العلمانية .. جدل الموافقة والرفض

الخرطوم: مشاعر دراج
أعلن السكرتير العام للحركة الشعبية لتحرير السودان، عمار آمون، تمسك الحركة الشعبية بعلمانية الدولة وحق تقرير المصير، وقال إن الحركة لم تتفق مع الوساطة على أي مواضيع أو أجندة عند استئناف التفاوض حيث أعلنت الحركة بقيادة عبد العزيز الحلو العودة للتفاوض مع الحكومة خلال الأيام الماضية، ومن المتوقع أن تشهد جلسات التفاوض تباين في وجهات النظر بين الحكومة وقوى الحرية والتغيير وحركة الحلو في حال تمسك بعلمانية الدولة.
وقال المتحدث الرسمي لقوى الحرية والتغيير، وجدي صالح، لـ (حكايات) إن تمسك الحركة الشعبية شمال بقيادة القائد عبدالعزيز الحلو بالعلمانية لن تنسف المفاوضات، خاصة أن قضية العلمانية من القضايا المطروحة للنقاش ويمكن الوصول فيها إلى تفاهم بين وفدي الحكومي والحركة الشعبية بقيادة الحلو.
وتوقع صالح تحقيق السلام بأذن الله مهما كانت التحديات، مبينا أنهم في هذه المرحلة يريدون الوصول إلى سلام حقيقي يناقش ويعالج جذور المشكلة، مضيفاً “لذلك هي من الموضوعات التي تعتبر من الجذور ويجب مناقشتها بكل شفافية من ثم الوصول لاتفاق مع كل الرفاق في قوى الكفاح المسلح”.
وأكد وجدي أن السلطة الانتقالية وقوى الحرية والتغيير مؤمنين بدولة المواطنة التي تساوي بين المواطنيين دون تمييز على أساس الدين أو العرق أو اللون أو الوصف الاجتماعي والديني والجهوي، مردفاً “بالتالي هذه الدولة دولة المواطن التي ناضل الجميع من أجلها بما فيها الحركة الشعبية لذلك يجب تحقيقها في هذه المرحلة الانتقالية التي ستضع البلاد في إطارها الصحيح من خلال المساواة بين المواطنيين والحقوق والواجبات”.
وقطع صالح بعدم اتخاذ موقف لأي قوى داخل تحالف اعلان الحرية والتغيير منفردة تجاه قضية العلمانية مع أو ضد، وأضاف “الحديث عن مصطلح العلمانية هو في حد ذاته من ضمن المصطلحات التي تحتاج إلى تعريف فكل ينظر اليها من جانبه والكل يعرف العلمانية من جانبه”، واردف “نحن نتحدث في قوى الحرية عن ما هو موافق عليه بالتالي قوى التغيير حينما تتخذ موقف يكون جماعي متفق عليه، ولا يحجر على القوى السياسية بأن تكون لها مواقفها الخاصة المرتبطة ببرامجها السياسية أو منطلقاتها الفكرية وهذا حق لأي حزب من الأحزاب”.
تأجيل الموقف من العلمانية
إلى ذلك أكد القيادي بقوى الحرية والتغيير، حيدر الصافي، لـ (حكايات) عدم اتخاذ المجلس المركزي لقوى الحرية والتغيير قرار في مسألة العلمانية بأعتبارها من القضايا التي تهم الشعب السوداني وتمس الرأي العام، مضيفا “لذلك لا يمكن لقوى الحرية أن تقرر في هذه القضية وهي جهة غير منتخبه”.
وأضاف “الحرية والتغيير فرضها الواقع وهي غير منتخبة حتى تختار للشعب حقه ودورها الأساسي تكمله بناء السلطة الانتقالية، بجانب تأسيس العمل الديمقراطي حتى تأتي حكومة منتخبة.
وذكر الصافي أن الوثيقة الدستورية في ملامحها العامة تؤكد قضايا المساواة في الحقوق والواجبات بين كل المواطنيين بدون الانزلاق في مسميات للدستور كما يمكن وضع دستور كل إنسان يرى فيه حقه ويكفل للجميع الحقوق والواجبات المتساوية. وتابع “أيضا يكفل حرية الاعتقاد والتنظيم ويكفل لكل الشعائر الدينية أن تمارس شعائره دون مزايدات أو قيد عليها أو بدون سطو واحدة على الأخرى”.
ويرى الصافي أن الأمر في بناء الدولة الحديثة يعتمد على تحقيق المساواة السياسية والاقتصادية لتنتج العدالة الاجتماعية نتيجة للمكافأة أو تلاحق المتساوي بين السياسية والاقتصادية وتصبح عدالة اجتماعية مبنية على القيم الإنسانية التي لا تفرق بين الناس على أساس الدين أو اللون أو العنصر أو اللغة.
واشار إلى أن هذا المستوي لا يحدث بالتمنيات أو بذكر مواد في دستور معين، خاصة ان الدساتير العلمانية معروفة في بلاد كثيرة متنوعة، كما عليها خلافات كبيرة مثال أمريكا التي ما زالت تمارس نوع من العنصرية. مضيفاً “لذلك القضية في مسألة الدستور هو المظهر المعنوي لتحقيق العدالة والقيم رغم انه لا يحقق القيم والعدالة انما ينادي ويعتمد على مستوى وعي الفرد وقناعته والمنهج الذي يتبعه لتحقيق القيم الواردة في الدستور وتنزيله في الواقع الاجتماعي والممارسة اليومية”.
تردد الحكومة
تقول القيادية بالقوى المدنية، مها الزين، إن الحكومة تبدو مترددة في قبول مبدأ علمانية الدولة، مشيرة إلى أن المفاوضات بين وفد قوى الحرية والتغيير السياسي والحركة الشعبية شمال بقيادة الحلو في فبراير الماضي، أسفرت عن مقترح فصل الدين عن الدولة وعدم سن أي قانون على أساس ديني وعدم قيام أي حزب على أساس ديني، عدا قانون الأحوال الشخصية بما لا يتعارض مع الحقوق الأساسية.
وأقرت مها في حديث لـ (حكايات) بوجود تباين في مواقف الأحزاب المكونة للكتل بمجلس الحرية والتغيير بين مؤيد ومعارض وموقف وسطي، وأضافت “مثلا حزب الأمة، البعث، الاتحادي ضد العلمانية”، كما يقف المؤتمر السوداني والحزب الناصري موقف وصفه البعض بالدبلوماسي، حيث يطرحون الدولة المدنية، أما الداعمين لفصل الدين عن الدولة منهم الحزب الشيوعي والتحالف السوداني، وتجمع مزارعي الجزيرة والمناقل، الحزب القومي السوداني، الاتحاد النسائي.
وأضافت “لكني أرى هذه المرحلة ما تطرحه من مطالبة بالتغيير لأشكال العلاقات السائدة منذ الاستقلال والتي عطلت معالجة الأسباب الجذرية للنزاع المسلح بالسودان تحتاج لرؤية واضحة وداعمة لقوى الثورة الحية التي ضحت من أجل التغيير”.
واردفت “أخشى أن ما يتم من اشتباك وقتال بين مجموعات سكانية ثانية وجهوية بالشرق بين النوبة والبني عامر وجنوب كردفان وغرب كردفان والنوبة، هي استهداف لقبيلة النوبة كما لا أستبعد أن يكون خلفها عناصر النظام البائد ومن يتستر خلفها بالأمر معها ضد أحداث التغيير الذي يهدد مكتسباتهم الشخصية ومصالحهم الحزبية.
السلام رغبة مشتركة
من جانبه استبعد القيادي بالمؤتمر السوداني نور الدين صلاح، أن تنسف قضية العلمانية التفاوض بين الحكومة والحلو، قائلا إن الرغبة في الوصول إلى سلام هي مسألة مشتركة بين جميع الأطراف المعنية بالعملية السياسية الجارية الآن في جوبا.
وأوضح صلاح لـ (حكايات) أن قضية علاقة الدين بالدولة قضية على درجة عالية من الأهمية ينبغي على السودانيين مناقشتها سواءاً الآن أو في المؤتمر الدستوري باعتبارها الأبرز في الأزمة السودانية وعنصراً مشتركاً في البرامج السياسية لدى كل القوى التي حملت السلاح.
وأضاف “علينا أن نترك ثقافة الهروب إلى الأمام جانباً في سبيل الوصول إلى حل جذري للأزمة السودانية خصوصاً أن لدينا فرصة نادرة كشعب سوداني في الوصول إلى سلام يتوافق عليه الجميع وفق الظرفية السياسية الحالية التي أن اضعناها فقد لا تتكرر قريباً، عموماً الإرادة الآن متوفرة لدى جميع الأطراف بالرغم من وجود عقبات عديدة سوف يتم السلام العادل قريباً جداً”.
وأشار إلى أن جميع الأطراف في الحرية والتغيير ومعها الحكومة بمكونها العسكري تدرك أن موازين القوى الحالية تجبر الجميع على استمرار تحالف الحرية والتغيير والحفاظ على الإنتقال والعمل على تحقيق عبور آمن للفترة الانتقالية، مضيفاً “غرق هذا المركب وعدم وصوله إلى بر الأمان يعني فناء الجميع، لذلك اعتقد أن الخلاف داخل الحرية والتغيير حول العلمانية ربما يكون خلافاً اصطلاحياً باعتبار توافق الجميع على كون أن الحقوق في البلاد تقوم على أساس المواطنة دون تمييز”.
وذكر أن المشكلة الأساسية هو إنفاذ الدساتير والقوانين بشكل صحيح وجعل جوهرها ثقافة عامة لدى المواطنين، مؤكداً أن مبدأ المواطنة هو مبدأ علماني ونصت به دساتير النظام بما فيها دستور نيفاشا وحتى دستور 98 الذي وضعه النظام البائد منفرداً، مضيفاً “حيث ظل الأشكال الأكبر هو استنطاق النصوص على شكل الممارسة الرسمية والاجتماعية في الدولة”.



