مقالات وآراء

التجارة الخارجية السودانية في ظل العقوبات والحرب ومآلات الإجراءات  الإماراتية الأخيرة: الذهب نموذجًا

 

عمر سيد أحمد

منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، دخل الاقتصاد السوداني مرحلة حرجة أعادت تشكيل ملامح التجارة الخارجية بصورة جذرية. لم تقتصر آثار الحرب على تعطيل الإنتاج المحلي، بل امتدت لتشمل سلاسل الإمداد، ومسارات النقل، وإمكانيات التمويل والتأمين التجاري. وأصبحت التجارة الخارجية رهينة لمعادلة معقدة من العزلة الدولية، والعقوبات الاقتصادية، وشبكات التجارة غير الرسمية. في هذا السياق، يبرز الذهب كمورد رئيسي للنقد الأجنبي، بل وكدراسة حالة كاشفة لفهم كيفية تكيّف الصادرات السودانية مع قيود الحرب والعقوبات، وكيف تتأثر بالقرارات السياسية في المراكز التجارية الإقليمية، وعلى رأسها الإمارات العربية المتحدة.
أولًا: المشهد العام للتجارة الخارجية السودانية قبل الحرب وبعدها
قبل الحرب، اعتمدت التجارة الخارجية السودانية على مجموعة من الصادرات التقليدية، أبرزها الذهب، الصمغ العربي، القطن، الثروة الحيوانية، وبعض المنتجات الزراعية. كما كان السودان يستورد القمح، والوقود، والآلات، والأدوية، والسلع الغذائية، والسماد، وغيرها من السلع من أسواق متعددة، أغلبها عن طريق الإماراتi.
لكن الحرب عطّلت مراكز الإنتاج الكبرى، خاصة في دارفور وكردفان والنيل الأزرق، وأغلقت طرقًا برية ومنافذ حدودية، ورفعت تكاليف النقل البحري نتيجة المخاطر الأمنية في البحر الأحمر. كما تراجع حجم الصادرات الرسمية غير الذهبية بشكل حاد، بينما حافظ الذهب على مكانته، وإن تحول جزء كبير منه إلى قنوات غير رسمية.
قبل الحرب، اعتمدت التجارة الخارجية السودانية على مجموعة من الصادرات التقليدية، أبرزها الذهب، الصمغ العربي، القطن، الثروة الحيوانية، وبعض المنتجات الزراعية. كما كان السودان يستورد القمح، والوقود، والآلات، والأدوية، والسلع الغذائية، والسماد، وغيرها من السلع من أسواق متعددة، أغلبها عن طريق الإماراتii.
تعتمد التجارة الخارجية السودانية بشكل كبير على الإمارات كمحور رئيسي لإعادة التصدير، حيث بلغت قيمة الواردات السودانية من الإمارات نحو 861 مليون دولار في عام 2023، مقابل صادرات تقدر بحوالي 1.09 مليار دولار، أي ما يعادل 21% من إجمالي صادرات السودان. هذا الاعتماد الكبير يجعل أي اضطراب في هذه القناة مؤثرًا مباشرة على ميزان المدفوعات، خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن أي تحويل لمسارات بديلة قد يرفع تكلفة الشحن بنسبة تتراوح بين 8% و15% ويضيف من 1 إلى 4 أيام على زمن الوصول، وفقًا للسيناريوهات التقديرية للتقرير. وتقدّر الخسائر السنوية المحتملة بين 101 و178 مليون دولار إذا استمر الوضع الراهن.
لكن الحرب عطّلت مراكز الإنتاج الكبرى، خاصة في دارفور وكردفان والنيل الأزرق، وأغلقت طرقًا برية ومنافذ حدودية، ورفعت تكاليف النقل البحري نتيجة المخاطر الأمنية في البحر الأحمر. كما تراجع حجم الصادرات الرسمية غير الذهبية بشكل حاد، بينما حافظ الذهب على مكانته، وإن تحول جزء كبير منه إلى قنوات غير رسمية.
وفي هذا الإطار، تُظهر البيانات التقديرية لزيادة الكلفة خلال 3–6 أشهر أن التحويل من خط دبي إلى مسارات بديلة مثل جدة، الدوحة، إسطنبول، أو الموانئ المصرية، سيؤدي إلى زيادة في تكلفة النقل وزمن إضافي كما يلي:
السلعة
النقل
الوحدة
الأساس (خط دبي)
مسار بديل
زيادة تقديرية %
زمن إضافي (أيام)
تكلفة بعد الزيادة
قمح (Bulk)
بحري
USD/طن
310.0
جدة
8.0
3
334.8
دواء (شحن سريع)
جوي
USD/كجم
15.0
الدوحة
12.0
1
16.8
قطع غيار صناعية
جوي
USD/كجم
8.5
إسطنبول
15.0
2
9.77
ثانيًا: أثر العقوبات الدولية والإقليمية
العقوبات المفروضة على السودان، سواء السابقة للحرب أو اللاحقة لها، أثّرت بشكل مباشر على التجارة الخارجية من خلال انكماش التمويل التجاري، وتعطيل أنظمة الدفع الدولية، وارتفاع تكاليف التأمين البحري، وزيادة الاعتماد على دول وسيطة.
العقوبات المفروضة على السودان، سواء السابقة للحرب أو اللاحقة لها، أثّرت بشكل مباشر على التجارة الخارجية من خلال:
  • 1. انكماش التمويل التجاري: صعوبة الحصول على خطوط ائتمان وتمويل عبر البنوك الدولية.
  • 2. تعطيل أنظمة الدفع الدولية: فرض قيود على التحويلات البنكية، وزيادة الاعتماد على أنظمة بديلة أو وسيطة.
  • 3. ارتفاع تكاليف التأمين البحري: إدراج الموانئ السودانية ضمن المناطق عالية المخاطر، ما رفع أقساط التأمين على الشحنات.
  • 4. زيادة الاعتماد على دول وسيطة: مثل مصر، وتشاد، والإمارات، لتسهيل دخول وخروج السلع.
ثالثًا: تغيّر هيكل الصادرات والواردات
في الفترة 2023–2025، أصبحت الصادرات أكثر تركيزًا على الذهب، بينما تراجعت مساهمة السلع الزراعية والحيوانية. أما الواردات، فقد اقتصرت غالبًا على السلع الاستراتيجية (قمح، وقود، دواء) عبر موانئ بديلة كميناء بورتسودان والمنافذ المصرية والإريترية، مع ارتفاع حاد في تكاليف الشحن والشراء.
رابعًا: الذهب كمورد استراتيجي للنقد الأجنبي
يمثل الذهب اليوم المورد الأول للنقد الأجنبي في السودان، خاصة بعد تراجع قطاع النفط. ووفق بيانات الشركة السودانية للموارد المعدنية (SMRC) وتقارير تشاتهام هاوس (2025)، إضافة إلى تقديرات مستقلة للخبراء، فإن إجمالي إنتاج السودان من الذهب خلال الفترة من أبريل 2023 وحتى الآن يتراوح بين 100 و120 طنًا سنويًا، تشمل الإنتاج الرسمي وغير الرسمي، في كل من المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة وتلك الخارجة عنها.
غير أن ما بين 70 و80% من هذا الإنتاج يُهرَّب إلى الخارج عبر مسارات غير رسمية، خاصة عبر الحدود مع مصر وتشاد، قبل أن يصل معظمه إلى أسواق مثل الإمارات. وبالاعتماد على السعر العالمي الحالي للذهب (حوالي 3,400 دولار للأونصة أو 109.56 مليون دولار للطن)، فإن قيمة الذهب المهرب من السودان سنويًا تتراوح بين 7.68 مليار دولار (70 طنًا) و10.52 مليار دولار (96 طنًا).
أما الإنتاج الرسمي المصرّح به من قبل الحكومة السودانية منذ أبريل 2023 وحتى الآن، فقد بلغ نحو 64 طنًا، وهو ما يعادل حوالي 7.01 مليار دولار بالقيمة السوقية الحالية، وهو رقم يقل بكثير عن التقديرات الفعلية للإنتاج، ما يعكس فجوة كبيرة ناجمة عن التهريب وضعف الرقابة على المناجم والمنافذ الحدودية.
تشير بيانات الأمم المتحدة وتقارير تشاتهام هاوس إلى أن كميات كبيرة من الذهب السوداني تمر عبر مصر قبل دخولها السوق الإماراتية:
  • · 2023: مصر صدّرت إلى الإمارات 16.48 طنًا من الذهب بقيمة تقارب 1.80 مليار دولار.
  • · يناير–أكتوبر 2024: ارتفعت صادرات مصر إلى 41.14 طنًا بقيمة نحو 4.50 مليار دولار، منها 25.86 طنًا إلى الإمارات بقيمة تقارب 2.83 مليار دولار.
خامسًا: الإجراءات  الإماراتية الأخيرة وتداعياتها
في 6 و7 أغسطس 2025، فرضت السلطات الإماراتية حظرًا على هبوط الطائرات السودانية في مطاراتها، تبعه قرار بوقف جميع أشكال التبادل البحري مع السودان، متضمنًا تعليق تصاريح الإبحار للسفن الإماراتية المتجهة إلى ميناء بورتسودان، ومنع حركة البضائع المرتبطة بالسودان عبر الموانئ الإماراتية.
ورغم أن خلفية القرار تحمل أبعادًا سياسية، فإن تداعياته الاقتصادية عميقة، خصوصًا أن الإمارات تشكّل الوجهة الأولى لصادرات الذهب السوداني ومركزًا لإعادة تصديره. هذا الإجراء يعكس استعداد الإمارات للتخلي عن مصالحها الاقتصادية في سبيل أهداف سياسية، وهي خطوة لم تُقدم عليها حكومة بورتسودان التي فضّلت الحفاظ على مصالحها التجارية، حتى لو كان ذلك يعني استمرار الاعتماد على منفذ واحد.
اقتصاديًا، يشبه تأثير هذا القرار العقوبات الأمريكية في شدته على المنظومة التجارية القائمة، خصوصًا في مجال الذهب، الذي مثّل خلال السنوات الماضية أحد أهم مصادر تمويل المنظومة الإخوانية وشبكاتها الاقتصادية.
حجم العلاقة التجارية
  • · الواردات من الإمارات  (2023):  861 مليون دولار (دواء، قمح، معدات، إلكترونيات).
  • · الصادرات إلى الإمارات (2023):  1.09 مليار دولار، أغلبها ذهب.
  • · الإمارات تستحوذ على 21% من إجمالي صادرات السودان.
القنوات المتأثرة بالإجراءات
  • · الشحن الجوي: زيادة زمن وكلفة الشحنات السريعة.
  • · الشحن البحري: لا حظر رسمي، لكن التوتر يرفع أقساط التأمين ويقلل الرحلات المباشرة.
  • · الذهب: التحويل عبر وسطاء يسبب فاقد إيرادات وخصومات سعرية.
زيادة التكاليف المتوقعة (3–6 أشهر)
  • · التحويل من خط دبي لمسارات بديلة (جدة، الدوحة، إسطنبول، موانئ مصرية) يرفع التكاليف 8–15% ويضيف 1–4 أيام.
  • · مثال:
        قمح (Bulk) عبر جدة: +8% تكلفة، +3 أيام. دواء (شحن سريع) عبر الدوحة: +12% تكلفة، +1
القنوات المتأثرة
  • · الشحن الجوي: زيادة زمن وكلفة الشحنات السريعة.
  • · الشحن البحري: لا حظر رسمي، لكن التوتر يرفع أقساط التأمين ويقلل الرحلات المباشرة.
  • · الذهب: التحويل عبر وسطاء يسبب فاقد إيرادات وخصومات سعرية.
الخسائر السنوية المحتملة
  • · الواردات: 69–103 مليون دولار.
  • · الصادرات (خصم سعري على الذهب): 22–55 مليون دولار.
  • · فاقد إيرادات عامة: 10–20 مليون دولار.
  • · الإجمالي: 101–178 مليون دولار/سنة.
خطة التعويض
  • · تنويع المحاور اللوجستية (بحري/جوي).
  • · إنشاء مجمعات شراء للسلع الاستراتيجية.
  • · اتفاقات تمويل تجاري مع بنوك بديلة.
  • · إنشاء بورصة ذهب وطنية ومصفاة معتمدة.
  • · فتح نوافذ تحويلات للمغتربين برسوم منخفضة.
  • · برنامج تأمين شحن جماعي.
  • · تنويع الموردين.
مشاكل التصدير المتوقعة
  • · صعوبة توثيق المدفوعات.
  • · ارتفاع أقساط التأمين البحري.
  • · متطلبات مطابقة معايير صارمة.
  • · خصومات سعرية على الذهب بسبب الوسطاء.
سادسًا: محاولات فتح منافذ بديلة لتصدير الذهب
مع تصاعد التوتر بين السودان والإمارات بعد وقف حركة الطيران والنقل البحري والبري من وإلى بورتسودان، قد تكون البدائل الممكنة أمام السودان لتقليل الاعتماد الأحادي على الإمارات هي البحث عن طرق ومسارات جديدة لتصدير الذهب، سواء عبر أسواق إقليمية قريبة أو من خلال ترتيبات تجارية ومصرفية بديلة. الإمارات ما تزال الوجهة الأساسية لمعظم الذهب السوداني، لكن هذه البدائل قد توفر منافذ إضافية أو جزئية.
  • · التصدير عبر مصر: يتخذ جزء من الذهب السوداني مسارًا عبر مصر كأحد البدائل الجزئية للإمارات، رغم أن الأخيرة ما تزال الوجهة النهائية لمعظم الذهب الرسمي. وتشير بيانات معهد تشاتام هاوس إلى أن نحو 98% من الذهب السوداني ينتهي في دبي حتى أثناء الحرب.iii كما أوضحت إذاعة فرنسا الدولية أن الحكومة السودانية تدرس بدائل تشمل قطر ومصر، إلا أن المسار المصري يتم غالبًا عبر شبكات تهريب وليس عبر القنوات الرسمية.iv 2 وتقدّر تشاتام هاوس أن نحو 60% من إنتاج مناطق الشمال ونهر النيل والبحر الأحمر يُهرّب إلى مصر، بينما لم تتجاوز الصادرات الرسمية إلى القاهرة عام 2024 نحو 16 مليون دولار، أي حوالي 1% فقط من إجمالي صادرات الذهب.v
  • · التعاون مع قطر: في مايو/أيار 2024، تم التوصل إلى اتفاق بين السودان وقطر لإنشاء مصفاة ذهب في الدوحة لمعالجة الذهب السوداني وتصديره، بهدف تقليل الاعتماد على الإمارات.^4 وأكد المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية أن قطر اتخذت خطوات عملية في هذا الاتجاه، وأن المشروع يمكن أن يوفر منفذًا جديدًا للسودان في حال اكتماله. vi
  • · السعودية كمنفذ محتمل: رغم امتلاك المملكة بنية لوجستية متقدمة ومصافي ذهب متطورة، إلى جانب سوق محلي قوي للذهب، لا توجد حتى الآن تقارير أو اتفاقيات رسمية نشطة بين الخرطوم والرياض في هذا المجال، ما يجعل دورها المحتمل نظريًا فقط في الوقت الراهن.vii
من ناحية العملة والتسوية البنكية
تظل التسوية بالدولار الأميركي هي القاعدة في تجارة الذهب، حتى عند استخدام منافذ غير الإمارات، وهو ما يجعل أي مسار بديل مرهونًا بتوافر قنوات مراسلة دولارية وامتثال صارم لمعايير مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب (AML/CFT).
  • · مصر: الجنيه المصري (EGP) ليس عملة تسوية دولية، والاقتصاد المصري خرج مؤخرًا من أزمة حادة في العملة الصعبة، متحولًا في مارس/آذار 2024 إلى نظام سعر صرف أكثر مرونة ضمن برنامج ممتد مع صندوق النقد الدولي، ما خفّف من اختناقات النقد الأجنبي لكنه لم يجعل الجنيه خيارًا واقعيًا لتسوية صفقات الذهب الكبرى.^7 لذلك، تتم معظم التسويات بالدولار عبر بنوك مراسلة دولية.^8 كما أن إعفاء الحكومة المصرية للذهب المحمول من المسافرين من الرسوم الجمركية في مايو/أيار 2023 يظل إجراءً موجهًا للأفراد، ولا يشكل بنية تسوية مصرفية للتجارة المنظمة.viii
  • · قطر: الريال القطري (QAR) مثبت عند 3.64 مقابل الدولار، ما يسهل التسوية بالدولار عبر النظام المصرفي المحلي، لكن الدوحة ليست مركزًا عالميًا لتداول الذهب مثل دبي. وقد أُعلن في مايو/أيار 2024 عن اتفاق لإقامة مصفاة ذهب في الدوحة، وهي خطوة قد تقلل الاعتماد على الإمارات من الناحية اللوجستية، لكنها لا توفر منظومة تسوية مصرفية مستقلة، إذ تظل العقود مقومة بالدولار وتتم تصفيتها عبر البنوك المراسلة.ix
  • · السعودية: الريال السعودي (SAR) مثبت عند 3.75 مقابل الدولار، ويُستخدم على نطاق واسع في التسويات الإقليمية. ورغم امتلاك المملكة بنية تحتية متقدمة ومصافي ذهب حديثة، إلا أن البنوك السعودية تطبق معايير امتثال دولية صارمة، خاصة فيما يتعلق بالذهب القادم من مناطق النزاعات، ما قد يفرض على السودان استخدام الدولار أو الدرهم الإماراتي كعملة وسيطة.x
التقييم والبدائل
بناءً على ما سبق، قد يقتصر الدور المصري والقطري والسعودي في المرحلة الحالية على شراء جزء من الذهب السوداني أو تصفيته محليًا عبر مصافيها، دون أن يشكل ذلك بديلًا كاملًا للإمارات ما لم تُحل مسألة العملة وآليات التسوية البنكية. ولتقليل المخاطر المرتبطة بالاعتماد على منفذ واحد، يمكن للسودان دراسة آليات بديلة مثل عقود المقايضة (ذهب مقابل سلع أو وقود)، أو إجراء التسويات عبر بنوك وسيطة خارج الدول المعنية، أو الانضمام إلى أنظمة دفع إقليمية مثل نظام الدفع والتسوية الإفريقي (Pan-African Payment and Settlement System – PAPSS)، شريطة توافر الإطار التشريعي والبنية الفنية اللازمة لتشغيلها بفعالية.
خلاصة: تمثل مصر مسارًا جزئيًا عبر تدفقات محدودة أو غير رسمية، وتوفر قطر قدرة تكرير إضافية، بينما يمكن للسعودية أن تكون سوقًا ومصفاة محتملة، لكنها تفرض متطلبات امتثال مشددة. وحتى الآن، لم يتشكل بديل مصرفي كامل للإمارات، التي ما تزال تحتفظ بموقعها كمركز التسعير والتداول وإعادة التصدير الأوسع في المنطقة (مجموعة العمل المالي – Financial Action Task Force، فبراير/شباط 2024).
سابعًا: الجهاز المصرفي السوداني ودوره في تجارة الذهب
التحويلات على المفروضة والقيود الاقتصادية العقوبات تراكم بفعل عقود، مدى على ممتدة عزلة من السوداني المصرفي الجهاز عانى على للاعتماد السودانية البنوك واضطرار الدولية، المراسلة البنوك شبكة تقلص إلى أدت العزلة هذه. الدولية البنكية والتعاملات المالية القنوات هذه مثّلت وقد. المتحدة العربية الإمارات دولة في خاص وبشكل الخليج في العاملة البنوك أبرزها كان محدودة، قنوات الاعتمادات فتح مثل آليات عبر الذهب، صادرات سيما ولا الصادرات، عوائد وتحصيل المدفوعات لتسوية رئيسيًا منفذًا المصرفية التصدير إعادة عمليات وتسهيل الأجنبية، بالعملات التحويلات وتمرير المستندية،.
الخارجية التجارة تسوية في المحلية والعملات الإماراتي الدرهم دور
بنشاط المرتبطة المصرفية التعاملات معظم أصبحت العقوبات، نتيجة واليورو الأمريكي بالدولار التعامل على المفروضة القيود ظل في البنوك عبر تداوله ويسهل والمقاطعة، التدقيق مستوى لنفس تخضع لا عملة لكونه الإماراتي، بالدرهم وتُسوى تُقيَّم والوارد الصادر ذلك في بما الصادرات، قيم وتحصيل التجارية المستندات تسعير في المرجعية القاعدة الدرهم جعل الأمر هذا. المنطقة في المراسلة في تُموَّل كانت بالدولار، عادة تُسعَّر التي البترول، واردات أن كما. الحيوية بالواردات الخاصة المدفوعات تسوية إلى إضافة الذهب، الخبراء بعض يطرح السياق، هذا وفي. والدولار السوداني الجنيه بين عمليًا وسيطًا باعتباره بالدرهم تسويات عبر الحالات من كثير السنة نهاية في التجاري للميزان النهائية التسوية إجراء مع العام، مدار على التجارية الصفقات تسوية في المحلية العملة لاعتماد مقترحًا في التجاري النظام مرونة ويعزز الأجنبي النقد احتياطيات على الضغط يخفف أن يمكن ما وهو للتحويل، قابلة عملة أي أو بالدرهم الخارجية الصدمات مواجهة.
كما لعبت فروع البنوك السودانية والعربية في الإمارات دورًا رئيسيًا في تحصيل عوائد الصادرات، وخاصة الذهب. لكن هذا الارتباط الوثيق جعل الجهاز المصرفي عرضة لاعتماد مفرط على منفذ مصرفي وتجاري واحد، ما زاد من هشاشته أمام التحولات السياسية أو الاقتصادية في هذه المراكز المالية.
ثامنًا: البدائل الممكنة — نظام الدفع والتسوية الإفريقي   PAPSS))
يبرز نظام الدفع والتسوية الإفريقي (PAPSS) كأحد البدائل الاستراتيجية القابلة للتطبيق. أطلقه البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد (Afreximbank) بالتعاون مع منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية (AfCFTA)، بهدف تمكين الدول الأفريقية من تسوية المدفوعات التجارية بالعملات المحلية بدلًا من الاعتماد على عملات وسيطة مثل الدولار أو اليورو.
يعمل النظام عبر ربط البنوك المركزية في الدول المشاركة، بحيث يتمكن المصدّر في السودان من تحصيل مدفوعاته بالجنيه السوداني من مستورد في دولة أفريقية أخرى، بينما يسدّد المستورد المقابل بالعملة المحلية لبلده. يتولى النظام بعد ذلك تحويل القيمة وتسويتها في نفس اليوم أو خلال فترة زمنية وجيزة، ما يخفض تكاليف المعاملات ويختصر زمن التسوية.
انضمام السودان إلى PAPSS من شأنه أن يقلل من الاعتماد على البنوك المراسلة الخارجية، ويوفر سيولة أفضل بالعملات المحلية، ويدعم التجارة البينية الأفريقية، خاصة في صادرات الذهب والمنتجات الزراعية. كما يسهم في تخفيف الضغط على احتياطيات النقد الأجنبي، ويعزز استقلالية وكفاءة النظام المصرفي الوطني.
تاسعًا: آفاق وسياسات مقترحة
  • 1. تنويع المنافذ التجارية مع أسواق بديلة في آسيا وأفريقيا.
  • 2. توحيد البيانات الإحصائية بين البنك المركزي والشركة السودانية للموارد المعدنية  ونشرها بانتظام.
  • 3. تعزيز الرقابة على المناجم والحدود للحد من التهريب.
  • 4. تطوير أساليب التمويل التجاري البديل مثل المقايضة أو الدفع بالعملات المحلية.
  • 5. إصلاح النظام المصرفي لزيادة القدرة على التعامل مع شركاء متنوعين.
الخاتمة
تعكس التجارة الخارجية السودانية في ظل الحرب والعقوبات مزيجًا من الفرص والتحديات. وبينما يظل الذهب العمود الفقري لعوائد النقد الأجنبي، فإن الاعتماد المفرط على مسار واحد وصديق تجاري واحد يضاعف المخاطر. المطلوب رؤية استراتيجية شاملة تعيد هيكلة التجارة الخارجية، وتدمج القطاع غير الرسمي، وتضمن استقرار الموارد السيادية. وفي هذا الإطار، تمثل إقامة بورصة وطنية للذهب بشكل عاجل خطوة محورية لتنظيم السوق وتحديد أسعار شفافة وربطها بالأسواق العالمية، إلى جانب إنشاء مصافٍ وطنية وإقليمية للذهب لضمان زيادة القيمة المضافة محليًا، بما يعزز التوجه نحو إيقاف تصدير الذهب خامًا وتحويله إلى منتجات مكررة أو نصف مصنعة ذات عائد أعلى. كما يمكن تنويع أدوات الاستثمار عبر إصدار شهادات استثمار مغطاة بالذهب تستهدف الأفراد والمؤسسات، وتنفيذ برنامج “السبيكة للاستثمار” الذي يتيح للمواطنين والمستثمرين شراء سبائك ذهب صغيرة أو متوسطة الحجم كأداة ادخارية واستثمارية آمنة، مما يوسع قاعدة المشاركة الاقتصادية، ويقلل من التهريب، ويوجه الذهب نحو قنوات رسمية تدعم الخزانة
العامة. وتمثل هذه الإجراءات أيضًا مدخلًا مهمًا لـبناء احتياطي استراتيجي من الذهب في البنك المركزي، بما يعزز الثقة في النظام النقدي ويسهم في دعم العملة المحلية المنهارة واستعادة جزء من استقرارها.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..