مقالات وآراء سياسية

نفاق حركات دارفور التي تقاتل على جثّة وطن

حسن عبد الرضي الشيخ

 

يقول المثل السوداني : “يموت حمار في رزق كلب”. وهو مثل يصف ببراعة مشهد التهافت على الجيف النتنة، حين تتصارع النفوس الخاوية على أطماع تافهة. جثّة الحمار معروفة، إنها حكومة “كامل” الصلاحيات، تلك التي أُقيمت على أنقاض وطن، ورأسها (تيسٌوه قبل أن يُريسوه). أما رزق الكلب، فوزارات خاوية في حكومة لا تبكيها الأمهات ولا يتنافس عليها الشرفاء، بل تتسابق عليها “كلاب الحراسة” التي تُحاكي زئير الأسد وهي لا تملك سوى العواء.

 

في لحظة فارقة من تاريخ السودان، لحظةٍ مُلطّخة بالدم والعار والانهيار، لا يمكن لأي قلم حر أن يصمت عن هذا النفاق الفاجر الذي تمارسه ما تُسمى بـ”حركات الكفاح المسلح” في دارفور. فبأيّ ضميرٍ يمكن لهذه الحركات أن تتمسّك بشراسة باتفاقية جوبا، التي لم تمنح شعب دارفور سوى الوهم، بينما منحت قادتها المناصب والثروات؟! أيُّ سلامٍ هذا الذي يُرفع على أنقاض القرى المحروقة، وعلى أشلاء الضحايا، وجراح النساء، وصرخات الأطفال تحت القصف والاغتصاب والتشريد؟

 

فبأي وجه يطالب قادة هذه الحركات بتطبيق بنود اتفاق وُلد مشوهًا ويُطبّق الآن على جثّة وطن؟! ولماذا لم نرَ هذا التمسّك القتالي حين تم الدوس على الوثيقة الدستورية التي اعتمدت اتفاق جوبا كمرجعية لها؟! أين كنتم حين مزّق العسكر تلك الوثيقة تحت أقدامهم؟! أليس هذا هو النفاق في أبشع تجلياته؟

 

لقد سقط ما تبقّى من “الشرعية الثورية” لهذه الحركات يوم هرول قادتها نحو موائد الانقلابيين، وجلسوا بينهم يقتسمون فتات السلطة، وباركوا – بوعي أو بجهل – جريمة تفكيك مسار الانتقال، وفتحوا الطريق أمام إعادة تدوير نظام الإنقاذ بأسماء جديدة وأقنعة بالية.

 

اليوم، لم يعد هناك من يستطيع الدفاع عن جبريل إبراهيم، أو مني أركو مناوي، أو مصطفى تمبور، أو غيرهم من “الفلنقايات” السياسيين – كما يسميهم أبناء دارفور أنفسهم بمرارة وقهر. لقد خسرتم تعاطف الإنسان الدارفوري، الذي يرى فيكم الآن مرتزقة مأجورين، تنفذون أجندات من أفسدوا حياته، ثم تتحوّلون ضدهم حين تختلف الحصص أو يتغير المزاج.

 

إن تمسّككم بحكومة “بورتوكيزان”، هذا الكيان المنبوذ شعبيًا ودوليًا، لا تفسير له سوى الجشع والانتهازية. فأنتم لا تنتمون إلى معركة المبادئ، بل إلى سوق النخاسة السياسية، حيث تُباع المواقف وتُشترى الضمائر.

 

لم يعد الناس يُخدَعون ببياناتكم المزيفة، ولا بدموع التماسيح التي تذرفونها على ما تبقى من “جوبا”. فالدماء التي أُريقت في دارفور، والتي تُراق اليوم في سائر السودان، ستظل تلاحقكم كما تلاحق البرهان، وحميدتي، وأذيال النظام البائد.

 

الحل ليس في إعادة تقاسم الكعكة بينكم، بل في رحيلكم جميعًا، دون أسف أو رجعة. لقد انكشف خطابكم، وسقط قناعكم، وثبت أنكم لم تمثلوا شعب دارفور يومًا، بل مثّلتم أنفسكم، ثم من يدفع أكثر.

 

ارحلوا … فقد فشلتم في الحرب، وفشلتم في السلام، وفشلتم – قبل ذلك وبعده – في تمثيل الإنسان الذي جعلتموه سلّمًا لأطماعكم، ثم تركتموه ينهار وحده.

[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..