مقالات وآراء

هل من تحولات نحو وقف إطلاق النار في السودان؟

أماني الطويل

يبدو أننا نشهد مرحلة تحولات قد تكون فارقة في المشهد السوداني، ناتجة من وجود وحدة هدف بين المستويين الإقليمي والدولي، للوصول إلى محطة وقف إطلاق النار للحرب، إذ من المتوقع أن ينعقد خلال الأيام القليلة المقبلة اجتماع جديد للجنة الرباعية في واشنطن، قد يستفيد من الاتجاه الأميركي الذي يتبناه الرئيس دونالد ترمب في ضرورة إنهاء حروب المنطقة.

وقد نستطيع أن نرصد أن هناك قدراً من التمايز بين الأطراف في سياق الجهود الإقليمية والدولية داخل وخارج اللجنة الرباعية التي تشمل واشنطن والرياض والقاهرة وأبوظبي، وذلك في شأن وقف حرب السودان، ذلك أن المسار المصري – السعودي يركز على أولوية وحدة الدولة واستعادة مؤسساتها تدريجاً، مع بحث فكرة وحدة القوى المسلحة السودانية في جيش وطني واحد طبقاً لمنظومة “دي دي آر” التي تعني نزع السلاح والتسريح والدمج لهذه القوات طبقاً لتوافقات عسكرية وسياسية، أما المسار الأميركي – الإماراتي فيتحدث عن تسوية يصفها بالواقعية، تقوم على تقاسم السلطة بين الأطراف العسكرية والمدنية مع ضمانات اقتصادية دولية لإعادة الإعمار.

أما المسار الأفريقي الذي هو خارج نطاق الرباعية فيطرح فكرة معالجة جذور التهميش عبر تدشين لا مركزية سياسية في السودان متأثراً بالنموذج الصومالي ربما الذي لم يثبت نجاحاً حتى الآن، ويدعو في هذا الإطار إلى مؤتمر سياسي شامل تحت مظلة منظمة الإيجاد لإنجاز التوافق الوطني بين الأطراف السياسية السودانية، وهي خطوة فشل الاتحاد الأفريقي في تنفيذها أخيراً، نظراً إلى عمومية المبادرة، وتجاهلها حال التعقيد المركبة لأزمة الحرب السودانية.

وعلى رغم اختلاف هذه المسارات فإن ثمة تقاطعات في نقاط رئيسة تتمثل في ضرورة وقف إطلاق النار خلال ما تبقى من هذا العام، وكذلك البدء فوراً في مفاوضات فنية في شأن السلطة الانتقالية من ناحية الأطر الحاكمة لها، والأطراف المشاركة فيها، وذلك بشرط مشاركة القوى المدنية في هذه المفاوضات سعياً وراء دعم شرعيتها.

وبطبيعة الحال، ثمة تحد رئيس هنا هو كيفية التنسيق بين المسارات المدمجة في إطار اللجنة الرباعية، لدرجة أن تتبنى آليات مشتركة للعمل تتيح التوافق، ولعل عدم وضوح مدى التنسيق بين الأطراف، خصوصاً الإقليمية، يفسر لنا حال الجدل الداخلي السوداني في شأن جهود الرباعية والموقف منها، إذ يتبنى تيار داخل حزب المؤتمر الوطني المنحل تصنيف الجهود الدولية في شأن وقف الحرب في السودان بأنها مؤامرة تهدف إلى إعطاء وزن وشرعية سياسية للأطراف المتمردة على الدولة، التي مارست انتهاكات واسعة ضد الشعب السوداني، ومن ثم فهو مناصر لفكرة استمرارية الحرب على رغم عدم تحقيق أهدافها على مدى عامين ونصف العام.

وفي المقابل فإن القوى المدنية وخلفها القطاعات غير المؤدلجة تدعو إلى وقف الحرب لأسباب إنسانية، وعلى رغم هذا الجدل فإن حال توازن الضعف الراهنة بين الأطراف العسكرية، التي لم يستطع معها أي طرف فعلياً تحقيق تقدم حاسم على الطرف الآخر أسهمت في خلق بيئة مناسبة لقبول تسوية من نوع ما، خصوصاً أن الأطراف الإقليمية والدولية باتت على قناعة أنه لا حسم عسكرياً للحرب السودانية، كما ورد على لسان وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي أخيراً.

وبطبيعة الحال، تنعكس الإرادة الدولية والإقليمية بصورة عامة على التفاعلات الداخلية السودانية على المستويين العسكري والمدني، فبينما تبدو تصريحات الفريق عبدالفتاح البرهان ما زالت تخاطب التعقيدات الداخلية من دون تموضع واضح بين الأطراف السياسية المتصارعة نجد أن الفريق شمس الدين الكباشي أكثر وضوحاً في ما يتعلق باتجاه الجيش السوداني نحو تسوية أو تفاوض لم تتضح معالمه بعد، وقد يرتبط على نحو ما بهندسة إقليمية دولية مشتركة قائمة على تفاهمات مسبقة مع أطراف الصراع العسكري، خصوصاً مع الجيش السوداني عبر أكثر من لقاء جرى بينه وبين مستشار الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وأفريقيا مسعد بولس.

في هذا السياق، شهدت القاهرة اجتماعات بين الرئيس السيسي والشيخ محمد بن زايد والفريق البرهان، ومسعد بولس، وتحرك المبعوث الأميركي للمنطقة تجاه تشاد والسعودية في شأن سبل وقف إطلاق النار بالسودان، والبدء في عملية سياسية ترسم ملامح اليوم التالي للحرب، بما يتضمنه ذلك من ملامح للفترة الانتقالية وطبيعة القوى الحائزة السلطة فيها.

الدفع الداخلي والخارجي نحو وقف الحرب السودانية لا ينفي أن هذه الخطوة تكتنفها تعقيدات أساسية، لا بد من التعامل معها على نحو تدريجي، ويمكن إجمال هذه التعقيدات في عدد من المحاور الخارجية والداخلية. على الصعيد الخارجي تتطلب العلاقة بين الخرطوم وأبوظبي ضرورة بلورة تفاهمات محددة حتى يمكن للجنة الرباعية أن تمضي قدماً في عملية محاولة هندسة وقف إطلاق النار، وذلك في سياق أن سلطات الخرطوم تؤكد عبر أدلة أن الإمارات تساند قوات “الدعم السريع”، وهو ما تنفيه أبوظبي، لكن يستخدمه حلفاء الجيش السوداني في التحريض على دولة الإمارات ذريعة لاستمرار الحرب.

ويجيء في سياق التعقيدات الداخلية موقف الجيش من حلفائه في التيار الإسلامي، وكذلك حلفاؤه من الفصائل الدارفورية التي ستطالب بثمن سياسي، لمساندتها الجيش خلال فترة الحرب، أيضاً مسألة بلورة موقف من حزب المؤتمر الوطني المحلول وطبيعة التفاعل معه من عدمه، وذلك تحت مظلة انقسامات وخلافات فيه، وانقسامات وخلافات في الإطار الأوسع، أي الجبهة القومية الإسلامية التي تنبثق منها ميليشيات متحالفة مع الجيش، وبالتوازي مع ذلك فإن هناك حال عدم قبول متبادل بينه وهو الحائز على مفاصل الدولة وبين القوى السياسية التي تملك شرعية ثورة ديسمبر (كانون الأول)، وكذلك مساندة الأطراف الدولية لها.

وفي سياق متصل، فإن حال المكون المدني شريك القوى السياسية، الذي تتجه الرباعية إلى أن يكون حائزاً للسلطة أو جزءاً مقدراً منها نجده يتسم بسيولة كبيرة بين عدد من المكونات، منها تحالف صمود المكون من عدد من الأحزاب والقوى السودانية، الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبدالله حمدوك، ومنها أيضاً أحزاب سياسية أخرى قد تتفق مع “صمود” في الاتجاه العام، لكن تختلف في تفاصيل مؤثرة. وفي السياق ذاته، فإن منظمات المجتمع المدني تواجه حال سيولة هائلة أيضاً فلا نعرف من يمثل ماذا، إذ يرتكن بعض عناصرها إلى شرعية مكتسبة من علاقات دولية، هي محل خلاف وشكوك داخلية في شأن الأهداف النهائية للجهات الداعمة لها، كما يرتكن بعض آخر إلى كيانات نقابية قد انتهت بالفعل. هذه الضفيرة المتشابكة من التعقيدات مطروح في مقابلها تحالف جديد تجرى صياغته حالياً معروف باسم “نداء السودان”، متجاوزاً كل التشكيلات السابقة ومستنداً إلى تحالفات قبلية يعتقد أنها ستكون قادرة على إجبار الأطراف العسكرية على التراجع عن الخيار العسكري.

وهكذا فإن التعامل مع هذه الإشكالات يتطلب إما تفرغاً وتركيزاً كبيراً وتحضيراً دقيقاً من جانب اللجنة الرباعية لمواجهة هذه التعقيدات، وهو أمر مشكوك فيه، نظراً إلى وجود انشغالات دولية وإقليمية موازية للحرب السودانية، ولا تقل عنها أهمية، أو خياراً آخر لا يقل صعوبة، ويتمثل في تجمع إرادة وطنية سودانية للتقارب والتوافق بديلاً عن ضياع الوطن وانهيار الدولة، وهي خطوة تتطلب دعماً إقليمياً من جانب القاهرة والرياض، وفضاء تمارس فيه القوى السودانية هذه المحاولة الذاتية تحضيراً لمؤتمر القاهرة للقوى السياسية الذي ينتظر إنجاز التوافق المبدئي السوداني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..