مقالات وآراء

أكتوبر الأخضر.. سلامٌ على روح العارف بالله

حسن عبد الرضي الشيخ

حديث الكتب (٣١ والأخيرة)
أكتوبر الأخضر.. سلامٌ على روح العارف بالله

بعد نشر الحلقة الثلاثين من سلسلة حديث الكتب، التي تشرفتُ فيها بتقديم نبذةٍ موجزةٍ عن كتاب الإخوان الجمهوريين «الأستاذ محمود محمد طه يتحدث عن ثورة أكتوبر والوحدة الوطنية»، وجد المقال صدىً واسعًا بين القرّاء والمهتمين بالفكر الحر.

ولم تكد تمرّ ساعاتٌ على نشر مقطعٍ صوتي قصيرٍ للأستاذ محمود محمد طه، يتحدث فيه عن سنة النبي ﷺ، حتى وردني تعليقٌ من إحدى المتابعات — الأخت هويدا — يحمل من الصدق والعرفان ما جعلني أتوقف عنده طويلًا، وأفكر أن أختتم به هذه السلسلة من المقالات.

كان النص قطعةً من ضوء، تفيض حبًا وإجلالًا لذلك الرجل العارف بالله، وكأنها صلاةٌ في محراب الفكر الإنساني. تقول الكاتبة:

«أيها العارف بالله، الرجل الورِع الذي تُقيم الليل وتُنفق سرًّا وعلانية،

أيها المستقيم دينًا وأخلاقًا،
أيها المانح سلامَ النفس وطمأنينةَ القلب،
أيها الإنسان… محمود محمد طه.

من ظنَّ أنه نال من جسدك فهو قاتلٌ كاذب، لأنه ما كان يتصوّر أنه لن “يُعدم” الروح، إذ هي في الأصل تسبح في ملكوت السماوات، لشدة قربها من الله إيمانًا واحتسابًا.

ومن قتلك لم يقتل فكرًا، فهو مدادٌ يتدفّق كماء النيل، لا ينقص كلما أُخذ منه، بل يزداد ويزدان نورًا، لأنه خيرٌ للبشرية.

فالرسول الذي بعثه الله نذيرًا وبشيرًا للبشرية، اختار له الله إخوانًا من عباده الصالحين، اختصّهم بقضاء حوائج الناس؛ وكانوا ذاك المداد الذي لا ينقطع حبره، فيُوصِل ما انقطع عن ذاكرة الناس من دعوةٍ إلى دين الله.

لم يرحل القامةُ العارف بالله محمود محمد طه، ففكرُه ما زال يُنير الطريق، والحمد لله.

فكرُه منارةٌ تُضيء طريقَ من ضلَّ فيهتدي، فإن عاد محمود محمد طه وخُيِّر بين السماء والأرض لاختار السماء، فهي روحٌ أقرب إلى الله، وليست جسدًا في الأرض.

يا أيها العارف بالله محمود محمد طه، فلترقد روحُك الطاهرة بسلامٍ في جنّات الخلد.

أريد أن أُبوح لك أن نبوءتك صدقت، وأنت تعلم، إذ قد أحال الله هؤلاء الخوارج الفاسدين إلى الدرك الأسفل في الأرض قبل السماء، فأحاطت بهم النكبات، وتبدّل حالهم إلى أسوأ حال، وذلك جزاءُ كلِّ ظالم.»

لقد هزّني هذا النص بعمقه الإيماني وصدقه العاطفي، إذ جسّد — بلغةٍ نقيةٍ — ما يختلج في صدور كثيرين ممّن رأوا في الأستاذ محمود محمد طه مدرسةً في الإنسانية قبل أن يكون مفكرًا، ورمزًا للسماحة قبل أن يكون شهيدًا للفكر.

إنه أكتوبر الأخضر في معناه الرمزي — كتابٌ خطّته أناملُ سودانيةٌ أصيلة، وامتدادٌ لفكرٍ لا يموت.
فالفكرة التي أزهرت في قلب السودان ما زالت تُنبت كلَّ حينٍ زهرةَ وعيٍ جديدة، تسقيها دماءُ الصادقين، وترويها أرواحُ من آمنوا بأن الحرية ليست كلمة، بل طريقٌ إلى الله.

أحمد الله الذي وفّقني لإتمام سلسلة حديث الكتب، التي سخّر الله فيها قلمي لخدمة التوعية والتنوير، مع زمرةٍ من الصحافيين والكتّاب الذين أفنَوا أعمارهم في خدمة الشعب الذي أحبّوه.
وأرجو أن أكون قد كنتُ خفيفًا على القرّاء الأعزاء.

وفي ختام مقال الختام، لا بدّ لي أن أعلن عَجزي عن تقديم الشكر لكلِّ الذين قدّموا لي وافرَ وصادقَ النصح، والنقدَ الصائب الذي أسهم في إخراج هذه السلسلة في صورةٍ معقولةٍ مقبولة.
والشكر لله بدءًا وختامًا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..