت بجذورها عميقاً في تربة وعينا الاجتماعي.. والتي تجعل من الوظيفة سدرة لمنتهى الآمال..حتى جرى المثل الشهير ..(كان فاتك الميري..اتمرمغ في ترابه !!).. وقد شجع على ذلك ..الميزات التي وضعت من زمن الاستعمار وما بعده لمنسوبيها.. وبؤس حال غالبية الشعب العاملين في الزراعة والرعي وبقية الحرف..ولا غرو إزاء هذا الوعي المعلول..أن صار الالتحاق بالدراسة والتعليم..طريقاً لبلوغ هذا الهدف دون سواه.. كيف لا ..والأمر يتجاوز الوضع الاقتصادي ..إلى القيمة الإجتماعية..والمفارقة أن الوظيفة كانت تحقق الغرضين في بدايات العهد الوطني..وبدأت الميزة الاقتصادية بالتآكل..فحرصت الطبقة وهي صاحبة القلم الذي لن يرضى بشقاء حامله..على الاحتفاظ بميزات خارج الدخل المتآكل.. مثل الخطط الاسكانية وامتيازات خاصة بكل ممتهن لوظيفة باختلاف الوظيفة عبر الضغط النقابي..مثل الاكتفاء بثابت شهري لمنسوبي الكهرباء ..وغيرها في كل المجالات..وشيئاً فشيئاً ..أصبحت هذه الميزات نفسها بلا قيمة..في ظل تراجع الدعم الحكومي ..فماذا تعني ميزات العلاج للعاملين في القطاع الطبي إن لم تكن هنالك خدمات صحية كافية تقدمها الحكومة ؟ وماذا يعني استثناء ابناء العاملين في التعليم من منافسة القبول في ظل فقدان الثقة في التعليم الحكومي وتنامي التعليم الخاص كلازمة من لوازم الاقتصاد السوق الطفيلي المتوحش ؟
والأسوأ تمثل في محاولة الابقاء على الصورة رغم تقزم الدخل أمام غول السوق..فظهرت سمتان مختلفتان..الغرق عميقاً في لجة الديون..لا لمقابلة الاحتياجات الفعلية وحدها..ولكن لغرض وهم الوضع الاجتماعي والإبقاء عليه..ما أدى في المحصلة..إلي اضطرار هذه الطبقة إلى بيع ما حصلت عليه من أراض وبيوت..عبر التسهيلات الوظيفية سابقاً..أو من حصيلة الاغتراب عبر الإعارات إلى دول البترول والانسحاب إلى الأطراف بعد أن كانت المراكز وقفاً عليها..أما السمة الثانية ..فكانت الاضطرار إلى مزيد من ساعات العمل..التي قد تمتد إلى دوام آخر..في استهلاك للأبدان ..حتى أصبح كراكب الدراجة. الهوائية .عليه أن يبدل باستمرار..ليكون مستقراً في مساره..فأي توقف لأي عامل من العوارض الصحية مثلاً..يعني اهتزاز الصورة ..والعودة وقوعاً إلى أرض الواقع المرير
ربما كان ما سبق مقدمة ضرورية..لخلاصة وضحت أيام دعوات العصيان المدني.فرغم أن الوظيفة في عرف الإخوان المسلمين ..وفق ما كان يحثهم مؤسسوها..هي اضيق أبواب الرزق.. إلا أنهم حرصوا في البداية على إفراغها من الفاعلين من غير مواليها ..أو إغراء القابل من غيرهم للإغراء ..لضمان ولائها وعدم استخدامها في العمل السياسي المضاد..وأحكمت الحبكة والمؤامرة المكشوفة بقانون نقابة المنشأة..فكانت النتيجة ..ما رآه السودانيون أيام دعوات العصيان..حيث لم تقو هذه الفئة رغم معاناتها وبغضها للنظام..أن تقول جملة واحدة. من كلمتين.( أفصلونا كلنا).. فتباهى النظام بعدم مشاركتهم..ونكل بمن شارك منهم كما جاء في النماذج التي وردت في الإعلام..كيف لا وما زال الوهم القديم مستمراً حتى بعد تبين انتقال بؤس الحال إليهم كذلك..وصعود فئات ليست بالضرورة كلها طفيلية ؟..وهكذا صار القوم مستعبدين بالوظيفة التي يخافون عليها..فمتى يفيق هؤلاء ؟

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. اسلم يراعك…بس كمان خوف الموظفين من المشاركه فى العصيان خوفا من قطع يعتبر عدم ايمان وضعف فى العقيد ..واين ذهبت مقولات من كان رزقه على الله فلا يحزن ..والحى رزق حى ..وما شق حنكن ضيعو.لابد من التضحيات وضرورى الخسائر .اما غير ذلك وخمو وصرو.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..