مأزق الأحزاب و ضرورة ممارسة نقد الذات

تواجه الأحزاب السودانية بشكل عام أزمة ظاهرة تكاد تصبح مأزقا لا مخرج منه, إذ إن الأحزاب السودانية في مجملها أصبحت تعاني أزمة “قيادة” و أزمة القيادة هذه نعني بها أن هنالك أزمة داخل هياكلها التنظيمة و المؤسسية لدرجة أنه أصبح من الصعوبة بمكان أن تطرح هذه الأحزاب داخل أروقتها شخصيات قيادية تتوافق عليها منظوماتها الحزبية الداخلية بين أعضاء الحزب الواحد بسبب عدم دمقرطة مؤسساتها و هياكلها الحزبية, أو بعبارة أخرى وجود صراع داخلي متباين بين تيارات في داخل المؤسسة الحزبية نفسها لصالح فئة دون الأخرى.

و لعل أزمة القيادة هذه تتجسد في عدم قدرة الأحزاب السودانية على إنتاج قيادات بديلة لقيادتها الحالية على الرغم من أن معظم هذه الأحزاب قد نشأ قبل عقود من الزمان, و لكن في الوقت نفسه ارتبطت تلك الأحزاب بشخصيات تاريخية ارتبط اسمها في الوعي الجماهيري بأسماء قياداتها أكثر من اسم الحزب أو أديلوجيته.

و لعل البحث في أزمة “قيادة” العمل السياسي في السودان تعد من أكثر المسائل صعوبة , من حيث كونها أزمة ذات أبعاد و مستويات عديدة, تدخل فيها و تنكشف من خلالها معظم أزمات المجتمع .

فالعوامل الموضوعية المتكونة تاريخيا و الآخذه في التكوين على صعيد الواقع السياسي بشكل عام , أفقد هذه الأحزاب دينيماكية التطور و الحراك داخل مؤسساتها الحزبية على اختلاف انتمائها و حجمها و تاريخها السياسي.

فإذا ما أخذنا على سبيل المثال لا الحصر, واقع بعض الأحزاب السودانية من حيث تنظيمها و بعدها التاريخي من حيث النشأة, مثل (الأمة و الاتحادي و الشيوعي) فإننا نجد أن القيادات التي ارتبطت بتلك الأحزاب هي نفسها الوجوه التي تعتبر نخبته و المنبثقة عن الشرعية التاريخية للتكوين الحزبي نفسه, من دون فتح الباب أمام فعاليات أخرى أو حتى شابة لتحتل مواقع قيادية داخل تلك الأحزاب , من أجل المساهمة في تفعيل و تحريك العمل الحزبي , و المؤسف أن هذه الأزمة لازمت حتى الأحزاب التي تحسب على التيار الديمقراطي.

و نتيجة لذلك فقد أصبح عدد من هذه الأحزاب مجرد مؤسسات منغلقة تغيب فيها مظاهر الشفافية و الممارسة الديمقراطية المطلوبة داخل نفسها , الأمر الذي انعكس كظاهرة أصبحت تعيشها بعض هذه الأحزاب و التي لم تستطع تطوير أدئها , بل إن بعضها ظلت تعيش ثمة أزمة مؤسسية على مستوى تدبير اختلافاتها الداخلية و بلورة وظائفها الاجتماعية و السياسية و التربوية المناط بها تعزيز و توطيد دعائم الشكل الحديث للدولة السودانية.

و نتيجة لتلك العوامل فقد أدى ذلك لاحقا إلى بروز ظاهرة الانشقاقات داخل بعض الأحزاب و التي أدت إلى استنساخ العديد من الأحزاب التي تحمل في بعض صورها اسم الحزب الأصل الذي انسلخت منه.

و ربما نذهب في تفسير هذه الظاهرة إلى اختزال المشهد برمته في عدم القدرة على إدراة المشهد الداخلي للحزب بشكل ديمقراطي , الأمر الذي أدى إلى تنامي ظاهرة الخروج عن الحزب الأصل, و التي لم يسلم منها العديد من الأحزاب و لم يشفع لها تاريخها الطويل في ممارسة العمل السياسي للحد من هذه الظاهرة . بيد أن هذا الجو العام لم يتوقف عند جدران الأحزاب فقط , بل امتد حتى ليطال الحركات المسلحة التي أصبحت هي الأخرى تنقسم في ذاتها إلى العديد من الحركات.

ويمكن القول إن ما يحدث اليوم في واقع الأحزاب السودانية على اختلافها ليس واقعا حتميا , بل من الممكن خلق ظروف و أوضاع أكثر توازنا في داخلها، بحيث تستطيع الحركة السياسية في داخل المؤسسة الحزبية القيام بدور فاعل إذا ما تمت مراجعة و تقيم تجربتها. فليس هناك ثمة بديل آخر سوى قيام هذه الأحزاب بمراجعة نقدية سليمة و متأنية .

فأزمة القيادة التي تحدثنا عنها ما هي إلا وجه يكشف في حقيقة الأمر عن أزمة خفية و هي أن المنظومة الحزبية تفتقد الشفافية داخل الحزب مما يؤدي إلى أن تصبح مجموعة صغيرة من القيادات ـ أو في كثير من الأحيان شخص واحد (الرئيس أو الأمين العام) ـ تسيطر على مقدرات الحزب . فضلا عن ذلك فإن هناك جانب خفي من الأزمة يكشف عن عدم إعطاء دور فاعل لمفهوم النقد و النقد الذاتي في تقويم التجربة الحزبية نفسها , فما يقدمه النقد الذاتي من نتائج سوف ينعكس بالضرورة على تفعيل الديمقراطية نفسها داخل الأحزاب , انطلاقا من فكرة أن النقد الذاتي هو الذي يتيح ثقافة الاختلاف و فوق ذلك احتضان مختلف الاتجاهات الفكرية داخل المنظومة الحزبية مما يسمح بتصويب أوضاعها نحو أفق أكثر ديمقراطية. لذلك لا بد من إيجاد آليات حقيقة و أدوات حديثة كي يأخذ النقد دوره في رسم صورة الحزب أمام مؤسساته و قواعده و أمام الجماهير , فاعتماد الديمقراطية كأسلوب في داخلها يفرض الاعتراف بالتباين و الاختلاف بين أعضاء الحزب الواحد و يخلق ثمة تماسك في داخلها يؤدي إلى خلق ديناميكية مؤسسية و إلى تطوير بنية الحزب من خلال تلاشي اللامركزية و انتشار صنع القرار الذي يتيح خلق قيادة متجددة و واعية قادرة على رتق نسيج المؤسسة الحزبية, و من ثم قادرة على خلق برامج تهدف إلى توحيد المجتمع الذي يعاني تمزيقا أفقيا بإثنياته المتعددة و تشققا عموديا بطبقاته المتناحرة , التي ما هي إلا انعكاس لصورة المشهد الحزبي العام في إطارها الذي تتخطفه الشلليات داخل المنظومة الحزبية فتعمق أزمة الحزب و تهتك نسيجه , مما انعكس على الواقع بشكل أو بأخر .

خلاصة القول إن تعزيز آليات الديمقراطية داخل التكوين الحزبي سوف يساعد الأحزاب على المحافظة على تكوينها من رياح التشرذم و الانسلاخ, و من ثم القيام بأداء دورها المؤسسي في أبعاده الفكرية و السياسية و التنظيمية من جهة, و دورها كمؤسسات تعمل على تنشيط الحركة السياسية و الثقافية في المجتمع , و ترميم حالة الإحباط التي أصابت الشارع العام و فقدان الثقة من كل هذه الأحزاب من جهة أخرى

أبوبكر عثمان الطيب
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. الأستاذ /أبوبكر عثمان الطيب تحياتي كما تعلم إن الحزب لا يمكن أن يكون ملك لأسرة بعينها ورئيسها يأتي بالوراثة ومن نفس الأسرة وللأبد؟؟؟ والحزب بمعني كلمة حزب رئيسه يمكن أن ينتقد ويصحح ويسائل ويقال ؟؟؟ فهل يستطيع أرجل راجل في طائفة الأنصار التجرأ وإنتقاد سيده والسيد ولد سيد ليطاع بالإشارة حتي ؟؟؟ ونفس السيناريو ينطبق علي طائفة الميرغنية وسيدها السعودي الأصل القادم من منطقة القسيم والذي دخل السودان ممسكاً بلجام حصان كتشنر ؟؟؟ والذي يتجرأ علي سيده يطرد من الحزب إن لم ينكل به لأنه زنديق كافر خارج عن الملة ؟؟؟ والحقيقة المرة هذه طوائف دينية متاجرة بالدين كونها ورعاها الإستعمار لتساعده في حكم السودان مع الإدارة الأهلية بدل أن يكتوي الإنجليز ويتعذبوا بحررة السودان فأجادوا الدور بكل تفاني وإخلاص وفي المقابل كوفئوا ليصبحوا أغني أسرتين في السودان علي الإطلاق ؟؟؟ والمراغنة تمددت إمبراطوريتهم لتصل مصر حيث عقاراتهم المهولة وقصورهم ومستشفاهم الخاص بالإسكندرية ومصانعهم( الشبراويشي ) لريحة السيد علي وريحة بنت السودان وهلم جر ؟؟؟ والميرغني زعيم طائفة الختمية مقيم شبه دائم بمصر ويأتي الي السودان فقط لجمع الندور والمحاصيل التي يتكرم بها أهلنا الطيبين بشرق وشمال السودان المغيبين دينياً وكذلك جمع أرباحه من بنكه الخاص وإستلام ما يجود به الأسد النتر ورقص وهلم جر؟؟؟ هذه الطوائف الدينية مصلحتها الحقيقية تكمن في تخلف جماهيرها وجوعهم حتي ينصاعوا اليهم وينحنوا ليقبلوا أياديهم ويخدمونهم في مزارعهم وقصورهم دون أجر أو حقوق في صورة فجة من صور العبودية في القرن 21 ؟؟؟ وهذه هي الحقيقة المرة التي لا تعجب الكثيرين ؟؟؟ ولن ينصلح حال السودان الا إذا أدرك شبابنا هذه الحقيقة ؟؟؟
    إن مهزلة الأحزاب بالسودان توضحها شلل الصوالين الخرطومية والطلاب الدارسين في مصر ( الناصريين) والبعثيين خريجي سوريا والعراق والممولين منهم الذين يسمون حزبهم بطريقة عنصرية (حزب البعث العربي) في بلد يتشكل شعبها من عشرات العناصر والقبائل ؟؟؟ بهذا الإسم أنهم يعزلون كل من ينحدر من أصول غير عربية ؟؟؟ السودان الآن به أكثر 86 حزب مسجل وأكثر من ذلك أحزاب غير مسجلة ؟؟؟ وكل يوم يظهر حزب جديد و يكون أولاد كل فريق أو دفعة حزب بإسم جديد ؟؟؟ هل يعقل أن يكون بالسودان أكثر من 86 حزب وشلل مسجلة وأكثر من ذلك غير مسجلة ؟؟؟ فإذا إفترضنا أن تعداد السودن بعد إنفصال الجنوب وقتل عدد مقدر من أبناء الغرب الطيبين المأسوف عليهم بواسطة مجرم الحرب البشير حوالي 25 مليون نسمة وجزء كبير منهم حي كالميت لا يستطيع الوقوف حتي بفعل الجوع والمرض ؟؟؟ واذا قدرنا أن بالسودان حوالي 250 حزب وشلة مسجلة وغير مسجلة فهذا يعني أن كل 100 الف سوداني له حزب !!! أميركا بجلالة قدرها لها حزبين وبريطانيا لها 3 أحزاب والصين التي تمثل ثلث سكان العالم بها حزب واحد وكان الله يحب المحسنين أن هذا التشتت والتشرزم هو سبب بقاء البلهاء واللصوص في الحكم الي يوم يبعثون ؟؟؟ والثورة في الطريق لكنس تجار الدين الجدد الكيزان اللصوص القتلة مغتصبي الرجال والنساء والأطفال وحلفائهم تجار الدين القدامي الكهنوتية الأسياد قاتلهم الله ؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..