مقالات سياسية

إستراحة في ظلال الجمعة الجامعة .. الخروج من قاع الذات !

محمد عبدالله برقاوي

النفس البشرية هي بئر بلا قرار و أعمق من أن يصل اليها دلو الفضول مهما طالت حبال صبر المتأمل فيها ، فهو في النهاية لن يغرف منها الا رشفات تبلل فقط التشقق السطحي لشفاه عطش التوق فيه !

بعض الناس ابتسامتهم دعوة صفراء لدخول صالون أعماقهم الخارجي ، فيما تجدهم يغلقون بدهاء بقية غرف الدهليز ، فيجلسوك طويلا على أريكة الحيرة حتى تمل الانتظار فتستأذن بالانصرف وأنت..موهون القوى ..حرق الجوى.. صفر اليدين.!

والبعض صعوبة مداخلهم هي الصخرة العنيدة التي اذا ما أزحتها بصبر وقوة عزيمة ، فعاقبة تحمل ذلك ، بعد أن تنفتح أمامك بوابة مغاراتهم تكون اكتشافك لكنز ثمين أصيل المعادن والمصادر ، فتحمد له وحياله عرق جهدك و طول المعاناة في الوصول اليه !

كثير من الأقمار والنجوم التي تبهرك بنورها من على البعد ربما تصدم حينما تتقطع أجنحة أنفاسك للوصول الى سماواتها ، فتكتشف أنها مجرد مساحات تراب يعمي العيون المبهورة بقذارة غباره ، وكومة حجارة لاتقي برودة ملمسها عن لسعة حرارتها ، لذا فان تشرب ضوءها من على البعد يجنبك خيبة الآمال فيها ويحفظ ودك مع ابداعها !

فما الذي يعنيك من الوردة غير لونها وأريجها ؟

وبعض المبدعين فيهم من البساطة والتلقائية ما يجعلك نادما على أنك كنت بعيدا عنهم ، فهم في زهدهم لايبالون بالاحتفاء بهم ، ويكفيهم أن يكونوا في حياة الناس رذاذا يداعب حاسة الشم يعطرون ايامهم وهم مسكوبون في قوارير النسيان ولا يهمهم أن يتسأل الآخرون ، من أى
حديقة أعتصرذلك الرضاب أو من أى زهرة أستنبط هذا الشذى !

ولكن يظل الصدق الحقيقي في الحياة هو صدق الانسان مع نفسه.. فسهل جدا أن تخدع كل الدنيا ، لكنك لا يمكن أن تدلس على نفسك ، لانها الوحيدة التي تملك آذانا تسمعك من الداخل ، وعينا تسبر عتمة تسترك على عيوبك !

كثيرا ما يسرح المرء في ماضيه وهو يستعرض حسابات الربح و الخسارة في مشوار حياته ،سواء في تعامله مع ذاته أو تعاطيه مع الآخرين ، ربما تدفعه بعض المشاهد القديمة للضحك عاليا استخفافا بها أو تبروءا عنها ، ويتسال وهو في سن النضح ، هل أنا من قال ذلك ؟

من فعل ذلك حقا ؟

فالانسان منذ طفولته وحتى بواكير الشباب يعيش منغمسا في عبادة ذاته ، فهو حينما يكون طفلا يعتقد أن الدنيا كلها قد خلقت من أجله ، مع ان دائرة دلاله فيها ضيقة تنحصر في والديه أو محيطه الدائر من بقية الأسرة ، وتتسع جداول النرجسية ويطول مسربها ومشربها داخل غفلته لاسيما ان كان وحيد العائلة أو بكرها وذلك من عناصر نشأة عوده فان لم يعدله بيديه وهو يعلو نحو كتوف الأقران ومن سبقوه طولا ، فلن يستقيم ظله !

وعندما تقتحمه سن العنفوان وبواكير الشباب لا يرى الا نفسه ، فان جلس في محفل يشعر أن كل الأنظار تتجه اليه ، خاصة ان كان في الجلسة في مقابله من هم أو هن من الجنس الآخر !

حتى حكمه على الآخرين اما سماعيا عن من هم مؤثرين في حياته واما انطباعيا رسمته لمحات تعامل عابر غير عميق !

وهذا ينطلي حتى على اكتساب القناعات الروحية و في شتى ضروب حياته الأخرى، فالمبدأ السياسي يتكون عند ه مثلا اما وراثيا واما بمرور ظلال الرفقة على مساحات عقله الأخضر !

فالنضوج الحقيقي في حياتنا هو الخروج من قاع

الذات الى سطح الحياة العريضة للتنفس برئة الرؤية التي تستنشق الهواء من عدة زوايا ، وهنا يستطيع الانسان تلمس الأشياء بحاسة يديه هو ومن ثم يصدر الأحكام الصحيحة فيها وعليها من خلال معرفة أحجامها والوانها وأوزانها مباشرة وبدقة القياس العقلاني وليس الاحساس العاطفي فحسب!
ومن أهم مكونات النضوج أن نستمع الى أصواتنا بآذان الآخرين ونرى صورتنا بأعينهم حتى نغادر الى منطقة الكل من زاوية الأنا التي تحبسنا في سياج الشعور باننا على خلاف البشر ملائكة منزهين عن كل قول ، فيما نعطي ذاتنا حق التقول في الاخرين والتغول على حدودهم وكأن حدودنا محصنة عنهم !
ولعل أهم ما يميز سن النضوح هو الجنوح الى التواضع ، والاستماع للآخرين سعيا وراء المعرفة أكثر من الكلام اليهم !

وهذه سمة العظماء اذا استمعوا استفادوا واذا تكلموا أفادوا !

أما الغرور فهو مقبرة المعرفة في كل الاتجاهات ، لان الادعاء هو كذب وان تجمّل بروعة السرد أو ملكة اجتذاب الانظار والأسماع وفي ذلك مضيعة للزمن ان كان خارج دائرة اللهو البريء!

فلنحاول ولو لمرة ان يستعد كل منا الى مرحلة النضوج بالخروج بعيدا عن قاع الذات ويبسط نفسه عشبا متواضعا في مدى الأنظار لا دخانا وضيعا وان علت أعمدته بعيدا عن العيون !

فهلا خرجنا من الانكفاء في ظلمة انانيتنا وعبادة أنفسنا ، فالنضوج قد يأتي مبكرا لمن يواجه ذاته بحقيقة نفسه قبل أن يقولها له الآخرون وتكون مرة عليه لايستطيع من بعد ذا حتى قولها بينه وبين نفسه وان كبر سنه !

ولكن مالمردود اذا ما صغرت أحلامه وتباعدت المسافة بينه وبين ذاته أكثر من تنافرها عن دروب الجماعة !

ولنعلم أن الحياة الدنيا مهما طالت أنفاسها فهي أقصر من خطوات الأحلام ..التي نتركها تلهث في طريقها حتى بعد أن نذهب عنها الى الحياة السرمدية !
[email protected]

تعليق واحد

  1. كتبت أكثر من تعليق ومسحتها كلها.

    اعتذاري للناس الزعلانين من الزقني.

    يا جماعة بنممممممزح. دي راكوبتنا نمزح ونجد نحر ونبرد.

    كفاية علينا عصر الحكومة.

    للجد أوقات وللهو مثلها
    ولكن أوقاتي إلى الجد أقرب

  2. كتبت أكثر من تعليق ومسحتها كلها.

    اعتذاري للناس الزعلانين من الزقني.

    يا جماعة بنممممممزح. دي راكوبتنا نمزح ونجد نحر ونبرد.

    كفاية علينا عصر الحكومة.

    للجد أوقات وللهو مثلها
    ولكن أوقاتي إلى الجد أقرب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..