لماذا تسرق الثورات العربية؟

عندما اندلعت ثورات الربيع العربي منذ أكثر من سنتين؛ استبشرت الشعوب العربية خيراً ولمع بريق أمل ثم انطفأ الآن، حيث لم يحدث التغيير المنشود في كل من تونس وليبيا ومصر واليمن والتغيير هو أساس الثورة وإذا لم يحدث عقب أي ثورة فيعني ذلك عدم اكتمال الثورة.وهذا ما حدث في ثوراتنا العربية، هل فعلا لم تكتمل هذه الثورات أم أنها سرقت من قبل الحركات الإسلامية كما يقول البعض؟ بل إن هناك ثورة تم وأدها منذ بدايتها كالثورة اليمنية، هل نحن غير مؤهلين للثورة والتغيير والديمقراطية، وهل بالفعل الديمقراطية لها (ناسها)؟وهل ذلك مرتبط بفشل النخبة العربية وبانتشار الأمية ببلادنا، وهل الحركات الإسلامية متهمة بسرقة ثورات الشعوب العربية أم مجني عليها؟ وما هو دور التدخل الخارجي في ذلك؟تساؤلات طرحت في شكل استطلاع بدأناها بالكاتب المعروف عبد العزيز حسين الصاوي، فأوضح أن الثقافة الديمقراطية ضعيفة وبعيدة عن شعوبنا العربية لأنها جاءتنا من اوربا فلا ديمقراطية دون ديمقراطيين ودون استناريين وتنويريين. والديمقراطية تعني نظاما سياسيا مستقرا وما حدث في ثورات الربيع العربي كانت ثورات ضد الديكتاتورية والشمولية لنيل الحرية وأهم الحقائق التي أبرزتها هذه الثورات هي أن قيادتها المحركة في طور المبادرة جاءت من خارج إطار العمل السياسي المباشر والحزبي.والمعروف أن قيام أي ثورة يعقبه فوضى وعدم استقرار في البداية فيتم تصحيحها مثل ما حدث في اوربا، ولكن في بلادنا العربية ونتيجة للحكم الشمولي الطويل تم القضاء على القليل الموجود من الثقافة الديمقراطية، فلا تصبر شعوبنا العربية عقب بداية الثورة وتمل سريعاً وترحب بالانقلابات العسكرية وذلك لوجود نسبة أمية كبيرة.وحتى مناهج التعليم ببلادنا تعتبر تقليدية وغير متطورة وهذا ساعد على انتشار المد السلفي والحركات الإسلامية بل إن هناك دولا عربية تملك المال وتدعم هذه الحركات مادياً، كما أن الظروف التاريخية جعلت شعوبنا العربية ليست لديها مناعة ضد الأنظمة الشمولية، بل يقفون ضد الديمقراطية نفسها.فبعد استقلالنا وتحريرنا من الحكم الأجنبي ووصولنا الى الحرية، لم نقم بتطوير هذه الحرية لنصل الى الديمقراطية المنشودة، وخير مثال لذلك السودان فمنذ الاستقلال الى الآن نعاني صراع الأحزاب التقليدية والحديثة فالأحزاب التقليدية بها ثقل طائفي يضعف التصحيح الداخلي بها وممارسة الديمقراطية داخلها، بالتالي فاقد الشيء لا يعطيه.أما الأحزاب الحديثة من شيوعي وبعثي وناصري وجبهة إسلامية بها ايضاً أخطاء فكل له منهجه المستلب من التيارات خارجية وكلها متأثرة بالتيارات المصرية حتى الكيانات السودانية الجديدة مثل (حق) و(التجمع الوطني الديمقراطي) و(التحالف الوطني) و(الحركات المسلحة) فهي تخبو وتنطفئ أمام التيار الإسلامي الطاغي لأن جمهور هذه الحركات ضعيف جداً فالأغلبية سودانية صامتة ويهمها توفير لقمة العيش وتهتم بكرة القدم وبمحمود عبد العزيز والبقية ينتمون الى التنظيم الإسلامي أو متعاطفون معه، فقوة التنظيم الإسلامي نابعة من تجاوب الناس مع الخطاب الديني ولأن الإسلاميين يملكون التجارة والمال.ويؤكد الصاوي على أن ما حدث لانتفاضة السودان الشعبية عام 1985 ولثورة 25 يناير المصرية أن سرقت منهما المبادرة لصالح تيارات معينة، ففي ثورة يناير شباب الحركات الإسلامية والسلفية دخلوا في مبادرة الثورة منذ البداية ولكن تأثيرهم في التطور الديمقراطي سيكون خصماً على الديمقراطية فهم لديهم فكر عقائدي معين، ولكن على الديمقراطيين في مصر أن يسعوا للمحافظة على جو الحرية التي نالوها بثورتهم ولا يقعوا في نفس خطأنا في السودان، لأن المعارضة المصرية الآن أصبحت شرسة وتهدد الحرية التي حصلت عليها وتتهم الإسلاميين بأشياء غير موجودة والفوضى الموجودة في الشارع المصري بسبب العناد والمكابرة من المعارضين إلا أيمن نور رئيس حزب الغد فهو المعارض الوحيد المستنير البناء.وهذا العناد المستمر من المعارضة المصرية سيؤدي الى ترحيب المصريين بالانقلاب العسكري.أما بالنسبة للتدخل الخارجي والمؤامرة علينا؛ فأنا ضد مقولة: (إن هناك مؤامرة تحاك ضدنا) وأقول إن هناك استراتيجيات دولية لخدمة مصالحها والعالم أصبح الآن متقارب ومتداخل وقدرة الخارج في التأثير يكون أكثر في المجتمعات الشمولية والتدخل الخارجي، هي حجة دائماً تستخدمها الأنظمة الشمولية. عن دور النخبة العربية في فشل الديمقراطية يقول الصاوي: (إن النخبة العربية تلعب دوراً سلبياً في قيادة المجتمع وهي تعمل في المجتمعات المدنية داخل المدن أكثر من الريف فلا تعمل ككتلة واحدة يقع على عاتقها تحديث المجتمع وبشكل عام هي فشلت في بناء الديمقراطية أو المحافطة على القليل من الديمقراطية الموجودة).وهذا واضح لدينا في السودان فالمنظمات المدنية السودانية لم تفهم الديمقراطية صح ولم تبنها صح فتعاملت بطريقة خاطئة مع النظام الحالي، تعاملت معه كأنه (عبود) و(نميري) مع أن الإسلاميين مختلفون فهم متمكنون ومتغلغلون داخل المجتمع السوداني وحتى المعارضة الإسلامية غير موحدة،.أما الحركات المسلحة التي قامت على أساس التهميش ليس لديهم ربط بين التنمية والديمقراطية وهذا أدى الى انهيار المعسكر الشرقي في اوربا بل إن هذه الحركات تشق وتبعثر نخب المجتمع المتعلمة لأنها تعتمد في تكوينها على القبلية والجهوية ولكن لهم حق في مطالبهم التنموية ولكن أين المطالب الديمقراطية كما أن أساليب وخطط العمل المعارض المجربة في ثورة اكتوبر 1964 وانتفاضة مارس ? ابريل 1985 تنظيم النقابات كنموذج والمستحدثة الآن الحل المسلح كنموذج افتقرت للتوعية العقلية وخبرة العمل العام والقاعدة الاجتماعية التي تتجاوب معها، فرغم وحدة المعارضة بعد مؤتمر اسمرا عام 1995 في التجمع الوطني الديمقراطي كان متكاملاً في جميع النواحي وهذا يؤكد أن ضعف العمل المعارض لم ينجم من ضعف مستواه القيادي وإنما عن تضاؤل في حيوية قوى التغيير الديمقراطي.فلا بد من استراتيجية جديدة للمعارضة السودانية تقوم على التوافق بين إعادة مقومات الحداثة والاستنارة وإعادة تأسيس المشروع الديمقراطي وأي معارضة تتجاهل ذلك ستفشل في طرح نفسها كخيار بديل حتى لو حققت نجاحات عسكرية وحتى لو أسقطت النظام فإنه ستعمل على إعادة إنتاج الأزمة بما يولد أنظمة أكثر شمولية والحل في بلادنا العربية هو الحوار مع الأنظمة الإسلامية الموجودة الآن في سدة الحكم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..