مقالات سياسية

مهارات التواصل الفعّال وأثرها في بناء مجتمعات متسامحة

✍️ طه هارون حامد

العالم اليوم يزداد تنوعًا وتشابكًا يوماً بعد يوم، أصبحت مهارات التواصل الفعّال من الركائز الأساسية لبناء مجتمعات مستقرة يسودها الاحترام والتفاهم. لم تعد هذه المهارات تقتصر على المجاملات أو قواعد السلوك الاجتماعي، بل أصبحت ضرورة ملحّة تساهم في تحقيق السلام الداخلي والاجتماعي على حد سواء، وتؤسس لعلاقات إنسانية قائمة على القبول والرحمة.

فن التعامل مع الآخرين لا يُقاس فقط بالقدرة على التعبير أو الحديث اللبق، بل يتجسد في الإصغاء الحقيقي، واحترام الفروق الفردية، وفهم مشاعر الطرف الآخر دون إطلاق أحكام مسبقة. وعندما يكون هذا الفهم متبادلًا، يتحول الاختلاف من مصدر صراع إلى فرصة للنمو والتكامل.

إن التواصل الإنساني الفعّال يسهم بشكل مباشر في ترسيخ قيم التسامح، حيث يُعلّم الإنسان أن يرى الآخر في سياقه وظروفه، لا من خلال صور نمطية أو تصنيفات سطحية. ومن خلال بناء جسور التفاهم، تُتاح الفرصة لتجاوز الجراح النفسية والاجتماعية، وتحقيق مصالحة تبدأ من الذات وتمتد إلى المجتمع بأسره.

في هذا الإطار، يتطلب نبذ مظاهر التوتر والفرقة تعزيز لغة الحوار بدلاً من النزاع، والتدرب على استخدام الكلمات كوسيلة للبناء لا للهدم. فالكلمة الطيبة، والنية الصافية، والاحترام المتبادل، كلها أدوات فعّالة في خلق بيئة إنسانية خالية من الإقصاء والتنافر.

التسامح لا يعني التنازل عن المبادئ أو الذوبان في الآخر، بل هو وعي ناضج بإنسانية الجميع، وقبول بحق الاختلاف، دون أن يتحول هذا الاختلاف إلى حاجز نفسي أو اجتماعي. والتواصل الواعي هو الوسيلة المثلى لترجمة هذا التسامح إلى واقع ملموس في المؤسسات، والمدارس، ومواقع العمل، وحتى في أبسط تفاصيل الحياة اليومية.

من هنا تبرز أهمية تضمين مهارات التواصل في البرامج التعليمية والتربوية، لا بوصفها مهارات ناعمة، بل كقوة ناعمة قادرة على التأثير الجذري في مسار المجتمعات. فكلما ازداد وعي الأفراد بأهمية الحوار والاحترام المتبادل، تقلصت مساحات الاحتقان، وتراجعت مظاهر العنف الرمزي والمعنوي.

إن فن التعامل مع الآخرين ليس ترفًا اجتماعيًا، بل مسؤولية فردية وجماعية، وهو الطريق الأكثر فاعلية نحو مجتمعات تتشارك القيم رغم تباينها، وتتجاوز الخلافات دون أن تُنكرها. إننا بحاجة ماسة لإعادة الاعتبار لهذا الفن، وتكريسه كثقافة يومية، تبدأ من المنزل ولا تنتهي عند حدود الدولة.

في النهاية

فإن نشر ثقافة التواصل الإيجابي والتسامح يتطلب جهدًا مشتركًا بين الأفراد والمؤسسات، وبين صناع القرار والمجتمع المدني، لبناء منظومة أخلاقية وإنسانية تتسع للجميع، وتُغني المجتمعات لا بتشابه أفرادها، بل بقدرتهم على التفاهم والعيش بسلام.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..