السودان ومصر بين السياسة والفكر

عادل إبراهيم حمد

ظهر الرئيس العراقي صدام حسين على شاشة التلفاز يحمل قنبلة. يباهي بقدرات الجيش العراقي، المشهد الذي قيل بعده إنه قد عجل برحيل القائد الذي لم يعرف كيف يستعرض قوته. قال صدام حينها: إن جيش العراق يحمي كل الأمة، ولو كان الاعتداء على سوريا حافظ الأسد. قالها هكذا باعتبار سوريا العدو الألد. رغم التقاء سوريا والعراق على فكرة البعث.. كان ذلك مثالاً يدل على أن السياسة قد تفرق أصحاب الفكرة الواحدة رغم ما يبدو من أن الفكرة عروة وثقى لا انفصام لها.. وثمة مثال أبرز على المستوى الدولي هو الخصومة بين الاتحاد السوفيتي الشيوعي والصين الشيوعية؛ حيث لم توحد الفكرة المواقف السياسية.
وظلت العداوة تظلل العلاقة بين القطبين الشيوعيين.. ومثلما تفرق السياسة بين من يجمعهم الفكر. قد تجمع السياسة بين من تفرقهم الأفكار. ولعل التقارب السوداني المصري الأخير خير مثال. فقد زار وزير الدفاع السوداني القاهرة وأكد من هناك على خصوصية العلاقة بين البلدين، بل وأكد أن النزاعات الحدودية لا تؤثر على متانة العلاقة. ولا يخفى أن الحزب الحاكم في السودان أقرب فكرياً للإسلاميين الذين أطاح بهم السيسي، لكن المصالح تجعل السودان لا يقف كثيراً عند موقف عاطفي لا يسنده الواقع ولا السلوك العملي..

العلاقة السودانية المصرية لا تتأثر كثيراً بطبيعة النظامين في البلدين وإن اختلفا. وقد فشلت محاولات من الطرفين لربط الآخر برباط فكري تؤسس عليه العلاقة. بدلاً عن الروابط التاريخية والثقافية والمصالح المشتركة والمنافع المتبادلة.. نشأت في السودان الفكرة الاتحادية داعية لاتحاد بين شطري الوادي. وقد برزت الفكرة ومصر تحت حكم ملكي. ولم يبدل رواد الفكرة موقفهم وقد اجتاح مصر تيار يوليو الثوري. فالعلاقة -حسب فهمهم- مع مصر. لا مع نظام بعينه. ولما زار عبدالناصر السودان بعد الاستقلال أكرمه الإمام الصديق زعيم الاستقلاليين وكرمه أيما تكريم لأن لمصر خصوصية حتى عند الاستقلاليين. وعندما نظم السودان مؤتمر الخرطوم الذي تجاوزت به مصر آثار عدوان يونيو 67 كان نظام الحكم في السودان حزبياً تعددياً بينما كانت مصر تحت حكم الاتحاد الاشتراكي.. ولعل من مفارقات هذه العلاقة الخاصة أن الرئيس السوداني جعفر نميري قد استنسخ فيما بعد تجربة الاتحاد الاشتراكي وأحياها في السودان رغم غروب شمس (تحالف قوى الشعب العاملة) في مصر. حينما تجاوز الرئيس السادات فكرة الاتحاد الاشتراكي وأنشأ المنابر توطئة لإعادة التعددية الحزبية في مصر. ورغم هذه التغيرات الدرامية. ظلت العلاقة بين البلدين على خصوصيتها ومتانتها. وأقام البلدان بنظاميهما المختلفين تجربة تكاملية.

مصر الملكية ومصر الجمهورية.. ثم مصر الحزب الواحد ومصر التعددية.. مصر في حالة الحرب ومصر الموقعة لمعاهدة السلام.. مصر عند السودان لا تتغير ولا تتبدل بتغير الأنظمة أو بتبدل الأفكار.. السودان يحارب إلى جانب مصر وهي تحارب. ويضمد جراحها وهي مثخنة بجراح الهزيمة.. ولما وقعت اتفاق كامب ديفيد وسارع العرب إلى المقاطعة. لم يتردد السودان برئاسة نميري في الإبقاء على علاقته بمصر. ولما سقط حكم نميري لم (يصحح) النظام الديمقراطي موقف الرئيس نميري. في اعتراف ضمني بخصوصية موقف السودان من مصر بغض النظر عن طبيعة النظام في السودان. وطبيعة النظام في مصر.

هذه القاعدة اهتزت بعض الشيء خلال حكم الإنقاذ؛ ذلك لأن تياراً في نظام الحكم الجديد في السودان حاول أن يمد جسراً للتواصل مع تيار مصري خارج مؤسسة الحكم.. مبعث هذا التصرف الطارئ هو قاعدة في المنهج الفكري للنظام الجديد تولي اهتماماً زائداً لـ (أممية) إسلامية على حساب الوطنية. ولذا أصبح السودان ساحة رحبة لإخوان الفكرة الواحدة من أفغانستان وفلسطين واليمن وتونس وغيرها. بينما يفتح معتقلاته لأبناء الوطن المعارضين لفكرة النظام الجديد. وبلغت الحماقة مداها الأقصى بمحاولة اغتيال الرئيس حسني مبارك.. لكن الخلاف الشهير بين إسلاميي السودان فتح أعين الحاكمين على حقيقة ناصعة مفادها أن الفكرة التي لا تعصم أبناء القطر الواحد من الخلاف لن تجمع بالضرورة أبناء عالم شاسع على الأيديولوجيا وحدها.

وعليه فلا داعي للتشبث بفكرة أممية تجلب للسودان متاعب وأعباء هو في غنى عنها.. وما دامت قدسية الترابي قد ضعفت عند إسلاميي السودان فلا يستغرب أن تتضاءل في السودان الهالة التي كانت تحيط برمرز للحركة الإسلامية خارج السودان. وهكذا بدأت الفكرة الوطنية تجد لنفسها مساحة عند الإسلاميين السودانيين. ونشير في هذا الصدد إلى ما أقر به رئيس جهاز المخابرات السابق صلاح قوش الذي قال: إن نظام الإنقاذ قد جاء يحمل أعداءه في جيبه. في إشارة صريحة إلى مبادأة النظام السوداني للآخرين بالعداء بناء على أيديولوجيا تصنف الجيران وفق فهم الإسلام السياسي. ونشير أيضاً إلى خطاب الرئيس البشير الأخير الذي جاء فيه (إن الوقت قد نضج لوثبة سودانية وطنية). دون أن يشير البشير في كل الخطاب إلى أي ملمح من ملامح المشروع الحضاري الذي كان يبشر به النظام..

بهذا التحول زار وزير الدفاع القاهرة وأعلن بلغة لا مرية فيها عن متانة العلاقات بين البلدين. ومسح بذلك أى احتمال لحنين عاطفي أو تعاطف مع تيار خارج حدود الوطن.

عادل إبراهيم حمد

[email][email protected][/email] العرب

تعليق واحد

  1. للاسف لا زال في السودان اناس يهيمون حبا في في محروستهم مصر خاصة بقايا الحملة التركيه المصريه وفضلات الري المصري وكل همهم ان تنهض مصر بثروات السودان وامكاناته الهائله حتي وان ادي ذلك لضياع السودان وابتلاعه في الكرش المصريه التي تشبع

    هذا النكره عادل احمد لا ندري من اين اتي ,,وكم دفع له ((بضم الدال))من اجر لكتابة مثل هذه المقالات المسمومه التي تجعل المصريين يحسون بانهم دوله كبري وتري في السودان تابع لها ليس الا بينما واقع الامر يقول ان مصر دوله فقيره من دول العالم الثالث يعيش الغالبيه العظمي من سكانها في فقر مدقع واتخذ بعضهم من المقابر سكن لهم ويعاني جل سكانهم من مرض الكبد الوبائي والبلهارسيا التي صدروها للسودان وتفشي المخدرات

    واما الحديث الممجوج عن فترة الاستقلال والتي استغل فيها المصريون قلة خبرة ساسة السودان في تلك الحقبة المظلمه من تاريخ السودان ودفع المصريون فاتورة الانتخابات لللاتحاديين لكي يستمروا في دعوتهم البائسه بالاتحاد مع مصر ,,,هذه الحقبه البائسه من تاريخ السودان يجب ان تكون درس لنا حتي نتجنب اخطاء جيل الاستقلال ونتفادي المصيده المصريه التي تتربص بالسودان واهله حتي لا يكون غنيمة سهله في يد االمصريين

    يا عادل احمد امثالك مدفوعي الاجر من قبل مخابرات مصر لا صوت ولا مكان لهم في سودان الغد وسنحتفظ بكل ما يكتبه امثالك من مقالات انهزاميه وتبعية مضلله لمصر لان يوم الحساب ات لكل من اجرم في حق هذه البلد خاصة عملاء مصر الذين اضروا بامننا القومي وستنصب المشانق في الميادين العامه والمقاصل لدق اعناق هولاء الخونه حتي يكونوا عبرة لغيرهم

    خسئت يا عادل ابراهيم

  2. الكاتب مصاب بفوبيا الهندي عذالدين السودان خلاص صحا من نوموا عرف الصليح من العدوا تربيه زقازيق مابتنفع العالم بقا البقاء للاقوي مملكه الغابه ياخي المصريين بستهزوا بيك ويصرحوا تصاريح تغيظ الرضيع وانتوا شغالين انبطاحه

  3. للاسف الشديد بعض الكتاب السودانين يرودن ان يكون السودان بوابه مصر او بالاحري بواب عند مصر الكتاب المصرين والمثقفين هم اشد عدواه للسودان وهم دائما يتهكمون علي السودان بااعتبار ان السوداني هو لايفهم اوهو مجرد بواب عندهم باعتبار النوبين المصرين اغلبهم يعملون بوابين وهي مهنه شريفه ان وقوف السودان مع اثويبيا هو موقف استراتيجي في موضوع سد النهضه ماذا استفاد السودان من قمره الاف الكيلو مترات وتهجير اهالي حلفا

  4. باختصار رغم الحساسية من البعض تجاه مصر الا انه هناك خصوصية للعلاقة مع مصر .. طيب فهموني كل واحد يعرس على طول شهر العسل مصر عندكم طيب كسلا وبورتسودان ومدني لو ما عجبكم المحلي طيب عندكم دبي وماليزيا وتركيا اشمعنى مصر يعني .. عن نفسي لا يوجد لدي اي حساسية تجاه المصريين ما يجي واحد فيكم ويشغل لي النغمة المخروقة حلايب وغيرها يعني فرطوا غي نص البلد بكل خيراته وبقت على حلايب هذا منطق العاجزين .. شعب غريب فعلاً مالكم كيف تحكمون ؟ وللمعلومية اغلب السودانيين اللي في السعودية اصحابهم مصريين .. ماشفت لبناني صديق لسوداني .. اهجدوا ياهووووو .. وصراحة انتو لو كان عندكم زي نفط الخليج كان خربتو العالم بس ربنا بشوف ..

  5. السودان ومصر اشقاء الى ان تقوم الساعة وما المعلقين فى الراكوبة الذين يسبون ست ستهم مصر الا قلة وشرزمة قليلة لاتعبر الا عن بعض المرضى النفسيين. السودان كلها لمصر وليست حلايب فقط انا سودانى لكنى اعشق مصر والمصريين وهم اقرب الى من السودانيين شاربى المريسة الوقحين والمتخلفين.ماذا اخذنا من الشعب والحكومة الا قتل ابناءنا ونساءنا فى دار فور وجبال النوبة وتاجير الطيارين الحبش ليضربوا بيوتنا فى جبال النوبة هل هذا يحدث من المصريين ديل حكومة سودانية وشعب مغيب وما دايرين اى حاجة عديل لعنة الله والملائكة عليكم يا اعداء الوطن

  6. جبل البركل
    الا اقوليك يعني بعرف ام تكشو وملاح الروب وزرعت بالسلوقة
    خالد مصطفى
    ما انت اللي بتمن علي بسودانيتي هذا رأيي وانا حر فيك ولمعلوماتك انا ولدت وعشت في السعودية وما محتاج لخزعبلاتك دي الخير واجد والحمد لله ..
    واتحداك لو رجعت حلايب لانك بياع كلام ووين الجيش ذاته البحمي الديار ناسي الطيارات الاسرائيلية البتجي بالليل ووزير دفاعك بالنظر .. لكن لما تجي حكومة جد جد ح تصل لتسوية لكل الملفات وليس حلايب فقط ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..