يا شيخ العرب دي ما المحرية فيك 1

الحمد لله قد بلغ عمري ستين عاماً وليس سنة، وهذا يؤهلني، بكل تأكيد، لأكون شاهد عصر على مجريات الأحداث، على أقل تقدير في منطقتي التي عشت فيها وأعرف حدودها ووديانها وقيزانها، وأحفظ شعرها من الدوبيت والجراري والهسيس، كما أعرف تاريخها وماضيها وحاضرها. والأهم من ذلك كله أنني أعرف رجالها سواء الذين قرأت عنهم أو الذين عاصرتهم من القادة وأصحاب الرأي والحنكة والمروءة، أو من الذين زاملتهم في مراحل الدراسة المختلفة في دميرة الأولية وبارا الوسطى وخور طقت حيث كان يلتقي النوابغ من أبناء جيلي. ومما أذكر، عندما كان عمري دون الخامسة عشرة، أن والدي، عليه الرحمة والمغفرة، قد اصطحبني إلى بارا حيث التقي بناظر عموم دار حامد آنذاك المغفور له الشيخ محمد تمساح سيماوي، وجلسا سوياً في مجلس عامر (حضوره مكايكة) لمناقشة موضوع الشقة بين أهلنا المرامرة والجوامعة في منقطة روراوة، ولا زلت أذكر ما دار من حديث يتسم بالحكمة والروية، وحفظ حقوق الناس حتى الخصوم واحترام مكانتهم وقدرهم. وعلى إثر ذلك المجلس ظل الوضع في تلك الديار هادئاً ردحاً من الزمن نظراً لتدخل الحكماء من كل الأطراف. في ذلك العهد كانت الإدارة الأهلية ذات هيبة وسلطة نافذة تتخذ قرارتها انطلاقاً من اختصاصها الإداري والأهلي مراعية العلائق والصلات بين الناس دون تدخل من أي جهة رسمية كانت أم حزبية، ورحم الله أولئك الرجال العظماء الذين كرسوا جهدهم لحفظ لحمة المجتمع دون انحياز لطرف؛ سيما وأن أمرهم قد كان شورى بينهم. كما عاصرت أيضاً ” ضو القبيلة” العبيد محمد تمساح “وجراب الرأي” صديق التجاني عمر قش، رحمهما الله وأحسن إليهما، وأعلم ما كان بينهما من تنسيق وتعاون في إدارة شأن المنطقة وقضاياها حتى رحلا عن الفانية تاركين ذكرى طيبة؛ فقد كانا يتحليان بالحكمة والفطنة وخبرة واسعة أهلتهما لاتخاذ المواقف المشرّفة التي كان من شأنها الحفاظ على ما ورثاه من وحدة واتفاق. إلا أننا في هذا الزمن المملوخ رأينا كيف تتبدل الأحوال وتنخذل الرجال وتختلط الأمور حتى لا نكاد نميز بين الحق والباطل ويجور بعضنا على بعض في رابعة النهار بلا خجل ولا مراعاة لرحم وصلات تحكمها مواثيق معلومة لا تقبل الالتفاف عبر الأجهزة الرسمية. فهل يا ترى قد حلت علينا لعنة العصر وبالتالي صرنا عرضة للفتنة الماحقة التي لا تبقي ولا تذر، أم هي الأطماع وسوء التقدير وانعدام الحكمة واستعجال النتائج مما يدفع الكبار لمجانبة الصواب والتغاضي عن الخطل وسوء التقدير. ماذا دهانا يا ترى حتى تنحدر بنا الأوضاع إلى درك التخبط وسوء الإدارة وكأننا لا نزال في جهالات العصور المظلمة، لا نعلم شيئاً ولا ندري!! إن ما يجري هذه الأيام من ممارسات مؤسفة في محلية غرب بارا، وما اتخذ من قرارات مجحفة وجائرة ينذر بخطر وشيك وداهم قد ينسف ما ظلت تنعم به المنطقة من استقرار وأمن؛ خاصة وأن الذين يمسكون بخيوط اللعبة لا يبالون البتة من دفع المجتمع المحلي نحو الهاوية طالما أن تلك القرارات تظهر الكبار بمظهر الحاكم القوي والمنتصر الذي ينتفش كالطاؤوس، دون أن تسمح له النشوة بالتفكر والتدبر في مآلات الأمور والأوضاع على كافة الأصعدة. نحن نعلم أن هنالك مؤسسات للدولة يناط بها حفظ الأمن، ولكن أن يحاول بعضنا، وخاصة من هم في موقع القيادة، الالتفاف حول المواثيق والعهود بالاحتماء بمثل هذه الأجهزة، التي يفترض فيها الحياد، لاستصدار قرارات معيبة، فهذا لعمري لا يصب في مصلحة تلك الأجهزة ولا المحلية ولا المجتمع ولا مصلحة من يسعون لاستغلال السلطة ويستقوون بالحاكم ضد مواطنيهم. لقد علمتنا تجربة الحياة كما أشرت أن الحكمة هي أساس الحكم خاصة على المستوي الأهلي، ومن فقدها، أي الحكمة، يصبح غير مؤهل لإدارة شأن أهله وعشيرته لأنه سوف سيوردهم موارد الفتنة والهلاك لا محالة. والغريب أن بعض الإداريين يذعن بكل سهولة نظراً لأن الأمور قد اختلطت فتجد أن أمير القبيلة مثلاً هو رئيس مجلس شورى الحزب الحاكم، وهذا يشير إلى تركيز كل السلطات في يد مجموعة محددة لا ترعى إلا مصالح فئة بعينها. يحدث هذا في وقت تشهد فيه ولاية شمال كردفان مشروعاً للنهضة والتعمير، وكيف ينهض من يقع عليه ظلم ذوي القربى؟ إن القرار الذي صدر عن لجنة الأمن بمحلية غرب بارا بخصوص أراضي منطقة الغبش لهو قرار غير مدروس وتقف وراءه جهات نافذة بحجة فرض هيبة الدولة وما علموا أن أس الحكم هو العدل ورد حقوق الناس وليس الاعتماد على السلطان. ولماذا الاستعجال مع سبق الإصرار، والموضوع لا يزال أمام القضاء. أيها السيد الأمير نحن بيننا وبينك عهود ومواثيق ظل أسلافك يرعونها حتى رحلوا عن الدنيا الفانية فما بالك أنت تتنكر لها الآن وتلتف عليها، وهذه بصراحة (ما المحرية فيك) ونحن لن نقر الظلم بأي حال من الأحوال.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. رحم الله الرجل الخلوق صديق التيجانى عمر قش فقد كان رجلا ولا كل الرجال .. بكاه جميع من عرفه .. اللهم ارحمه واجعله من اصحاب اليمين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..