مقالات وآراء سياسية

هل أضاعت الحكومة الأولويات؟

أبو الحسن الشاعر

أين نظام الحكم الجديد ؟ قد يبدو السؤال غريبا ، فالعالم كله يعرف أن النظام ألإخواني البائد غادر صحيفة التاريخ إلى غير رجعة حيث تم تمزيقها بيد الشعب الأبي.. لكن الذي فات على ” حكومتنا ” أنها لم تعمل حتى الآن على ما يوحي بوجودها على أرض الواقع ..

يمشي العائد للسودان في الطرقات فلا يحس تغييرا ويدخل المكاتب للمعاملات فلا يرى ما يشير إلى أن نظاما ثوريا حل محل نظام دكتاتوري .. تركب مع السائق فترى بعينيك دون أن تنتظر الرواية كيف يساوم رجال المرور ويدفع رشوة من أجل مخالفة ويتوكل على الله .. تسمع أحاديث الناس فتجدهم يجأرون بالشكوى من صف العيش والغلاء المصطنع .. قال لي بائع بسيط  للفاكهة بعد أن استغربت ذلك الارتفاع الجنوني ..” لو شكونا من ارتفاع الأسعار قالوا كيزان .. وكان سكتنا براك شايف الحال ” ومازحته بالرد ” الظاهر إنت كوز متستر وما حا اشتري منك ” .. لكن عبارته استفزتني حيث شعرت بمرارة من يؤيدون الحكومة ولا يجدون سبيلا للدفاع عنها من البسطاء .. ولعل ذلك ناتج عن الغياب الكامل لأجهزة إعلام حكومة الثورة التي كان ينبغي أن تشرح الأسباب والمسببات وتبشر بالحلول وتتحدث عن الخطط المستقبلية العملية بدلا من أن تجعل المواطن البسيط نهبا للشائعات ولقمة سائغة لأعداء الثورة والمحرضين عليها .. وكما أشرت سلفا فإن صوت الإعلام المعادي في القنوات السودانية والصحف مواقع التواصل صار أعلى من صوت إعلام الثورة التي تهاونت كثيرا وما تزال في التعامل مع الأعداء والخصوم الألداء الذين لا يجدون للثورة مدخل انتقاد وتهويل  أو مخرج تدمير وتعطيل إلا دخلوا وخرجوا منهما مسرورين.

أعتقد أن الأخطر من كل ذلك أن الحكومة فشلت في تغيير وجه النظام البائد في عواصم العالم وذلك إما بالإبقاء على سفاراتها بطاقمها القديم وضلالهم القديم أو تأخرها في تعيين سفراء جدد حيث علمت من مصدر دبلوماسي مرموق موثوق أن عدد السفارات التي ليس بها سفير يقارب الخمسين سفارة .. هذا التباطؤ غير المبرر جعل بحسب وجهة نظري تلك الدول تشعر وكأن النظام القديم لا يزال حاكما .. وهي حقيقة لا تحتاج لجدال .. عندما يكون السفير نفسه وأعضاء السفارة هم أنفسهم في جميع أنحاء العالم يصعب إقناع تلك الدول بأن هناك تغييرا جذريا وقع في السودان .. هم دبلوماسيو الأمس يلتقون بنفس المسؤولين ويشاركون في نفس حفلات الاستقبال فما تراهم قائلين ؟؟ هل تتوقع من هؤلاء شرح التوجه الجديد للدولة والحماس له والدفاع عنه والعمل على الانتصار له وكسب التأييد لوالدعم المادي والمعنوي له ؟ وجُلُّهم إن لم يكونوا كلّهم من المنتمين حالا ومقالا لنظام الإنقاذ الكيزاني البائد. وسنفترض أنهم فعلوا فلن يكونوا في نظر الآخرين سوى منافقين يتحدثون للحفاظ على مناصبهم ..

كان من أولى أولويات الحكومة وأوجب واجباتها المستعجلة تغيير وجهها الخارجي لتبدو أكثر مصداقية وليكون ممثلوها ممن تثق بهم وممن يؤمنون بالتغيير وسياسة الثورة إيمانا لا يشوبه الشك ولا يغادره اليقين.. وأنا لا أشك مطلقا أن هؤلاء ربما يروجون الآن لفشل الحكومة في كل ما جاءت الثورة من أجله ولقد مللنا ونحن نسمع عن كشوف ستصدر ومراجعات تتم إلى آخره مما لا يسمن الحكومة ولا يغني الشعب.

إن التغيير يعني أن يتواصل السفراء مع تلك الدول للحث على استقبال كبار المسؤولين السودانيين ومن المعيب أن ينحصر السودان حتى الآن في محيطه العربي والإفريقي في السعودية والإمارات ومصر وجنوب السودان وتشاد وأريتريا وإثيوبيا .. هناك دول كثيرة مهمة يمكن أن تعطي وهي لا تريد جزاء ولا شكورا ولا تطالب بدفع الثمن مقابل ذلك ..

وهناك أمر آخر ضيعت الحكومة فرصتها في استغلاله وهو ذلك الزخم الجماهيري المؤيد الذي حظيت به ولا أعني داخليا فذلك معلوم بالضرورة وإنما أعني خارجيا من جموع المغتربين الذين ما غابوا لحظة عن مشهد الثورة حتى انتصرت.. بذلوا مالهم وجهدهم في التبشير بالثورة .. ودعموا المتظاهرين وأشعلوا مواقع التواصل الاجتماعي وكانوا نجوما متألقة في محطات التلفزيون العالمية كما كانت كتاباتهم لألي في صدور المطبوعات الإسفيرية أو الصحف والمجلات ..

ومع بشائر الانتصار تدافع المغتربون يطرحون مبادرات بناءة للتبرع بالمال وتحويل الدولار وإنشاء صناديق إيداع واستثمار حتى تقف الحكومة على قدميها .. لكن للأسف تم تجاهل كل ذلك ولو أنها فعلت لما وصل الدولار لما وصل إليه .. بل كان الأحرى بها وقد تقدموا لها ذراعا بكل شمم أن تتقدم تجاههم على وجه السرعة ولو شبرا بقوانين وحوافز مشجعة لكونهم أحد مناجم الاقتصاد التي يغفل عنها الغافلون الذي لا حظ لهم من العلم في السياسة والاقتصاد.

مناشدة : دعوا النقد والدفاع لنا أما أنتم أيها القياديون في الحرية والتغيير وتجمع المهنيين فلا تبادروا بالانبطاح أمام كل سائل للاعتراف بالتقصير .. دافعوا عن حكومتكم ولا تظهروا بمظهر البائس الفقير .. الذي يريد أن يسوق للفشل .. ما حدث في برنامج قناة الجزيرة المسمى “المارش والنشيد ” .. الملغوم بالخبائث في التحليل والأسئلة ” يشير إلى ضعف خطير في معرفتكم بنوايا الخبثاء خاصة في هذا الوقت الذي تشهد فيه البلاد ارتفاعا جنونيا في الدولار والأسعار ومتاعب ومصاعب في الخبز والمواصلات .. الاعتذار في كثير من الأحيان أفضل خاصة لمن كان في الخصام غير مبين وكلما ابتعدتم عن وسائل الإعلام كان ذلك أفضل .. التفتوا للشعب بالداخل واشرحوا له أسباب الأزمات وبرنامج الحل وهو سيتولى الدفاع عن الحكومة فقط إذا تمكنتم من إقناعه. ونواصل .

أبو الحسن الشاعر

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..