
البوصلة في حكومة الفترة الإنتقالية لا تعمل ، أو يمكن القول جزما أنها لا توجد ، ويمكن تلخيص الأمر في عدة أسباب ، أولا لم يستطع المكون السلطوي في الفترة الإنتقالية من تحديد الأعداء الذين يقفون عقبة كأداء في طريق تحقيق إهداف الثورة ، وفشلها في ذلك أدى لعدم تمكين المراقبين والمحللين السياسيين أو حتى الجموع الغفيرة من شعب السودان تحديد هوية السلطة الحاكمة في السودان التي شكلت ملامحها وبناءها ما يسمى بالحاضنة السياسية( قحت) ، وذلك نظرا لعدم إتخاذ الخطوات الواجبة في قضايا تتعلق بالعدالة ، مما جر عليها كثيرا من التهم والتشكيك في تحقيق أهداف الثورة وشعاراتها ، فكان الصراع بين الثلاثي الحاكم مبتدءا، مجلس السيادة والمسيطر فيه الجناح العسكري ، والسلطة التنفيذية بقيادة د/عبدالله حمدوك وفريق عمله ، والركيزة الثالثة وهي قحت ، صراع وتخبط وبيانات متضاربة وغياب لإعلام السلطة بشقيها السيادي والتنفيذي . كما أن الأمر إزداد تعقيدا بعد إن توسعت قاعدة المشاركة في السلطة من تجمع القوى الثورية الموقعة على إتفاق جوبا وتلك التي تضع شروطا يصعب الإفتاء فيها بلسان حكومة إنتقالية غير مفوضة ، الدستور وعالمانية الدولة وفصل الدين ، إن التوسع في المشاركة زاد من منابر إعلام السلطة وزاد من الصراع حول المكاسب في السلطة ، وفي خضم هذا وذاك ضاعت الطاسة كما يقولون وزاد المشهد إضطرابا .
الحكومة على المستوى الداخلي لم تحقق أي تقدم في حلحلة مشاكل الناس اليومية ، لا في معاش الناس ولا في ضبط إنفلات الأسعار ولا قدرة إستبانت للناس في التحكم في سوق العملات الإجنبية والذي أطلق العنان لفوضى عارمة في السوق شملت كل المعروض من الخدمات والسلع المحلي والمستورد منها .
الهشاشة الأمنية، أمر واضح من إرتفاع نسبة البلاغات في التعديات على الممتلكات الخاصة والعامة مع بزوغ حالات عدم إنضباط أمني في الشارع العام ، مع ملاحظة عدم سرعة التعامل معها بالقانون في ظل عدالة ناجزة وحاسمة تحفظ هيبة القانون والدولة .
القصور البائن في مواعييننا الصحية والعلاجية والمتمثلة في مراكز العزل والمراكز الصحية والمستشفيات وتلكؤ في تسوية مشاكل العاملين في القطاع الصحي وتغطية العجز في قطاع الأطباء ، ينم ذلك عن عدم رؤية واضحة في معالجة القصور في هذه المرافق الحيوية .
في الآونة الأخيرة إحتد الجدل في تعريف أجزاء وقطاعات أمنية متعددة وتحديد مهامها ، مما زاد من تقاطعاتها في المهام وتداخل في الواجبات ، والتي أصبحت مدار الحديث يوميا في أركان المدينة ومنتدياتها ومجالسها ، والتي أدت لغياب بعض الجهات العدلية والشرطية من المشهد .
بما أن السودان في الوقت الحالي يعاني من عدم إكتفاء ذاتي في الغذاء ، يلاحظ تكاسل في أداء الجهات المنوط بها معالجة مشاكل الزراعة توسيعا للرقاع المزروعة وتباطؤ في حل مشاكل الري كما لا تقل أهمية مشكلة تأمين وإيجاد صوامع بمناطق الإنتاج لحفظ المخزون الإستراتيجي بعيدا عن الأيادي العابثة والظروف غير الآمنة .
.التراشق الإعلامي بين وزارة التربية والتعليم / قسم المناهج وبعض الجهات مثل الشؤون الدينية وبعض أئمة المساجد والمنصات الإحتماعية ، أدى بلا شك الى شق الصف المجتمعي ، ومما زاد الطين بلة بروز عدم التنسيق الحكومي من قمة الهرم التنفيذي مرورا بالجهات المعنية بتغيير وتعديل المناهج ، كما أن عدم إرجاع الأمر لجهات متخصصة وموثوق بها لمراجعة المناهج برمتها بالسرعة المطلوبة ، أدى لإتهام الحكزمة بالضعف والإختراق ، وخلق ساحات صراع مجتمعي ديني كان من الممكن سد هكذا ثغرة قبل تنامي النقد ووصوله لمنابر المساجد .
على الصعيد الخارجي ، قد نجحت حكومة د / عبدالله حمدوك في رفع إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب كما أنها نجحت في إستصدار امر الحصانة من الملاحقات القانونية في قضايا تتعلق بالإرهاب في أحداث ترتبط بالأمن القومي الإمريكي وكذلك خطت خطوات إيجابية في مسألة الديون للبنك الدولي ، إلا أن ذلك يتطلب العمل الجاد في تطهير ممثليات السودان في الخارج من كل المتآمرين والمعوقين ووضع ممثلين وطنيين أكفاء ذوي خبرة للإستفادة من خروج السودان من تلك القائمة السوداء وجلب المستثمرين للعمل في خلق مشاريع إستثمارية تقلل من نسبة البطالة وتعود بالمنفعة لموارد الدولة وتبيض وجه السودان في الخارج.
إن فشل الحكومة في التنسيق والإتفاق مع الجانب الأثيوبي في مفاوضات سد النهضة ، وخلق عداوات جديدة مع النظام الأريتيري لم تكن موفقة في التوقيت ولا الظروف وجر البلاد الى حرب مباشرة أو الدخول في صراع مع عصابات الشفتا أو القبائل المتاخمة للحدود ، ، كثيرون ذهبوا الى أن أيادي ومخابرات إقليمية تسعى الى عكننة العلاقات الأثيوبية الأريتيرية بهدف تعطيل الملء الثاني في سد النهضة والذي عملت جهات كثيرة في أن لا توجد قاعدة إتفاق بين الأطراف المتفاوضة ، إرسال قواتنا السودانية للحدود مع أثيوبيا تأتي في نهاية موسم الحصاد وكان من الممكن مناقشة قضية الحدود مع أثيوبيا بعد إنهاء مفاوضات سد النهضة دون الوقوع تحت تأثير جهات أخرى والدخول في حرب بالوكالة نيابة عنها ولتحقيق أهدافها .
المشهد السياسي السوداني يكتنفه الغموض علي المستوى الداخلي والخارجي ، مما يوضح ضياع البوصلة أو غيابها .
الباقر علي محمد الحسن