
صمت وإستحى الثالث ، ولم يختلف إثنان على أن إقالة حمدوك للدكتور أكرم التوم كان خطْئاً كبيراً . وأن هذه الإقالة تأتي أعظم دليل على أن الأمانة والنزاهة ؛ وقوة الشخصية والثقة بالنفس ليست هي الصفات المطلوبة نهائياً في أي مسئول سوداني اليوم بعد أن تراكمت على دهاليز دوواين ووزارات هذا البلد أوساخ وأدران ونجاسات ونفايات وقناعات وثقافة التبعية والمحلسة والدّهنسة ؛ وسرقة المال العام والفساد الممنهج المافيوي طوال 30 عام من حكم الكيزان البائد.
وكم نرجو لو يلتفت الشعب عامة إلى فريضة وفضيلة وضرورة الدعاء بالهلاك وإبتلاءات الأمراض المستعصية التي لا يصلح الشفاء منها بالأموال والسلطان على هؤلاء اللصوص الذي يستهترون به . ويستمرأؤن سرقته والثراء الحرام على قفاه .. ألا يعلم الشعب المظلوم أن دعوة المظلوم فرداً أو جماعة … مسلماً كان أو كافر … بغسل أو بغير غسل … بوضوء أو بغير وضوء … بصلاة أو بغير صلاة . وعلى إطلاقها ليس بينها وبين الله حجاب؟
إن مزاعم البعض بأن أكرم التوم قد سعى لتمكين الشيوعيين في وزارته ليس سوى هُراء . فالثورة لم تنشب لتمكين شيوعي أو إحياء جمهوري أو ليخطفها طائفي مغرور مشوّش…… ويوم مجزرة فض الإعتصام إرتقت أرواح الشهداء وأيديهم عارية لا ترفع شعارات أحزاب ولا أعلام.
ولمن حاول قلب الحقائق والتدليس وزعم أن أكرم التوم غاب عن مسرح الكورونا فترة مما أدى إلى إستفحالها . نفضحهم بالتفنيد أنهم بذلك يعترفون لأكرم التوم بالفضل حين يعترفون بأن غيابه كان هو السبب . ونرد عليهم بالقول أن غياب أكرم التوم لم يكن لقضاء شهر عسل وسياحة. ولكنه كان بسبب إصابته هو نفسه بفيروس الكورونا ؛ بعد أن بلغ به الجهد في محاربتها ما بلغ. وهو ما أدّى به لحجر نفسه بنفسه.
إن أكبر دليل على أن أكرم التوم كان يسير على الطريق والمنهج الصحيح الذي يغيظ الكيزان وأعداء الثورة ، هو فرحة وإنشراح وبهجة وتهليل وتكبير وزير صحة الضفادع الولائي ونزيل سجن كوبر السابق مامون حميدة . ودون أن يدري هذا الذي تخرّج سريعاً بقدرة قادر من سجن كوبر أنه بهجومه هذا وشماتته هذه في أكرم التوم إنما يمنحه صك البراءة من كل سوء ، والوطنية والأمانة بلا منازع . وعلى نسق قول الشاعر ” وإذا أتتك مذمتي من ناقص فهي الشهادة لي بأنّي كامل”.
ومما لا شك فيه أن إقالة أكرم التوم لم تأتي على خلفية تقصيره . ولكن كان ذلك على خلفية مصالح وفساد مافيا مستوردي الأدوية والمستشفيات الخاصة الذين أسقط في أيديهم . بعد أن أيقنوا أن هذا الوزير الشاب يسعى بكل الجدية لضبط إنفلات أسعار الدواء المستورد ، وإلى صيانة وإعادة ترميم تأهيل المستشفيات الحكومية التي سبق أن تعرضت للتدمير المقصود وسرقة محتوياتها ومعداتها وتجهيزاتها لإنشاء مستشفيات خاصة سيىة السمعة ؛ عُرِفَ عنها بأنها كهوف الشياطين .. وأن الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود.
وكذلك جاءت إقالة أكرم التوم على خلفية خلافه مع الفريق الكباشي قبل شهور . وعلى خلفية الخلاف لسبب أو لآخر مع الفبزيائي صديق تاور ولجنته الطبية من غير الأطباء ؛ الذين صعّدوا هجومهم على خبير الأوبية العالمي حامل الدكتوراة أكرم التوم . وانطلقوا يطلقون الفتاوى في وباء الكورونا رغم أنهم لا يعرفون عن هذا الوباء من معلومات سوى ذلك الإعلان الطفولي التثقيفي “قبال ما تهبش خشمك .. قبال ما تهبش أنفك … قبال ما تهبش عينك لازم تغسل كِرعينك” .
حين خرج حمدوك على الناس يعدهم بإصدار قرارات موجعة. لم يكن أحد يظن أنها موجعة لدرجة الإبقاء على وزير الصناعة والتجارة ؛ وإقالة وزير الصحة .
عدا ذلك فإن قرارات حمدوك المعلنة بإعفاء بعض الوزراء إنما تأتي في خانة إعفاء المعفي ليس إلاّ ؛ خاصة وزير الطاقة والتعدين الذي لم يقرأ شيئا ولم يسمع عن سد النهضة على ما يبدو أو وزيرة الخارجية التي تجهل إسماء مناديب السودان في المؤسسات الأممية والأفريقية والجامعة العربية . ولم تشغل نفسها يوماً بقراءة ملفات وسيرة سفراء السودان في الدول الأجنبية والتقصي عن مدى علاقتهم بالنظام البائد…. النظام البائد الذي حوّل كل وزارة ومرفق حكومي في الداخل والخارج إلى زريبة.
لقد أثبت حمدوك بهذه الإقالة لأكرم التوم أنه يفتقر إلى الإلمام بما هو كائن وما يجب أن يكون . وأنه لايمتلك قراره بيده ، وأنه يتحاشى إستشارة قوى الحرية والتغيير ، صاحبة الحق الأصيل في تعيين وإقالة الوزراء والتي أتت به للكرس.
وجميع ذلك يتطلب سرعة تشكيل المجلس التشريعي قبل أي وقت مضى . وحتى لا تصبح ثورة ديسمبر المجيدة رهناً لتقلبات أشخاص في السيادي التشريفي . وذاك الطائفي المغرور الذي يظن نفسه نصف إله.
وهذه ليست المرّة الأولى التي يخطيء فيها حمدوك في التقدير نتيجة إفتقاره لمعطيات إكتسبتها الذات بالمعايشة على الأرض ومما حعله لا يعرف حتى معادن الناس من حوله جراء إغترابه. فقد شهدت وزارة الإعلام (على سبيل المثال) في عهده الكثير من المضحكات المبكيات لجهة التعيينات والإقالات على غير هدى. ولا يزال حوش الإعلام الرسمي حتى اليوم يعُجّ بالدبابير الكيزان.
ومن بين الكارتونيات لو تذكرون ؛ أن حمدوك وقبل دعوة قوى الحرية والتغيير له بقبول منصب رئيس الوزراء (وبحسب النوثق بالصور والفيديو ) كان قبل مجيئه للخرطوم وتكليفه وبعد 11 أبريل مباشرة . وقبل فض الإعتصام في يونيو يظن أن اللايفنجي ذو النون هو زعيم ثورة ديسمبر المجيدة وذو الغاندي المهاتما. فذهب إليه في صالة ترانزيت الدرجة السياحية بمطار أديس أبابا “للتباحث” و “التفاوض” معه حول المهام المطلوبة منه كرئيس للوزراء . وذلك بعد أن إستدعاه ذو النون لمقابلته وهو في طريق عودته إلى الخرطوم التي كان قد هرب منها في بداية الثورة…. وحيث لا يزال ذو النون يسلي نفسه بإعادة نشر هذه الصور ومقاطع الفيديو على صفحته كلما إشتدت عليه كآبته. وإستبد به الحنين إلى الزمن الجميل.
وإلى يومنا هذا واضح أن حمدوك لا يزال الغائب الحاضر عن المشهد السياسي والإجتماعي ومعالم الطريق في البلد. ولا يعرف أين هي البداية ومتى النهاية.
وهو ما أصبح يعزز وجهة نظر البعض أن تكليف أصحاب كفاءات مقيمون منذ عقود وسنوات خارج السودان كان خياراً غير صائب . لأنهم مهما كانت أمانتهم وتظافتهم ودماثتهم وعبقريتهم وقدراتهم ونجاحهم في الخارج . إلاّ أنهم يفتقرون إلى معايشة الداخل في دولة متخلفة ومجتمع يفتقر إلى الوعي والمعرفة مقارنة بمجتمعات الدول العظمى. بسبب تراكمات نفاسد حكم الفرد خاصة ؛ ثم عفانات ونفايات نظام الانقاذ البائد عامة . بالإضافة إلى إبتعاد هؤلاء المغتربون والمهاجرون عن واقع الحياة اليومية وحرائق التفاصيل الصغيرة التي تسبب بها نظام فاسد دام 30 عام.
وكان يجب على أمثال هذه الكفاءات في السيادي والوزاري الإعتذار منذ البداية عن الإنغماس في هذه البيئة الغير مواتية ، مثلما اعتذر كثيرون غيرهم من مغتربين ومهاجرين.
على أية حال فإن إقالة أكرم التوم سيكون لها ما بعدها ولن تمر مرور الكرام.
سننتظر إذن لنرى مصير ووتيرة إعادة تأهيل المستشفيات الحكومية. وماذا ستفعل الكورونا ومافيا مستوردي الأدوية والمستشفيات الخاصة التجارية بهذا الشعب المطحوم الطيب في غياب وزير الفقراء والمعدمين أكرم التوم..
سنعرف عما قليل إن كان أكرم التوم هو المتسبب في إنتشار الكورونا أم أنه كان المتسبب في تحجيم أثرها… وسيدرك حمدوك حتماً أيّ فتىً أضاع ليوم كريهة وسدادُ ثغرِ.
ومن المتوقع بالطبع أن تنتهج مافيا مستوردي الأدوية الأسلوب الماكر المكشوف بتوفير الدواء المستورد بأسعار مقبولة لمدة قصيرة قد لا تستمر أكثر من ثلاثة أشهر أو أقصاها ستة . وذلك كضرب من ضروب العلاقات العامة وغسيل الذمم المتسخة والنوايا السيئة. ثم لن تلبث أن تعود حليمة لعادتها القديمة . وتبدأ مافيا الدواء في رفع أسعار الدواء إلى أرقام فلكية ؛ ووضع حمدوك البريء الطيب القلب في فتيل المساومة المتعارف عليه وهو “الدولار مقابل الدواء” و “الذهب مقابل الدواء” …… ولمثل هذا ظل يحفر هؤلاء تحت أقدام التوم.
ان الصدق والعفاف والامانة والبراءة على شاكلة طفلة بتحفظ في كتاب الدين. او زفاف عاشقين بعد فرقة بالعديل والزين. لا تصلح وحدها لادارة شئون دولة خرجت لتوها من جلباب اوسخ نظام سياسي على نطاق تاريخ البشرية……. ولعل تهليل وشماتة وفرحة أعداء الثورة ووزير الضفادع إيّأه كما سبق وأشرنا ؛ لخير دليل على مدى فداحة اقالة د. اكرم التوم …
مصعب المشرّف
[email protected]
11/7/2020م
.
أعجبني مقالك يا مصعب وبالذات هذه الفقرة
سننتظر إذن لنرى مصير ووتيرة إعادة تأهيل المستشفيات الحكومية. وماذا ستفعل الكورونا ومافيا مستوردي الأدوية والمستشفيات الخاصة التجارية بهذا الشعب المطحوم الطيب في غياب وزير الفقراء والمعدمين أكرم التوم..
سنعرف عما قليل إن كان أكرم التوم هو المتسبب في إنتشار الكورونا أم أنه كان المتسبب في تحجيم أثرها… وسيدرك حمدوك حتماً أيّ فتىً أضاع ليوم كريهة وسدادُ ثغرِ..
يبدو أنّ الإجماع الذي وجده حمدوك في المسيرة الأخيرة جعله يتصرف بثقة أكثر من اللازم . ما زلنا ندعمه ونقف من خلفه ونتوقع أن تمر هذه المرحلة بسلام فنخن في مرحلة لا توجد فيها مساحة للتجارب للتجارب الفاشلة .
.
ر
أقسم بالله العظيم أنا قرأت الموضوع عشان أعرف بس انو ايه المعجزات اللي عملها أكرم حتى نتحسر عليه، وتوقعت جردا لإنجازاته.. ولكن للأسف الشديد ما وجدت غير الكلام الانشائي والعاطفي الفارغ!
انطباعي أن كل مؤهل أكرم أنه شيوعي وبالتالي فإن استراتيجية التطبيل له والتي اشتهر بها الشيوعيون صادرة منهم ليلتقطها الغوغاء والمغفلون النافعون، ولذلك قلت ان هذا الكاتب ربما اعطاني جردا حول إنجازات أكرم غير تزايد عدد الوفيات في عهده وخلو أرفرف الصيدليات من الأدوية واغلاق المستشفيات في وجه المرضى! وزيادة عدد الموتى بكورونا وغير كورونا.. ولكن…!!!!
شكرا لك استاذ مصعب على هذا المقال الرائع ،وكما تفضلت فإن إقالة أكرم لن تمر مرور الكرام ،كما أن هذه الإقاله لخير دليل على ثقل تركة النظام السابق بكل عفنه وفساده وأن المشوار لازال طويلا حتى إجتثاث كل الورم السرطاني،
الشئ الإيجابي ،أنه وإن كانت الخطى بطيئه إلا أن مسيرة الثوره تتقدم إلى الأمام ،كما أن المؤسسه العسكريه بما فيها الجيش والأجهزة الامنيه وعسكريي السيادي المتحالفين معها يمثلون معيقا أساسيا في طريق الثوره، كما أن السيد حمدوك رغم علمه وخبرته ونجاحاته المشهوده إلا أنه متردد في أتخاذ القرارات الحاسمة ،إلا أن الأمر ربما يعود إلى ضرورة التوافق مع عساكر السيادي المسيطرين رغم وجود المكون المدني
اعتقد علينا مد حبال الصبر والوقوف مع الحكومه المدنيه فالأمور أكثر تعقيدا مما نتصور
البلد ليها مائة سنة لونها رمادي ولكن دكتور اكرم يا اسود يا ابيض والني للنار وهذا هو سودان الغد واضح كالشمس صريحا كما يجب برافووووا دكتور اكرم يكفي انك اوضحت للجميع كيف يكون الوزير مر كالحنظل لسماسرة وتجار الادوية والصحية والطب وحلو كالسكر للمرضى والضعفاء والمساكين.
انصفت الرجل يا هذا وانصفت الانصاف ذاتو بوركت وبوركت يداك نحسب أن هنالك خطأ في إقالة هذا الفتي الهمام
اكرم يعنى كان ناجح فى الصحة عشان اخلوهو فى الوزارة ولا ساى كدا مجاملة .. امشى واجى غيرو عادى
كنت اتمنى ان تعطينا الدليل على أن الوزير قد قدم للصحة وللمرضى..
للأسف لم نجد في صحيفة د. أكرم الاتصديه للكوليرا في ولاية النيل الأزرق والتي أخشى أن لاتكون هي الأخرى بروباقندا إعلامية….
ياسيدي أخطاء أكرم طالت حتى الاقتصاد حين أعلن تسجيل السودان لحالات من مرض حمى الوادي المتصدع… وطالت خدمات الصحة العلاجية بأمره بإغلاق المشافي وسماحه بدخول مرضى الكرونا بدون تطبيق إجراءات الحظر.. وأزمة الدواء وأزمة نواب الأخصائيين وأزمة أطباء الامتياز وأزمة الاستقالات المتكرره لمدراء وزارته… والكورونا… وهلم جرا…
أكرم مثله مثل قحت كان نكبة على البلد
لماذا يعتقد الشيوعيين ان اقالة اكرم هي هزيمة لهم.. وهل نضب معينهم من شخص اخر يحل محله ام ان تبجيل الشخوص عمى عيونهم…
ولماذا تتحدثون عن مافيا الدواء والكيزان وغيرهم من لوبيات قلتم انها السبب وراء اقالة اكرم.. هل كنتم تعتقدون ان الكيزان سيجعون الفترة الانتقالية تمر دون تشويش وهل كنتم تعتقدون ان اصحاب المصالح سيتركون الوزير يحاربهم دون مقاومة منهم…
لكن هنا يأتي دوره في اسكاتهم والعمل من اجل الشعب بالوقوف ضد مؤامراتهم ان كانت حقيقة اصلا..
الوزير الذي تهزمه اللوبيات ويفشل في محاربتها يجب تغييره بوزير اخر يحارب وينتصر..
تحياتي اخي مصعب وشكرا علي السرد واللغة الجميلة.
بس في بداية مقالك زكرت انة لايختلف إثنان على خطاء اقالة حمدوك لاكرم وبنيت عليها حديثك رغم ان هناك العديد من الناس تختلف معك في هذا الراي.
وفي سردك الجميل حملت د. حمدوك عدم معرفتة بالسودان ومايدور فيها نتيجة الغربة خارج السودان ويكان د.اكرم عايش في وسط السودانيين ولم يغترب ويبعد عن السودان.
بفتكر الحديث عن الاشخاص غير مناسب في هذا الوقت ومن المفروض ان ينصب تفكيرنا وكتاباتنا علي مستقبل السودان ونجاحة والتاريخ كفيل باضهار الحقائق.مع تحياتي