هل نحتاج الذكاء الاجتماعي !!

مزمل موزارت
● شاهدت قبل فترة أحد برامج (البودكاست) هذا النوع الذي اصبح شائعاً في الآونة الأخيرة، وكان اللقاء يناقش موضوعاً لفت انتباهي لأهميته وعمقه الشديد في سلوكنا الإنساني بصورة عامة، فعنوان النقاش كان تحت مسمى (الذكاء الاجتماعي أهم من التفوق الأكاديمي) .. فالذكاء الاجتماعي يختلف عن الIQ أو الذكاء الإنساني الذي يقاس بواسطة عدة طرق واختبارات .. فالذكاء الاجتماعي بكل بساطة هو قدرة الفرد على التناغم والانسجام مع البيئة المحيطة (ثقافياً، اجتماعياً، سياسياً وحتى اقتصادياً) بكل تبايناتها واختلافاتها والتفاعل مع معها بصورة ايجابية ..
● فحسب رؤية المتحدث في البرنامج فإن الاعتماد على التفوق الأكاديمي فقط قد لا يساهم بنسبة نجاح اعلى نجاح من 20% في الحياة العملية بينما التركيز على تنمية مهارات الذكاء الاجتماعي فتساهم بنسبة 80% أو أعلى في سوق العمل .. وأضاف أن الاعتماد الكلي على المتفوقين أكاديمياً ينتج لنا ما يعرف بــ(العباقرة الفاشلين) وضرب عدة أمثلة بذلك (هنا انتهى حديث الضيف) .
من وجهة نظري المتواضعة فتعريف النجاح يختلف من منطقة لأخرى ومن مجتمع لآخر فهو شيء نسبي ولكن الثابت في مفهوم النجاح هو التفوق على الآخرين في أي مجال ما .. بالإضافة لقدرة الفرد على التأثير على من هو في محيطه المجتمعي بصورة ايجابية وهنا يكمُن أساس الذكاء الاجتماعي .
● للأسف الشديد واقعنا السياسي في السودان يفتقد للحد الأدنى من درجات الوعي بالذكاء الاجتماعي فأغلب الساسة عندنا بمختلف (أيديولوجياتهم) لا يجيدون قراءة بعضهم كأحزاب كما لا يملكون قدرة التواصل مع شعبهم لفهم متطلباته ورغباته .. لذلك نحن في حالة فراغ سياسي منذ استقلال السودان وحتى اليوم وهذه الحرب الدائرة الآن سببها الرئيس هو فشل الساسة الدائم في خلق بيئة صحية ملائمة للعمل السياسي وخلق أفكار وخطط لتبلور على أرض الواقع لكي ننهض بالأمة السودانية؛ لكن هيهات فأغلب ساستنا همهم الأساسي هو امتلاء جيوبهم وحساباتهم البنكية بالمال وتنفيذ اجندة الغير بدون فهم والمتضرر الأول والأخير هو السودان وشعبه بكل تأكيد .
● عندما ناقش السياسي السوداني المخضرم دكتور خالد منصور قضية (النخبة وادمان الفشل) في كتابه الذي وجد انتقادات لاذعة من جانب كثيرين من الوان الطيف السياسي؛ كانت فكرته الأساسية اسقاط الفشل كعادة على كل الطبقات المتحكمة في مقاليد حكم السودان عبر السنين فالفشل يورث الفشل .. تتفق أو تختلف مع دكتور منصور ولكنه قد شخص الحالة السياسية السودانية ببراعة واصفاً الداء العضال بكل التفاصيل وأدقها فهو يعرف جيداً أن اكتشاف المرض هو أول خطوات العلاج .
● أرى أن أحد الحلول الناجعة في مشاكلنا كسودانيين هو التحلي بما يعرف بالذكاء العاطفي في فهم وكيفية ادارة مشاعرنا تجاه انفسنا أولاً ثم الانطلاق والترقي بواسطة الذكاء أو الوعي المجتمعي نحو الأخرين .. فالذكاء الاجتماعي يرتبط بصورة وثيقة بالذكاء العاطفي فبهم نستطيع التطوير في مجالات العمل وتفعيل قدرة الابتكار فالاعتماد على الأكاديميات فقط غير مُجدي على مستوى النجاح المرتبط بالمدى الطويل ..
يجب أن نغرس في نفوس طلابنا وطالباتنا في المدارس مبكراً قدرة التواصل مع الآخرين وفهمهم بالشكل الأمثل؛ يجب اطلاق العنان لهم لممارسة مقدراتهم الفطرية دون الاعتماد فقط على مواد الحفظ الحالية ..
● وجود مجتمع قادر على التعايش وفق منظومة (فهم الآخَر) والانسجام معه رغم اختلافات العرق واللون والإثنية محققاً على الأقل الحد الأدنى من ثقافة الذكاء الاجتماعي التي سوف تزيل تلقائياً كل أسباب الفوضى الحالية من فساد وعنصرية واقتتال ورأب الصدع بين كل مكونات مجتمعنا السوداني لنتفرغ بعدها لبناء الدولة التي نريدها ونتمناها .
نفحة أخيرة :
● يقول البروفيسور ابراهيم الكاروري : الغربة أن تفقد الاحساس بالوطن وان كنت فيه، الوطن عند البعض (ظرف مكان) .
اهنيك على المقال فهو يتناول موضوع في غاية الأهمية.
اهنيك على اختيار الموضوع وما جاء فيه من كلام مهم يستحق الوقوف عنده خاصة الشباب.