هل تراجعت نسبة قراء الأدب في السودان ؟

هل تراجعت نسبة قراء الأدب
في السودان ؟
إذن أين مقولة ( القاهرة تكتب و بيروت تطبع و الخرطوم تقرأ !!؟..)
لعلها صارت من مقتنيات المتاحف !!؟…
لماذا اللحظة الآنية أسوأ من التي قبلها!؟.
صحيح أن الزمن يغير كل شئ …
لكن الى الأفضل و الأجمل و الأكثر تقدماً
إلا في السودان !!؟…
إذا ألقينا نظرة عجلى على المشاهد الثقافية عبر فترات متعاقبة من تاريخ الأدب السوداني ، مثلاً منذ صدور مجلتي النهضة و الفجر الى نهاية عقد السبعينيات …
و تاريخياً فإن مجلة النهضة كانت أول مجلة أدبية سودانية خالصة و قد صدر العدد الأول الأسبوعي منها في أكتوبر1931 و كان صاحب الإمتياز و الناشر و رئيس التحرير هو “محمد عباس أبو الريش” و كان من كتابها “المحجوب” و “العتباني” و “عرفات محمد عبدالله” و “محمد عشري الصديق” و “عبدالحليم محمد” ….
لكنها سرعان ما توقفت برحيل صاحبها
و هذه المجلة كانت بمثابة عاصفة ثقافية ، أثرت المشهد الثقافي السوداني خلال فترة وجيزة بكتابها و قرائها ، و قد نشرت
العديد من النصوص الشعرية و الأخرى السردية و المدهش أنها وجدت إقبالاً منقطع النظير من القراء ، رغم قلة المتعلمين في ذلك الزمان !!؟…
أما مجلة الفجر فقد إستفادت من تجربة مجلة النهضة …و ترسمت خطاها و عملت على إستقطاب كتاب مجلة النهضة
و قراءها معاً …
الغرض المستهدف من إيراد هاتين المجلتين هو أن السودانيين منذ فجر صدور أدوات النشر مع البدايات الأولى
للقرن العشرين ، كانوا من عشاق الإطلاع و البحث عن كل ما هو جديد في مجالي الثقافة و الأدب ، حتى صاروا من مدمني القراءة و لا سيما القراءة الجادة !!؟…
لذلك كان جُل تركيز هذه المجلات على الجانب الأدبي ، و ربما لأن مبعثه إهتمام المثقفين من أجيال تلك الأزمنة ، كان يتجه بصورة خاصة صوب النواحي الثقافية و الأدبية ويندرج تحت مسمى القراء
الفاعلون الذين لا يقرأون فقط للتسلية و تزجية الفراغ … بل للتثاقف و التلاقح الفكري و الإستنارة و معرفة ما حولهم …
إذن أن خلاصة المقولة إياها ( أن الخرطوم تقرأ )
لم تأتِ من فراغ …
هذه التركة العظيمة التي ورثتها لنا الأجيال السابقة جديرة بأن تصان و يُعض عليها بالنواجذ …
و لعل من أسباب توهج المشهد الثقافي إبان عقدي الستينات و السبعينات في السودان ، إنتشار المكتبات في ربوع الوطن التي كانت تعرص آخر ما تصدره
دور النشر ، في بيروت و غيرها ، فضلاً عن المراكز الثقافية للدول الأوروبية …
كل هذا حفز المتعلمين لإدمان القراءة و التطلع صوب الغرب للتعرف على تجاربهم
الحداثية و التأثر بمناهجهم النقدية و مدارسهم الآدبية ، أذكر بهذه المناسبة أن “محمد عوض كبلو” عقب إحدى الندوات ، في نهاية الستينات … تحدث عن منهج نقدي جديد ظهر في أوروبا سماه “الإنشائية” و كان يقصد بحسب الترجمة التي شاعت فيما بعد “البنيوية” …….
كما أنهم يمموا شطر الشرق ونهلوا من معين اليسار وإنحازوا إليه … مما يجعلنا
نقول أن معظم مبدعي السودان خرجوا من معطف اليسار !!؟…..
و هكذا تشكلت شريحة كبيرة من المجتمع السوداني على إدمان القراءة لتصبح لدى
البعض عادة يومية حميدة بالقطع …
لماذا أتحدث عن قراء الأدب ؟. دون القراء الآخرين في مجالات مغايرة !.
لأن الأدب هو الذي يجمل الحياة و يبعث الأمل في النفوس القانطة ، فضلاً عن أنه يقوّم السلوك و يرتقي بالذوق العام … ويجعل قارءه يعترف بالآخر و لا يسعى لإقصائه !!…
بالقطع لن يكون كالسياسة التي تشيطن الآخر و تجعل منه عدواً و تعمل على تصفيته ، حتى لو كان من بني الوطن ، بجانب تردي سلوك الذين يتعاطون مع كتاب الأعمدة السياسية بتعليقاتهم المسفة و لا أريد هنا أن أعمم ، لكن معظمهم يتفوه بألفاظ لم تكن تُجرى على ألسنة الوسودانيين من ذي قبل !!؟….
* * *
إذا إتخذنا قراء صحيفة الراكوبة الإلكترونية نموذجاً ، سيتضح لنا جلياً أن قراء الأدب مقارنة بقراء السياسة ، تتناقص نسبتهم بدرجة مهولة … فقراء
النص الأدبي في أفضل الأحوال لا يتعدى بضع مئات بينما يصل قراء المقال السياسي مهما قل شأنه الى الآلاف !!؟..
و ماذا عن التعليقات التي تأتي في ذيل الموضوع من قبل القراء ؟؟…
لنضرب مثلاً لا زال طازجاً …
الخلاف الذي دب بين الكمالين ( كمال الجزولي و كمال عمر ) … لا أريد أن أخوض في الأسباب التي أدت الى ذلك.
فقط أود أن أشير الى المقال الذي كتبه الشاعر “عالم عباس” عن ديوان “كمال الجزولي” ( أم درمان تأتي في قطار الثامنة ). ربما كان ما كتبه “عالم عباس” عن “كمال الجزولي” أقوى و أرقى دفاعاً عن “كمال الجزولي” من أي مقال كُتب أو سيكتب عنه لاحقاً !!؟….
ماذا نرى !!؟…
الشخص في كلا الموضوعين واحد و هو “كمال الجزولي”
الأول حوار أُجري معه
و الثاني مقال كُتب عنه
أنظر الى الهامشين
هناك تعليقات بلا إنتهاء تحت الحوار
و هنا تعليقين لا ثالث لهما تحت المقال
و التعليقان لا يتعديان مجرد المجاملة …
على الرغم من أن ما كتبه “عالم عباس”
عن “كمال الجزولي” ، يُغري القراء ، بل و يدفعهم دفعاً و يحشد وجدانهم إحتشاداً.
للكتابة معلقين على الديوان و اللغة الرصينة التي سبكت نصوصه و جعلت منها فتحاً جديداً في إيقونة الشعرية بقاموسها المتفرد و إجتراحها لصوغ تراكيب نسيج وحدها و غير مسبوقة مثل قوله ( و أين بلادي ؟ .. كل وجه رأيته قناع .. و أخشى صدق وجهي المجرد ) !!؟….
و في موضع آخر يقول ( صار كلانا أكثر حزناً من كلينا ) !!؟….
و أيضاً قوله ( شاخ دم القوافي البكر ) !!
و ( أسرج العشق حصانه ) !!!؟؟… كل هذه النفائس أبرزها الشاعر “عالم عباس” بحرفية من يمتلك ذائقة فنية رفيعة
جعلت من هذا المقال لوحة بانورامية عن شعرية “كمال الجزولي” و قبلها كان قد كتب فذلكة تاريخية عن السيرة الذاتية للشاعر “الفيتوري” … أورد من خلالها العلامات البارزة في حياته كعقدة اللون التي رافقته طويلاً و إشكالية الإنتماء و
إعتزازه بإفريقانيته و صوته الشعري العالي في المحافل العربية … الى أن ولج في غيبوبة الصمت المطبق !!؟….
لكن ، كل هذا لم يجد صدى لدى قرائنا الأكارم !!؟…
و هذا قليل من كثير.

فيصل مصطفى
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. لا نحن نقرأ حتى أصيبت عيوننا بالضعف ولا ننام الا ونقرأ . قدم لنا اطروحات ادبية فانتم تمجدون من كتبو لا ماكتبو

  2. سلامة عيونك يارجل
    القراءة تهبك البصيرة
    و الإستنارة و الرقي
    فداوم عليها أدامك الله

  3. نعم تراجعت في مقابل انتشار قلة الادب خاصة اهل السلطة . قارن المستوي العلمي والادبي لاول
    مجلس سيادة حكم السودان بعد الاستقلال واحكم بعدها

  4. اعتقد ان القراءة بخير رغم المصاعب الاقتصادية التى تعيد تحديد الاولويات. هناك قراءة سهلة وقراءة يتردد القارئ السودانى فى التعليق عليها. كل سودانى يمارس السياسة،غير انها تمس عصب حياته، لكنها اصبحت احدى ميزاتنا منذ ما قبل الانهيار الحالى. نتابع الاخبار وحين يطرح احدهم رأيه فى موضوع سياسى سوى كان فى الراديو او التلفزيون او مقال مكتوب نتصدى بسرعة لابداء رأينا الذى قد يكون حتى مخالفا لصاحب الرأى. بنفس المستوى يقرأ القارئ السودانى المقال الأدبى او القصة او القصيدة بنهم لكنه ربما يتحرج من ابداء الرأى مع نظرته للأدب كمجال اكثر تخصصا وليس مثل السياسة التى اعتاد على ممارستها اليومية حتى اصبحت جزءا من تكوينه. ربما سيكون الاجدى ان نسعى فى تقديم الأدب ليرقى لممارسة حياتية يومية. وفى تقديرى ما دمنا نقرأ مقالات او حتى موضوعات مثل التى تطرحها صحف مثل الدار ، فألأمل كبير فى ان نستعيد نهم القارئ السودانى. كما ان ادارة الراكوبة يمكنها ان تبرز بعض المواضيع الادبية مثلما تفعل مع بعض المواضيع السياسية الهامة. لمزيد من تشجيع القارئ على قراءة الأدب.
    وشكرا لك استاذنا الجليل على افكارك الرائعة التى تحرك دون شك ساكن هذه البركة.

  5. للأستاذين أحمد و أمير
    المبدعون عموماً يحتاجون للصدى !!؟…
    فكيف لهم معرفة أثر نصوصهم
    سلباً أو إيجاباً دون الإفصاح
    عن رأي القارئ
    لكما مودتي

  6. بما أنني قد استدرجت استدراجا عبر النظم المتفرد لغة والمكتنز بالأدب الراقي عبقا…شدني انتقال المبدع صاحب المقال متربعا صهوة الأدب السوداني بسلاسة متفردة بين نمازج حية شعرية ..استخرج منها نفائس أدبية…الغرض منها استثارة الحنين لقراءة الأدب والثقافة عند من توقفوا…ومحاولة اغراء من حرم لذة الانتشاء أن يسعي للارتشاف من معينه الثر…لا مناص لأحد من قبول هذا العرض القوي لأهمية القراءة الأدبية الجادة….حتي ننتشل هذا الجيل من الشباب من الانحدار الأخلاقي الذي أصبح مهددا بانهيار الإرث التاريخي للذوق السوداني الرفيع…

  7. الى الآخوين ( أبو باسل و الكاروري
    كلاكما إنسرب الى لب المقال
    الأول مدرك الى مقاصد المقال و يدعو
    معي الى أهمية القراءة ونشوتها
    و الثاني يطرح سؤالا خطيراً
    ما أهمية القراءة في هذا الزمن الأغير
    أذا كنت جائعاً
    لكما موتي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..