السودان حالة خاصه

كثيرا ما نقرأ ونسمع عن التعايش السلمي كلمات سهلة النطق والترديد نستخدمها لكن ماهي كيفية التطبيق حتى يكون واقعاً ملموسا ، اسلوبا في حياتنا ، وأسس انطلاق للسلوك والتعامل الحضاري بيننا.
بداية ننوِه إن هذا المقال يندرج تحت ما بدأنا في تفعيله من الحوار المجتمعي – ويعني ذلك تحييد النظام الحاكم ومؤثراته الوقتية وإن عظمت للدفع بثوابتنا القديمة الموروثة عبر التاريخ (المحبة والتسامح) والعمل على تصحيح ، استبدال وتغيير الكثير من السلبيات التي حادت بالمجتمع عن جادة الطريق مما جعله لا يتقوقع في خانته فحسب بل تراجع للأسوأ رغما عن ما لحق بالمجتمعات من حولنا من تطور ملحوظ.
يستند حوارنا المجتمعي على
1/ احترام المكوّن المجتمعي الوطني بتعدده وإختلافه على أساس الواقع الذي يكوّن الأسرة الواحدة والمكونة من عدة أفراد.
2/ الإنفتاح على الآخر والتقبل إحتراما وتثبيتا للتعددية الموجودة كواقع والتخلص من سالب المفاهيم ومنع الإقصاء
3/ الإقرار بأن كل مجتمع وإن تكاملت تطبيقاته لا يخلو من ترتيبات وتصنيفات للبشر وهو ما يسمىب The life style
لا يخفى على اية مواطن أو زائر لبلادنا تعدد ألواننا وإختلاف صورنا في كل بقعة من أرضنا قد نختلف في ذلك عن الكثير من الدول التي يتشابه المكون المجتمعي فيها. و يعني ذلك أننا من الدول التى ينبغي أن تنتهج وتفعِّل التفعيل المناسب للتعددية.
للأسف حتى الآن نحن نبتعد كثيرا عن ما ينبغي أن نكون عليه سواءا كان على المستوى الإجتماعي أو السياسي. نتناول الجانب الإجتماعى كحاجة ملحة لربط النسيج المجتمعي الذي بدوره سوف يسهم اسهاما فاعلا في التقارب والتوافق السياسي.
لا شك أن المواطن يحتاج للمواطن الآخر فلكل منّا موقع ودور في مجتمعهِ ثابت ، مؤقت ، أو نتيجةً لظروف ما هو قائم به فالعامل في حوجة للطبيب والطبيب بدورة يحتاج للجزار ولبائع الخضار وهم في حاجة سائق الشاحنة وهكذا المنوال..
لا يعتبر الأنسان وضيعاً نسبة الى مهنته ، كذلك ليس ذليلا في سعيه لكسب قوته. فالنظرة الدونية والتعامل بناءا عليها أمر مرفوض فلا ذل ولا إذلال لا غطرسةٍ أو تسيّد استنادا لنوع المهنة. كذلك في حال التعرف علي المنطقة أو القبيلة التي أتى منها شخص ما فلا ينبغي تصنيفه مسبقا بناءا على خلفية أفكارنا التصنيفية التأويلية التقييمية أفتراضاّ جزافا وفق مفهوم عام يلصق على الكل ممن هو على نفس موصوفاته وهو ما يسمى ب The prejudice علينا الحذر من التعميم ومثال ذلك إيجاد معاني وتفسيرات لسلوك قام به شخص فيفسّر نسبه لقبيلته أو منطقته ( حلفاوي أو غرباوي أو هدندوي الخ..). إن إستحسان او ذم السلوك أمر مقبول لكن الغير مقبول هو التحامل التعميمي.
تحسين الشق الأول الخاص بالتقبل إستنادا لقول الحق سبحانه وتعالى( ما خَلقُكم ولا بعثگُم إلا كنفسٍ واحِدة. صدق الله العظيم )
وإلى حديث رسولنا الكريم محمد (ص) (لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا أحمر لى أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى).
المحاباة أمر بغيض مذموم مهما كان وهو ما يعرف ب The Bias Behavior توجيه الأيذاء الفعلي أو اللفظي سواءا كان بطريقة مباشرة او ضمنية لجنس او لون ما أو ديانة ما متحدثي لغة ما أو لأي فئة يجمعها عامل ما ويشيع ذلك عندنا بما يسمى السخرية والإستهزاء لأي مما سبق
تحسين نظرتنا ومفهومنا يلعب الدور الأكبر في تحديد كيفية تعاملنا مع الآخر بتقبل وإنفتاح والذي بموجبه نتيح الفرصة للتعرف أكثر على الآخر فيحدث أن تجد متعلما أو تقيا أو موهوبا أو مظلوماً أو تكتشف مجرما فالإنفتاح هو شرط الإكتشاف والتقارب.
اللطف والذوق وانتقاء عبارات التخاطب بين الناس من الاهمية بمكان خاصةً في الأماكن العامة وهي بمثابة عنوان للشخص فمن لا يعرفك يفسر ما يراه من تصرّف وما يسمعه من كلمات
ضرورة ان ندرك أن الإكتظاظ المتنامي لأعداد البشر في المدن منسوب لظروف موضوعية تتعلق بالنزاعات، الحروب، شُح الموارد، فقدان فرص العمل، والحاجة للتعليم والعلاج والتوق للحياة في بيئة افضل الخ.. فالنازحين والمهجرين هم ضيوف أهل البلد إن كانوا من السودان أو خارجة وجبت العناية والمساعدة قدر المستطاع
وعلى ذات الصياغ أن يدرك المرتحل أنه يتحدى الصعاب المتمثلة في الأصتدام بواقع جديد يجب التهيؤ والإستعداد لتقبلهُ والتعايش فيه. فهذه ليست مدينته التي إعتاد على العيش فيها . فمشاهدة التباين في المستوى المعيشي ، السكني والتعليمي ينبغي أن يكون مقبولا ينسب لعوامله وليس مرفوضا يحزن النفس ويعوق تقدمها.
التفاوت الطبقي أمر واقعي في كل البلدان والمجتمعات كذلك الوظائف المرموقة والوضيعة وهنالك النخب والعاميين. فلن ندعي ان السودان دولة من الدول الإشتراكية التي إندثر عهدها ليحل بديلا عنها ما نراه في عالمنا اليوم كالفردية والرأسمالية.
هنا تحوّل كبير يصعب على مجتمع كمجتمعنا تقبلهُ لفقدان مقوماته وهو الإنتقال إلىما يسمى individualism society
حيث السعي فيه بمجهودات ذاتية والنجاح فيه ينسب لمكتسبه والمعاناة تعرقل صاحبها فالسيرة ذاتية والآمال شخصية والفرد كيانا مستقلا معترف به
ففيه تحفيز للفرد للكفاح وإثبات الذات عبر إجتياز لمراحل التحديات واحدة تلو الأخري إنه اسلوب عالمنا الجديد هو الثقافة الإجتماعية في الكثير من الدول المتقدمة كامريكا وألمانيا وغيرهما من الدول.
في الجانب الآخر ما زال هناك النموذج القديم the collectivism dociety وهم أهل التواكل الجماعي حيث جل الأهتمام بالجماعات وحاجياتها والفرد ليس بالأهمية
وتكمن أهمية الفرد في مدى تواصله وتقبله في المجموعة.و من سمات هذا المجتمع أيضا العمل الجماعي ومساندة بعضهم البعض كأمر حيوي ، كذلك العمل على تحقيق ما هو أفضل للمجتمع والإمتياز هنا لمن يلبى إحتياجات الآخرين بصورة أفضل.
لا هنا ولا هناك نحن فالتطور الأجتماعي السياسي والإقتصادي الذي مهّد لظهور الفردية في الغرب لم يحدث في بقية الدول الأخرى ومن ضمنها السودان.
ترهل الروح القومية ، غياب الرعاية والدعم والخدمات الحكومية ينمي الحاجة للإنتماء القبلي والجهوي القديم ككيانات تريد الإعتماد على نفسها ، تتماسك للبقاء وترعى شئون بنيها. فالعلاقة جدلية فتوفير الدولة لمؤسسات ترعى شئون مواطنيها يضعف الإنتماء القبلي ويدعم الإنتماء الوجداني للدولة والعكس
الإنتماء القبلي والجهوي نفسهُ أصبح مهشماً. الإلتقاء والتوافق على الزعامات أضحى مستحيلا.
تفاوت وتباين وتأرجح ديدن الافراد بين كل هذه الأطروحات فنجد الفرديين ونجد القوميين وكذلك نجد القبليين (أنصار القبلية) ونجد الجهويين (دعاة المناطقية) كل ذلك وجد له مكان في وطننا السودان مما يستوجب أن ننظر له كحالة خاصة جداً.
هذه الخصوصية تبدو ملامحها الإختلاف والتباين ولكن.. يبقى جوهرها أننا نجتمع في وطن
خالد حسن
[email][email protected][/email]