
يقول فقهاء قانون الطيران أنه في علوم الطيران قبل الاخوان (رايت) لم يكن هنالك شئ صحيح أصلا… وبعد الأخوان (رايت) لم يأت أحد بشئ جديد أصلا… هذا للاحتفاظ للأخوان ( رايت)… أورفيل رايت (1871-1948) و ويلبور رايت (1876-1922) بقصب السبق حيث قاما بصناعة اول طائرة عام 1903م… وتعتبر الطائرة أخطر وأهم اختراع في القرن العشرين ولم يكونا مهندسين ميكانيكيين أو فنيين… ولم يدخلا الجامعة بل كانا عاملين يعملان في اصلاح الدراجات… هذا يعني أن للموهبة دور هام في النبوغ والتميز… بالاضافة طبعا للتعلم …لقد تعلم الاخوين رايت كيف يصنعا الطائرة… وفعلاها… وادارا مشروع صناعة الطائرة بكفاءة وبكل التحديات حتي وصلا في النهاية الي قمة نجاح المشروع.
سقت هذه المقدمة الطويلة لأدلل علي أن الادارة موهبة بجانب أنها علم له أصوله وقواعده بلا شك… وأنه لا يكفي للنجاح في ادارة أي مشروع الحصول علي الشهادات العليا… ولقد تعاقب علي ادارة سودانير لفيف من الحاصلين علي الدراسات العليا وغيرها… الا ان النتيجة كانت تدهور سودانير المريع. وبالتأكيد لا يعني فشل سودانير كان فقط بسبب فشل المدراء اللذين تعاقبوا علي ادارتها بل ان هذا السبب يضاف اليه بالتاكيد اسباب أخري… ومن المؤكد أن للادارة القدح المعلي في نجاح او فشل أي مشروع.
لقد أتي علي سودانير حين من الدهر لم تكن شيئا مذكورا… بعد ان كانت سودانير شيئا مذكورا…. حيث صارت تدار فيه بعقليات – أقول تأدبا وتقديرا لهم – عقليات غير محترفة ولا علاقة لها بعلوم الطيران… ومن كانت له بعض العلائق بعلوم الطيران كان َمكبلا لا يستطيع اتخاذ اي قرار وفقا لقناعاته… وانما كان يسير بالرموت كونترول.
ما اود قوله… هو ان من اهم اسباب تدهور وتدني سودانير – اداراتها المتعاقبة- التي لم تكن ذات فكر اقتصادي وتجاري يكفي لترقية وتطوير الشركة… لقد استمرت سودانير في تسيير العديد من الخطوط الخاسرة كخط الكويت وأثينا وفرانكفورت وعنتيبي ومسقط لمدة طويلة… وكانت هذه المحطات غير قادرة علي دفع نفقات المحطة… حيث كان يتم تحويل رواتب العاملين وايجار المكاتب والسكن وقيمة الوقود ورسوم الهبوط من الخرطوم…
ولقد تم ايجار طائرات بعقود مجحفة حيث كان يتم الاتفاق علي دفع قيمة ايجار لساعة الطيران أكثر من المتعارف عليه في سوق ايجار الطائرات وبشروط لدفع قيمة عدد كبير من ساعات طيران في الشهر حتي ولو لم يبلغ التشغيل عدد ساعات الطيران الفعلية… ولم يكن ذلك فسادا وانما تم بعدم الخبرة الكافية والدراية.
لا شك أن ادارة مشروع كبير ليس كادارة مشروع صغير… وادارة بقالة او مول ليس كادارة مصنع طحنية او مصنع لانتاج طوب البلك… فلكل صناعة خصائصها وأصولها وسوقها… ولم تأت مقولة دع الخبز لخبازه ولو يأكل نصفه من فراغ… وانما… ان لم تفعل ذلك فلن تحصل علي النصف الاخر.
لقد فشل الطاقم الذي كان مسئولا عن ادارة سودانير – بعد العهد الذي أطلق عليه العهد الذهبي – فشل في ادارة الشركة بطريقة علمية مما ادي الي تدهور أسطولها ونقص عدد طائراتها وبالتالي تحقيق خسائر جمة… ان الأثيوبية حققت نجاحا بفضل ادارتها…وكذا المصرية… وهذه شركات دول تشبهنا في – اقتصاديات الفقر – لحد كبير… ووضعت ادارة هاتين الشركتين برنامجا لتحديث الاسطول وتطويره… وقد يقول قائل ان العوامل السياسية كالحظر الامريكي والاوروبي أقعدا سودانير عن استجلاب الطائرات… وهذا مردود عليه بأن شركات صغيرة تعمل تحت وطأة نفس الظروف كشركة (تاركو) و شركة (بدر) حققتا بعض النجاح واستجلبتا الطائرات الحديثة رغم الحظر والحصار… وما ذلك الا باتباع أسلوب الادارة الحديثة.
لقد فشلت ادارات سودانير المتعاقبة في الحفاظ علي… وتطوير العنصر البشري -العاملين – حيث استغنت الشركة – او استغني الكثير منهم عن الشركة – لضعف الرواتب واستحوذت علي كل تلك الخبرات التي صرفت سودانير في تدريبها وتأهيلها الكثير استحوذت عليها الشركات الخاصة دون عناء… فكان يمكن لسودانير ان تنتدب بعض العاملين للشركات الاخري وتستثمر في هذا المجال وفق التعريف الوارد في قانون العمل للانتداب… وبذا تحافظ علي كوادرها وتضمن لهم معيشة كريمة لم تستطع هي توفيرها لهم.
لم تنتهج ادارات سودانير المتعاقبة نهج تنويع مصادر ايراداتها… فكانت تنتظر فقط عائد مبيعات التذاكر… ثم انعدم العائد من البضائع لعدم توفر الماعون – طائرة البضائع او الفراغات في طائرات الركاب- ولقد كان بالامكان التوسع في الاستثمار في المناولة الأرضية وتموين الطائرات والعقارات… ولقد فرطت ادارت سودانير في الاراضي المملوكة للشركة كجزء كبير من مساحة مركز التدريب بالخرطوم شارع البلدية وأرض نادي سودانير بالقرب من رئاسة شركة كنانة بشارع عبيد ختم… ولقد عرض علي سودانير ايام كانت تستأجر لرئاستها مبني مؤسسة التنمية السودانية ش17 العمارات… عرض عليها شراء مبني فندق السودان بموقعه ومبانيه الحالية بشارع النيل بالخرطوم بمبلغ زهيد… الا ان الادارة لم تكن تمتلك بعد النظر الكافي ولا العقلية الاستثمارية ولا الحنكة الادارية. -التي يتمتع بها أي سمسار – … والان تمتلك الشركة مساحة لا يستهان بها وموقع متميز ومبني من اربعة طوابق في تقاطع المشتل ش عبيد ختم… كان بالامكان الاستفادة من الاستثمار في الممتلكات العقارية بمشاريع يعمل فيها فائض العمالة الذي يستغني عنه من اعمال الطيران بدلا عن تشريدهم… وفي نفس الوقت الحصول علي ايرادات تسهم في تغطية الفصل الاول والمساهمة في زيادة رواتب العاملين…علي سبيل المثال موقف السيارات ال parking يصلح كصالة للمناسبات… وانظر هنا بعين التقدير لما تحققه استثمارات القوات النظامية والمشاريع الناجحة التي تمتلكها وتديرها بكل حنكة… كمجموعة جياد الصناعية وجياد لصناعة السيارات… وشركة زادنا… والصافات وغيرها… وغيرها… حيث تساعد هذه الاستثمارات في زيادة دخل القوات النظامية وتوظيف العائد في سد النقص من احتياجاتها وتحسين معيشة منسوبيها في شكل مساعدتهم في تملك المساكن والعربات بالتقسيط المريح… لا شك ان هذا فكر اداري مطلوب.
وقد يقول قائل ان سياسات الحكومة كان لها أثر في تدهور سودانير… ولا شك في هذا… وانما هنا اتحدث عن الادارة… وسنفصل في دور الحكومات المتعاقبة عندما يأتي الحديث في هذه النقطة لاحقا.
لقد خصصت هذا المقال لتفصيل النقطة الاولي من نقاط الخلل في سودانير (الادارة) وفي المقالات القادمات باذن الله نتحدث عن بقية النقاط.
– ونواصل –
د. فتح الرحمن عبد المجيد الامين
دكتوراة في القانون الدولي العاَم
تخصص قانون الطيران
fathelrahmanabdelmageed720@gma



