الذكري المشئومة

لقد كان يوم الثﻻثين من يونيو عام 89 أسوأ ايام بﻻدنا علي اﻻطﻻق طيلة تاريخنا الحديث والقديم وطيلة العهود الإستعمارية الإنجليزية والتركية. فالمجازر والإنتهاكات التي قد قام بها نظام المؤتمر الوطني تفوق الخيال وتدمي قلوب الحجارة وتتجاوز التصورات.
سبعة وعشرين عاماً مرت وقد عم الخراب والدمار جميع اوجه الحياة السياسية واﻻجتماعية واﻻقتصادية، فمن الناحية السياسية فقد قام النظام بمصادرة الحريات وتعذيب وقتل المعارضين السياسيين والتنكيل بهم وأسرهم وشرد اﻻﻻف من الشرفاء تحت مقصلة الصالح العام واستأثر بحكم البﻻد منفردا وحول مؤسسات الدولة والخدمة المدنية الي مؤسسات حزبية وغابت النزاهة عن ساحات القضاء والعدل وكذلك فقد خرب هذا النظام العﻻقات الحميمة التي كانت تربطنا بمحيطنا اﻻقليمي والعالمي، فقد سعي هذا النظام الي قلب انظمة الحكم في مصر وإفريقيا الوسطى والصومال وتشاد وشاركت اجهزة مخابراته في التورط في عمليات إرهابية متعددة في فلسطين وأفغانستان وغيرها.
في عهد هذا النظام الباغي اجتماعيا تﻻشت ما تسمي بالطبقة الوسطي والتي توصف بانها في مكان ما بين الطبقة العليا وطبقة العمال وكان بإمكانها ألعيش في مستوى ميسور الحال واضحي المجتمع السوداني بنسبة تتجاوز 90% مجتمعا فقيرا يكابد الظروف والمعاناة من اجل توفير لقمة العيش التي تسد رمقه وإنهارت تماما المؤسسات التعليمية والصحية والخدمية وهاجر الآف الشباب إلي شتي بقاع الأرض بحثاً عن فرص العمل الكريم وتكدست الشوارع بالخريجين وغيرهم من العطالة الذين لم توفر الدولة لهم مصدرا للكسب المشروع.
اما على الصعيد اﻻقتصادي فحدث وﻻ حرج فلعل ابرز مﻻمح إنهيار اقتصادنا تتمثل في إنهيار قيمة الجنيه السوداني ووصوله الي الحضيض فعندما جاءت الإنقاذ الي الحكم كان سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار 20 جنيه ( بالقديم ) واصبح الآن يساوي 15 ألف جنيه ( بالقديم ) بمعني ان التضخم قد زاد بما يعادل 750 مرة تقريبا وانهار مشروع الجزيرة ( أكبر مشروع زراعي في إفريقيا ) والذي كان يساهم بنسبة تصل الى 20% من إجمالي الدخل القومي وتم خصخصة المصالح الحكومية او باﻻصح تم بيع مؤسسات القطاع العام وتشريد العاملين بها فتمت خصخصة مصالح الكهرباء والمياه والخطوط الجوية والبحرية ولم يتبقي أثر للسكة حديد والنقل الميكانيكي.
في ظل هذا النظام انقسم السودان الي نصفين في اوضح تعبير عن الصراع الإثني والديني وخطاب الكراهية الذي بثته الإنقاذ منذ ان كانت في نعومة أظافرها وإشعال الحروب في جبال النوبة ودارفور وكردفان والنيل اﻻزرق والتي راح ضحيتها مﻻيين البشر وإغتصب النظام مئات النساء وهجر القري وأصبح رئيس النظام هو الرئيس الوحيد في العالم الذي تمت محاكمته بجرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي وهو ما يزال علي سدة الحكم.
إن محصلة سبعة وعشرين عاما من القهر والتسلط على رقاب الناس قد حولت السودانيين الي اشباح تمشي في اﻻسواق واصبحت الحياة رتيبة وكئيبة يخلوها الآمل والطموح والمسرة.
فلنتكاتف جميعاً من اجل زوال هذا النظام اليوم قبل الغد ولنعلم ان كلفة رحيل النظام اقل كثيرا من بقائه وحتما ستطل شمس الحرية يوما ما وإن طال الليل.
[email][email protected][/email]