مصطفى بطران.. عشق الطبيعة وأبدع في وصفها.. الشاعر الوصّاف

الخرطوم – خضر مسعود
من فحول شعراء الحقيبة الذين أثروا مكتبة الإذاعة السودانية بجميل الأغاني والمعاني، شاعر الطبيعة مصطفى الحاج بطران، ولد بمدينة الخرطوم بحري (حلة حمد) نحو عام 1904م، تعلم في الخلوة ثم التعليم الأوسط بالخرطوم ولم يكمل تعليمه لظروف خاصة، فعمل كاتبا بالسكة الحديد، وتنقل خلال حياته العملية بين كثير من المدن خاصة عطبرة وجوبا، وتوفي عام 1939م عن عمر لم تعد الـ (35) عاماً، متأثراً بالمرض، حيث أصيب بداء الصدر (السل)، وكان طريح مستشفى النهر لمدة ثلاث سنوات، ولقد عانى الشاعر كثيرا في حياته، حيث أشار في عدد من قصائده إلى معاناة مع المرض، لكن المقاربة تأتي بينه وبين الشاعر التجاني يوسف بشير، في أن كلا الشاعرين توفيا في أعمار صغيرة، وبذات الداء بل في ذات النصف الأول للقرن العشرين، حيث توفي التجاني في عام 1937م، وهو ابن الخامسة والعشرين.
الشاعر الوصاف
مصطفى بطران شاعر الطبيعة كم يحلو لمحبيه أن يصفوه لكثرة ما تغنى بجمالها، أطلق عليه الأستاذ مبارك المغربي اسم الشاعر الوصاف، وتسمية شاعر الطبيعة، لأن هناك عدداً كبيراً من قصائده يصف فيها الطبيعة وجمالها مثل أغنية (أطرد الأحلام، زمن الربيع حلا، جنينة البلدية، وهبّ جانا النسيم عليل)، كان مصطفى بطران شاعر وسيماً أنيقاً واسع الخيال صادقاً في أحاسيسه ومشاعره التي ترجمها إلى أغانٍ خلدت وعاشت في وجدان الشعب السوداني.. يتميز الشاعر المرهف بعشقه للطبيعة وإبداعه في وصفها خلافا لأقرانه من شعراء الحقيبة الذين عاصروه، فأغلب هؤلاء الشعراء كان وصفهم حسي قاصر على ما يتراءى لهم من الجمال الواضح للمحبوب، إلا أن بطران تخطى هذه الأوصاف، ونجد في قصيدة (أطرد الأحلام) أنه يحاول إغراء المحبوب بما تجود به الطبيعة من جمال على ضفاف النيل مع جمال الليل وأنسامه.
أطرد الأحلام يا جميل وأصحى
قوم نقضى الليل في ضفاف النيل
ننشد الفسحة
أطرد الأحلام التي تعود قصتها حسب الرواة إلى أن الشاعر كان يحب قضاء أوقات طويلة على ضفاف النيل، وهو ابن النيل، والإبداع عن مصطفى بطران هي المقدرة الفائقه على تبيان جمال الطبيعة، وما يحيط بالنيل مناظر بديعه.
شوف جمال الليل يا جميل أصحى
واسمع البلبل ولهجته الفصحى
الغصون ماخدات مع النسيم كسحة
والطبيعة تخيل ثوبا كاسي النيل من جمال مسحة
والليل يأخذ بعداً جمالياً في مفردات بطران، وذلك واضح من دعوته للمحبوب بالنظر (شوف) إلى جمال الليل، بجانب مغريات الفسحة أصوات البلابل والنسيم العليل ما يكسب ضفاف النيل ثوب من البهاء والجمال. بطران وبحكم سكنه في حلة حمد كان مولعاً بالجلوس على ضفاف النيل حسبما ذكر، وتربطه به علاقة خاصة لا يعلمها إلا بطران نفسه، وهذه العلاقة أزالت وحشة الليل عنده بل وأحالها إلى مناظر جمالية بديعة، ونجد في كثير من قصائده الوصف الحاذق لمكونات الطبيعة خاصة أزهارها ونسيمها، وسر تفرده بهذه الأوصاف هي شخصنتها، كل هذه الوصف لإقناع الممدوح بهذه الرحلة الليلية.
شوف وجوه الروض باسمة منطرحة
وتضحك الأزهار ميتة بي الفرحة
وعن قصة الأغنية ليس كما يتبادر لذهن المستمع لها بأن الشاعر يرجو محبوبه لمرافقته لضفاف النيل لقضاء وقت جميل وأبدع الشاعر في وصف جمال النيل وشواطئه، يحكي أن بطران يحرص على حضور أوقات الأصيل على الضفاف، وذلك بحكم سكنه منه، فكان حسبما قيل يحضر لشاطئ النيل قبل الغروب والشروق، وذات مرة وجد شخصاً نائماً على الشاطئ، فنظم هذه القصيدة لدعوة هذا الشخص لمشاركته اللوحة الجمالية لمغيب الشمس على ضفاف النيل.
دمعة الشوق
عانى الشاعر كثيراً في حياته وأصيب بداء الصدر (السل)، وكان طريح مستشفى النهر لمدة ثلاث سنوات، ومصطفى ذكر مرضه ومعاناته في معظم أغانيه بل أحصى أعراض دائه في أغانيه. وذكر بعض من عاصروه أن أغنية (دمعة الشوق) نظمها بطران، وهو في المستشفى وأعطاها لـ (سرور) الذي وضع لها هذا اللحن الجميل، وسجلها في الأسطوانات الفنان (كرومة) بمصاحبة البيانو، ولقد كان اللحن والأداء حزيناً عبر عن حالة الشاعر ومرضه في ذلك الحين.
كشف الشاعر أعراض مرضه في هذه الأغنية، وهي انتحال جسمه (ونزول الوزن من أعراض داء الصدر). وعدم نومه وسهره وشحوب لونه، وكذلك وصف لنا الشاعر الصوت الذي يصدر من صدره نتيجة لضيق تنفسه وتلف رئتيه وشبه صدره بالمزمار، وكذلك ذكر ضعف أمله في الشفاء وصعوبة علاجه، لأن معظم أدوية السل لم تكتشف في ذلك الوقت.
نسمة السحار ليلى طال هبي
أنا مساهر.. ونومي متخبي
انتحل جسمي والمحال طبي
مصدره الزهرة الفي نواحي سهيل
انشغال فكري.. وانفقاد لبي
وشحوب لوني.. كل من حبي
صدري مزماري والدموع شربي
انطرب كل ما ذكره يخطر بي
خروج
رغم أن بطران توفي في ريعان شبابه إلا أنه قال الكثير من الشعر الجميل المليئ بالعاطفة والشجن، فالحزن والألم والمعاناة تتجسد في حياة، لكن رغم آلامه كتب من جميل القصائد ما أمتع وأسعد به وجدان الأمة حتى يومنا
اليوم التالي
يرحمه الله فقد خلف تراثاً رائعاً.
ما هي علاقته بالمرحوم د.عبدالعزيز بطران؟
يرحمه الله فقد خلف تراثاً رائعاً.
ما هي علاقته بالمرحوم د.عبدالعزيز بطران؟
نسأل له الله الرحمة والمغفرة. كان فذا وشفيفا لكن لم ينل حظه من التعريف الكافي خاصة للأجيال التالية لجيله.
رحمه الله رحمة واسعة لكنك لم توف هذا الشاعر الرقيق في مشاعره العظيم في عطائه حقه واتيت بقصته مجزوءا .. وهو من شمالي السودان وهو صاحب الاغنية اليتيمة الرائعة :
ما لقيت له مثيل يا النفيسة خصالكي كيف يكون المصير
عزة عزة وصالك
التي غرد بها الراحل عثمان شفيع
رحمهم الله
لقد عاني ذلك الجيل من الفقر و من قسوة ظروف الحياة.كان أن أصيب غالبهم بالسل و ماتوا بسبب هذا المرض. و من هؤلاء مبدعين اذكر منهم : مصطفي بطران – خليل فرح – التيجاني يوسف بشير.
كان الناس و لقلة وعيهم يعافون من يصاب بهذا المرض و يتحاشونه.كانوا يسمونه مرض (التيبيا T.B.) و هو إختصار لكلمة Tuberclosis. و كانوا يسمون (المرض الكعب) و (الفلان) إشارة إلي خطورته و ما يسببه من سمعة للمصاب به,مثل إشارتهم في الوقت لمرض السرطان بالمرض داك و ياهو الفلان ألخ من إسلوب ذلك الجيل القديم.
كان لإصابتهم بهذا المرض أثر في حالة المبدعين النفسية و هذا ما زاد رهافة حسهم و عناءهم.أسمع مصطفي بطران يعبر عن ما يلاقيه :
.نشغال فكري.. وانفقاد لبي
وشحوب لوني.. كل من حبي
صدري مزماري والدموع شربي.
نعم جحظت عيناه و شحب لونه كما يبدو في الصورة و صار صدره يكركر مثل المزمار بسبب الكحة.
ما أشق أن يعيش المبدع في مجتمع يعيش مرحلة الإنتقال من القديم إلي الحديث و ما أشقه حين يعيش البؤس.
لم تنجب حواء السودان مبدع اروع من بطران
عبقري بكل ماتحمله هذه الكلمة من معنى