“انزل من علاك الفوق” أذواق الناس.. خيارات متعددة حسب المزاج

الخرطوم – نمارق ضو البيت
البشر بطبيعتهم يمتلكون خاصية تذوق الأشياء بصورة فطرية، فيستطيع الشخص التميز بين ما هو حلو أو مُر، وبين الحامض والأقل حموضة، ليس على مستوى الطعام والشراب فقط بل حتى في انتقاء كل الأمور الحياتية ابتداءً من أنواع الملابس وألوانها، الأثاث، السيارات، الأزهار، الأصوات وغيرها من التفاصيل، في كثير من الأحيان يتدخل المجتمع في تشكيل الذائقة الشخصية للفرد، رغم أنها تختلف من شخص لآخر داخل ذات المنظومة المجتمعية.
عادة ما يُطلق على أصحاب الذائقة الراقية والجميلة لقب (سليمي الذوق)، أيا كان مجال أو اتجاه هذا التذوق، سواء أكان في مجال الأدب، الموسيقى، أو الفن بكافة أقسامه من رسم ونحت، كما أن هنالك وظائف تذوق واختبار للطعام في المسابقات العالمية والمطاعم الكبيرة، يتقاضى موظفوها رواتب على تذوقهم للمأكولات والمشروبات، يصنفون بأنهم يمتلكون سلامة في حاسة التذوق.
تصنيفات متعددة
فهل سليمو الذوق قلة يقلدهم الآخرون؟ لهم ذائقة متفردة، أم أن التذوق مرتبط بدراسة أكاديمية كما يفعل النقاد المتخصصون في المجالات كافة سواء أكانت أدبية، موسيقية، فنية، يحتاج فيها الناقد إلى رؤية عميقة مصحوبة بدراسة علمية وتجارب عملية، مع أن هناك من صنفها ضمن الصفات الإنسانية الراقية، ما دفع الفنانين والشعراء للتغني لها؟ وعلى سبيل المثال أغنية “يا سليم الذوق يا الجمالك صار/ زينة الأيام ومتعة الأبصار”. وكذلك رائعة محمد وردي “يا سليم الذوق لو تعرف الشوق/ ابقى انزل يوم من علاك الفوق”.
خيارات حياتية
وبما أن الإنسان ابن بيئته، فإن لكل سكان منطقة ذائقتهم التي تتشكل على حسب بيئتهم، فعلى سبيل المثال تختلف الموسيقى من مكان إلى آخر، وبالتالي تختلف ذائقة الناس، فالبعض يعجبه السلم الخماسي وآخرون يروقهم السباعي، إلى آخرها من التصنيفات الموسيقية في خياراتهم الحياتية، وهذا ما يسمى بالذوق العام، الذي يدفع الكثيرين للتوخي عن انزلاقات قد تؤدي إلى عدم الارتياح إليها، وحتى على سبيل الاجتماعيات بين أفراد المجتمع الواحد، فيراعي الفرد آداب السلوك التي تتماشى مع الذوق العام، الذي يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالشارع العام أو بالأصح ما هو متفق عليه لدى الغالبية العظمى، ويسمى الشخص فظ التعامل، جلف السلوك، والذي لا يكترث بضوابط الذوق العامة، بقليل أو عديم الذوق. ويرى علماء تغيُّر السلوك أن الذوق عادة يمكن اكتسابها من كثرة التجارب الإنسانية التي تُترجم على شكل تصرفات فيما بعد، ويمكن لأي شخص اكتساب السلوكيات التي تتوافق مع معتقداته وآرائه، إن توفرت لديه الرغبة في ذلك.
سعادة الإنسان
وللكاتب محمد بن إبراهيم الحمد رأي في سلامة الذوق، عبَّر عنه في مقاله (سلامة الذوق وأثره في الأفراد والأمة)، الذي استخلصه من سلوكيات كبار الأئمة مثل ابن تيمية وروح الدين الإسلامي. وأكد فيه أنه من علامات سعادة الإنسان أن يرزقه الله ذوقاً سليماً مهذباً، وذلك لأنه سيعرف كيف يستمتع بالحياة ويحترم شعور الآخرين في ذات الوقت، وسلامة الذوق في حد ذاتها قادرة على استجلاب محبة الناس، نسبة لأن صاحبها سيتجنب جرح وإحراج الآخرين بالكلام أو التصرف، وذهب الأستاذ محمد إلى أن (رقي الذوق أكثر أثراً في السعادة من رقي العقل).
الذوق الأدبي الرفيع
وفي السياق، ترى الأديبة بثينة خضر مكي أن لكل شخص ذائقته الأدبية الخاصة، التي تكونها عدة عوامل مثل تكوينه الشخصي، بيئته، ومؤثرات حضارية أخرى كالتعليم والتجارب المكتسبة. وأضافت قائلة: وبالنسبة لي يستهويني النص الأدبي الذي يدخل مباشرة إلى وجداني وطريقة تفكيري، وتستوقفني اللغة الجميلة والمفردات المدهشة، إلى جانب طريقة التعبير المتفردة، وهذا ما يمكنني أن أصفه بصاحب الذوق الرفيع أدبياً، ولا أهتم كثيراً للتصنيفات التي يضعها النقاد، هذا من شأنهم مع كامل احترامي لهم. واستطردت قائلة: وفي اعتقادي أنه كلما ارتقى المتلقي الأساسي للنص بتفكيره، يستطيع أن يكون ذائقة أدبية مختلفة، ويتفق معي الكثيرون في هذا الرأي
اليوم التالي