غرد مع الفجر متسائلاً عن مقعده في الليل.. الأستاذين عثمان حسين و حبيب الله التوم نمر في محراب النيـل

الرشيد حبيب الله التوم

– خاطب في الماضي الشتات و في الحاضر عذاباته حيث لا تنفع الحسرة ولا يجدي العتاب.. غازل الطبيعة عندما غرد مع الفجر و الفراش الحاير و وصف النيل بأنه سليل الفراديس و إجتمع بالنجم والمساء، ليكون الوجد والحنين مطالباً بمقعده في ذلك الليل و محملاً أشواقه الدفيقة لكل طائر مرتحل يقصد أهله، حبانه و خلانه في بلاده التي يمجدها و يصفها بأنها بلاد الجدود ومأوى الأباء و بكل تحنان يتنسم هواءها و طيب شذاها الذي ما فتئ يجري في دمائه الطاهرة..
– ولأنه بشر تفوق في أدميته علي كثير من بنو البشر، فهو ينشد الصفاء والنقاء في تواصل الإنسان مع أخيه الإنسان ليقف حائراً يسأل نفسه عن السبب أصل الخصام بينه وبين المحبوب.. ويجد العذر لمن أخطأ في حقه سواءً أن كان محبوباً أو شخصاً أخر، فيشهد ويفترض فيهم القلب الأبيض و كُل حسن النية متسامحاً مع المحبوب متصالحاً مع غيره وذاته ويمهر ذلك بتطييب الخاطر الغالي لمن نسي أن يقدر مقامه السابق مؤكداً أنه لا يخطر بقلبه ما يحيده عنهم! إلا أنه يعاتب المحبوب قليلاً كون أن المحبوب يلازمه في الهوي مُر الشجن و أن المحبوب يترجاه غفران ذنب الهُجران بعد أن تلظى من نار حُبه، ليعود و يطلب من المحبوب أن لا يطول عذاب غيابه و مؤكداً له أنه لا يعشق إلا جماله.. وكان قبلها قد أخذ من المحبوب (قبلةً سكري)، فإشتط عليه القوم، فأكد لهم وأقنعهم أنه قد (قبّل) نفسه وأن ذلك الشخص حبيبه الروح بالروح، حيث توحد القلبين و تجمع الأملين وأن دربهم أخضر وأنه لا مكانة لحاسد أو عزول أن يفرق بينهما مبدياً خوفه علي المعشوق من غدر الليالي..
– هكذا عاش سلطان الفن، أبو عفان.. طرق كل خفقات القلوب وسكناتها..إلا أن قلبه تغلّب عليه الرحيل، فأخذه و غيبه عنا عنوةً و إقتدارا..قدراً و إمتثالا تاركاً لنا الدنيا وسفرها الطويل وذادها الحقير..ولو كان الموت كائناً يمشي بيننا لإستوقفناه، و تملقناه وناشدناه تلطفاً أن يترك لنا من نحب.. إلا أننا لا ندرك كنهة الموت بقدر إدراكنا أنه سنة الله في الأولين والأخرين ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا..
– سلك سلطان الفن(عثمان حسين) مع النفس البشرية مسلك الملهمين المنشدين للحياة .. شخصياً، وغيري الكثيرين الذين يستمعون إلي أصالة أماجد الأغنية السودانية، يجدون في البعد عن أبو عفان بعداً عن التأمل والتفكر في جنبات،أبعاد و حواشي الكلمة الأخاذة، فتكون العودة الطبيعية ل(سنتر) الأغنية السودانية، و يعمق ذلك إشتياقي لأحبائي وخلان الوفاء أساتذتي وأصدقائي هاشم محمد بابكر سوار(بندي)، المغيره حسن عبد الرحمن و(أرشيف) الفن أستاذي الأستاذ محمد رملي بابكر.. ومن قبلهم المعزة وأغلى الصلات مع والدي العزيز( الأستاذ حبيب الله التوم نمر أمد الله في أيامه في الدنيا و رزقه خيري الدنيا و الأخره) و الذي كثيرأ ما أجلس و نستمع سوياً إلي أزاهير هذا الغريد الفريد، فلا ندري من أين نبدأ..؟ عشرة الأيام،أنت لي، من اجل حبي،الفراش الحائر،شتات الماضي، المصير،مات الهوى، القبلة السكرى ،الوكر المهجور،أوراق الخريف،ما بصدقكم،ناس لا لا، الدرب الأخضر، شجن، كيف لا أعشق جمالك،ألمتني،ظلموني الأحبة،..،… وهكذا هياماً.. عشقاً و إنشراحا.. فأجد أستاذي و والدي حبيب الله التوم قد إنتقل من بهو منزله إلي (محراب النيل) يسبح طرباً كما يشتهي تيار فن أبو عفان السامق الباسق..
– يقول الوالد الأستاذ حبيب الله التوم (علاقتي مع الفن بدأت في العام 1947م، حيث كنت حينها طالباً بمدرسة الكاملين المتوسطه بنين, و كانت الحصاحيصا حينها مركز للثقافة والفن و كان الرائد في ذلك لوكاندة المرحوم/ عبد الكريم علي موسي، له الرحمة.. حيث كان الصفوة من أهالي الحصاحيصا يتجمعون هناك أمثال حاج علي و حمدنا الله عبد القادر خرومي و أخرون يلعبون الورق(الكوشتينة).. كان حينها صلاح عبد الكريم علي موسي(له الرحمة) صديقاً للفن و الفنانين وكانت هذه اللوكاندة مسرح الحصاحيصا الوحيد، حيث يحط بها عمالقة الفن السوداني آنذاك، و تغني بها مراراً إبراهيم الكاشف، عثمان الشفيع، عائشه الفلاتية و عثمان حسين و أخرين، إلا أنني كنت أميل نحو عثمان حسين أكثر من غيره و من حينها تمدد ذلك التعلق بأبو عفان..
– لم تكن حينها توجد أجهزة راديو كافية بمدينة الحصاحيصا، حيث كٌنا نتجمع في هذه اللوكاندة و نجمع(sharing) أي مساهمات مادية و من ثم نرسل للإذاعة السودانية (أم درمان) حيث نطلب أغنية (الزيارة) للراحل /إبراهيم الكاشف.. وكنا أيضاً نطلب أغنيات عثمان حسين و عثمان الشفيع و كلُ حسب ما يهوي و إن كان كل الجمع حينها علي قلب رجل واحد..
– في العام 1951م، تم قبولي بمدرسة خور طقت الثانوية و فيها إنتقل تعلقي بأبو عفان من (المحلية) إلي( القومية).. كانت علاقاتنا و صداقاتنا الشخصيه يحددها الإنتماء الرياضي و الفني.. كنت أكثر ميالاً لمن يعشقون المريخ و عثمان حسين.. شاطرني في ذلك صديقي إلي يومي هذا الشاعر الأستاذ (السر دوليب) أمد الله في أيامه و أيامي..كنا نجلس كل يوم جمعة، جميع طلاب خور طقت الثانوية لنستمع لبرنامج (ما يطلبه المستمعون).. و كانت أغلبية الأغاني المٌقدمه في البرنامج للفنان الراحل / أحمد المصطفي.. وكنا فرقاً فنية ثلاثة تتبارى في السماع و الترنم بأغنيات أولئك السوامق.. فريق يهوي أحمد المصطفي، أخر يهوي حسن عطية و نحن مجموعة عثمان حسين برئاسة الشاعر السر دوليب، أنا، الشاعر الحسين الحسن، الراحل إبراهيم أحمد عبد الكريم (ملك كل الفنون إلي أن رحل، له الرحمة)، الأخ الأستاذ عبد الله يعقوب و أخرون وكان يوم الجمعة يزداد تيمنا بالنسبة لناً عندما يأتي إلينا البرنامج ب(الفراش الحاير) أو (كيف لا أعشق جمالك) و هُن كانتا الأكثر شعبية من بين تلك الحسناوات من إبداعات أبو عفان حينها و غيرهن أحلى و أنضر، إلا أن قلب العاشق يعشق معشوقه و يصطفيه من بين غيره..
– لا أزال أجلس أستمع للراحل عثمان حسين، و في القلب ذكرى و شجن لا ينقطع أبد الدهر له و لأصدقائي إلي الأن.. و كم تسقط مني دموع عفوية عندما يشدو هذا الشادي بلحنه أو يمُر طيف أولئك بذاكرتي..
– إنتهى حديث الوالد و خواطره عن فن السلطان الراحل / عثمان حسين .. له الرحمة..

و بعد..

– كثيراً ما يهاتفني الوالد الجليل الأستاذ / حبيب الله التوم من على البُعد و هو أكثر حماساً و إصراراً أن يقول لي أن سلطان الفن الأستاذ / عثمان حسين يشدو بإحدى روائعه الخالدة على إحدى القنوات أو الإذاعات المحلية أو أن هناك حلقة توثيقية عنه في وسيط إعلامي ما..
– الحبيب (الكبير) لا يفكر حينها إن كُنت في ذلك الوقت بالعمل أو علمه المُسبق أنني غير متواجد أصلاً بالمنزل أو نحو ذلك..
– المُهم عنده أن تصلني المعلومة بغض النظر عن مقدرتي على المتابعة حينها و هو يعلم ولهي بهذا الغريد الفريد و ما يحققه لي إستمتاع الإستماع له.
– لو أن والدي الجليل جمع الناس و خاطبهم قائلاً (أيها الناس .. لقد نهل مني إبني الرشيد اللغة الإنجليزية و التي أصبحت مصدر رزق له و لأولاده ، و نشجع المريخ سوياً ، و بعد كل هذا و ذاك ، أورثته و لهه بالراحل / عثمان حسين و لم يعُد له ميراث عندي بعد هذا ..) ، لقلت حينها (لقد أغدقت عليّ يا والد و أوفيت و كفيت و حاشاك ما قصرت و سوف أظل أدعُو لك بكُل الخير في الدنيا و الآخرة)..
– الراحل عثمان حسين أحد الناس الذين يُوحون للناس بديع الكلام و يجيدون (وزنة) مزاجهم..
– يدخلني أبو عفان في حالة (سطلة) عندما أستمع لكلماته و ألحانه الخلاقة، فأتخيل أني و أبو عفان قد خلقنا لوحدنا في هذه الدنيا..!! هو يغني و أنا أستمع و أدندن..!!
– لو أن الأمر بيدي، لفرضت ما تغنى به أبو عفان من أشعار وما أطرب به الناس من ألحان كمادة دراسية في كل المراحل الدراسية حتى الجامعة و ما أدل على حديثي هذا إلا إعادة البعث لأغانيه في أوساط الشباب و طلاب الجامعات السودانية، ليعودوا للأصل و يتركوا (الصفق) المتساقط على قارعة الطريق..؟
– و هو كالعِلم لا ساحل له و لا أدري في أية بحرٍ أسبح و لا في أية ساحل أغرق..!
– منحني السُلطان الراحل / عثمان حسين و الوالد الكثير و أرى في صُورة أي منهما وجه الأخر جنباً إلى جنب..
– تمر علينا اليوم الأحد الموافق 07/06/2015م الذكرى السنوية السابعة لرحيل سُلطان الفن الراحل / عثمان حسين..
– أمد الله في عُمر الوالد الأستاذ الجليل / حبيب الله التوم و أفاض من رحمته على سُلطان الفن الراحل / عُثمان حسين..
– للعملاقين الكبيران أقول (أصلي بعدك ما هويت .. و لا حتى قبلك..)

– تقبلوا أفضل أمنياتي و لي عوده مرة أخري بخواطر أخرى و مبدعون أخرون..

– أخيراً.. معذرة للإطاله.. ولكن يبقي التحليق في فضاءات وأجواء أبو عفان والهبوط في مطارات فنه الخالد أثراً لا ترمقه عين..

و دمتم
الرشيد حبيب الله التوم
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. a;را لك الاخ الرشيد ولوالدك الذي اورثك حب عثمان حسين فانا مثلك عشقته في حضرة والدي وشجعني علي ذلك مع اختلاف لون الرياضة والاختلاف زمان كان محبة الان مغبه كنت عندما اعرف ابو عفان سيغني وانوم ثم اصحو بالمنبه الوجداني مباشرة لاجد بداية الموسيقي نحن اجيال لاشك سعيدة بما سمعت ورات من الفن الاصيل كفر ووتر وسينما واباء عرفوا معني التربية لذلك لا تجد فينا عاق او مشوه وجدانيا كانما خلقنا للحب برعاية اباء اماجد كانوا تربويين بحق امد الله في اعمارهم فقد عمرونا بما يكفي ورحم الله من رحل فقد كانوا نسيجا اعطي هذا الوطن بلا من ولا اذي وبقوا علبه ومن رحل رحل خفيفا من اوزاره ما بال التلاميذ فعلوا الافاعيل !!!شكرا لك فقد اسعدني والدي ان اهداني راديو ترانسسر صغير وانا بداخلية الثانوي ينام في صدري كانوا يعرفون ان سلامة الوجدان صحتة هي سلامة الانسان لك المني علي اختلاف ميل الهوي الرياضي محبة لا بغضا وشكرا

  2. a;را لك الاخ الرشيد ولوالدك الذي اورثك حب عثمان حسين فانا مثلك عشقته في حضرة والدي وشجعني علي ذلك مع اختلاف لون الرياضة والاختلاف زمان كان محبة الان مغبه كنت عندما اعرف ابو عفان سيغني وانوم ثم اصحو بالمنبه الوجداني مباشرة لاجد بداية الموسيقي نحن اجيال لاشك سعيدة بما سمعت ورات من الفن الاصيل كفر ووتر وسينما واباء عرفوا معني التربية لذلك لا تجد فينا عاق او مشوه وجدانيا كانما خلقنا للحب برعاية اباء اماجد كانوا تربويين بحق امد الله في اعمارهم فقد عمرونا بما يكفي ورحم الله من رحل فقد كانوا نسيجا اعطي هذا الوطن بلا من ولا اذي وبقوا علبه ومن رحل رحل خفيفا من اوزاره ما بال التلاميذ فعلوا الافاعيل !!!شكرا لك فقد اسعدني والدي ان اهداني راديو ترانسسر صغير وانا بداخلية الثانوي ينام في صدري كانوا يعرفون ان سلامة الوجدان صحتة هي سلامة الانسان لك المني علي اختلاف ميل الهوي الرياضي محبة لا بغضا وشكرا

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..