تظل الأفكار لهوا مخاتلا مالم ينتظمها مبدأ

تظل الأفكار لهواً مخاتلاً، مالم ينتظمها مبدأ..
كثيراً ما نقع ضحايا الخلط بين المبدأ والفكرة، لذلك ترانا نتقاتل قتال الوحوش الضارية التي لم تنال حظاً من أنسنة أو تحضر وقبعت في مستواها التطوري الأول، من أجل الانتصار لفكرة، ودوماً تأخذنا العزة بالإثم والفجور إذا ما دعانا ضميرنا الغائب أن نتنازل عن فكرة أو حتى أن نقيم ما يعتريها من اعوجاجها، في محاولة لا واعية، ربما، لاثبات أن أصل الإنسان قبل النفخة الروحية الإلهية التطورية التي قادتنا إلى حياة الأنسنة ومعاريج العقل، كان مجرد وحش بأنياب زرقاء لا يختلف عن غيره من الحيوانات الأخرى.

لم نسمع في تاريخ السودان السياسي عن تحالف حزبي انتهى إلى اندماج، لم يطرق سمعنا توأمة بين حزبين أو ثلاثة انتهت إلى بيان مشترك تنازل فيه رئيس حزب عن أفكاره لصالح المجموع ليخرج الجميع باحساس مشترك حيث أن رفيقي أو زميلي أو أخي المواطن عبر عن أفكاري على نحو أحسن أو حتى حام حول حماها.

بل نسمع عن حالات التشظي والانشطار والفرقعات الحزبية والحركية التي تطن الآذان صباح مساء، ومن عجيب أنك ترى الحزب ينشطر إلى فرقتين وكل فرقة كالطود العظيم لا في ثقلها الجماهريري أو الفكري ولكن في فُجورها وعُهر ناطقها وإفلاسه، وكلاهما يتهم الآخر بالخيانة تلك التهمة (الحنينة) التي تجامل الكل بلا استثناء، فيرتمي أحدهما في أحضان النظام طلباً للدفئ والآخر يخرج من الساحة بحثاً عن حاضنة.

وما إن يحدث التوازن (القلق) لكلا (الشظيتين)، وتخبو الأصوات حتى تبدأ كل (شظيِّة) في التشظي والتفتت في حركة (أميبية) لا نهائية حتى يتعسر علينا رؤية الحزب بالعين المجردة.

ثم يخرج رجل من أقصى المدينة عليه سمت النضال الزائف ويختصر كل (الخيبة) النخبوية، ويقول هذا من خُبث النظام، الذي يعمل على ضرب وحدة المعارضة جرياً على مبدأ فرق تسد الذي مارسه المحتل قديما (Divide and conquer)، ثم يصفق الجميع وتعلو الهتافات لهذا الرجل الذي فكَّر وقدَّر وأراح ضمير السادة (المتشظين)، وكأنه أتى بما لم تستطعه الأوائل، وينسى أن حالة (التشظي) يعاني منها النظام قبل المعارضة.

نحن لسنا في حاجة لأفكار جديدة، إنما نحن في حاجة لما هو سابق للفكرة، نحن نفتقر (للمبدأ) الشامل الذي ينتظم كل حركاتنا وكل خلجاتنا وتصرفاتنا، ذلك المبدأ الذي يتفق عليه الجميع بوعي وبلا وعي، ويتجاوز (البناء الفوقي) من حكومات وأنظمة سطو وتسلط، ويحفر عميقاً في هذا الركام حتى ينبجس لنا (مفهوم الدولة) ذلك الكيان الذي قوامه الذاكرة الجمعية والغناء والفلكولور الشعبي وكل رأس المال الاجتماعي الذي نباهي به الشعوب الأخرى.

ذلك المبدأ الذي يتيح لنا أن نجلس على (رملة كردفانية) أمسكت جوانبها قطرات المطر التي أدت دورها بكل اتقان ثم غاصت وتوارت واختفت لا تنتظر منا الثناء، فينطلق الجميع من أرضية ثابتة وقوية، عندها فقط لن تتصارع الأفكار ولكنها ستتكامل من أجل وطن يسعنا جميعا.

مع كل أسف وعلى الرغم من رومانسية الفكرة إلا أنها المخرج الوحيد من مأزق الوطن، فالكل أصبح يشكو من الكل، كل المنظومات الأخلاقية قد انهارت كل عوامل الثقة التي نعول عليها قد انهارت، حتى على مستوى العلاقات الشخصية الكل أصبح يردد الأمثال السلبية (اتق شر من احسنت إليه) ولم يعد في الدنيا صديق وفي، ونحن نعيش في غابة من الذئاب، بل حتى الأخ قد أصبح عند البعض ألد الأعداء (استوردنا كل قيم صحراء نجد).

وقبل أن تتضاعف الثلاثون إلى مئين، فعلى كل صاحب فكر ثاقب ورؤية متكاملة أن يناضل من أجل إرساء مبادئ الوطن بعقله، وأن يتحاشى (ملق العواطف) فكل نضال وحراك ومحاولات لاسقاط النظام ما لم ينتظمها مبدأ يوحِّد ويؤلِّف بين القلوب ويرسم رؤية مستقبيلية واضحة تستقطب البسطاء (وقود التغيير) فستكون هباءاً منثوراً، حتى لا نغرق في وهم الانتصارات اللحظية الميكروسكوبية وتبادل اتهامات الخيانة التي يتقاذفها من لا يملك غيرها.

صديق النعمة الطيب
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..