ثورة أبريل.. من الذين سرقوا الشمس «2»

في كل أبريل أعقد العزم على أن تكون مقالتي واحدة إحياء للذكرى واجتراراً للذكريات، وفي كل مرة لا تكتفي أبريل بمقالة واحدة وإنما تتانسل مثنى وثلاث وربما رُباع، وميزان العدل لا يختل أبداً. وأبدأ هذه المقالة بالاعتذار للنطاسي البارع الدكتور شاكر زين العابدين إبراهيم، الذي ورد اسمه في مقالة السبت قبل الماضي «شاكر زين النحاس» وهو خطأ ظل يرافقني منذ فترة طويلة، ولعلها احدى عاداتي السيئة فما ينطبع في ذهني لا يفارقني بعدها، فالمطبوع هو اختصاصي النساء الراحل الهادي الزين النحاس يرحمه الله، وسبب ذلك أننا كنا نطالع اسمه على القسم المسمى باسمه في مستشفى بحرى عندما كنا نأتي من الأرياف للعلاج رحم الله وقتاً كانت فيه المستشفيات تقدم خدمة تُشد لها الرحال. فالعتبى لك د. شاكر زين العابدين، والشكر لدكتور صابر عابدين لتنبيهي لذلك على صفحتي بالفيسبوك.. وتحضرني هنا طُرفة أذكّر د. شاكر بها، ففي إحدى زياراتي المتكررة له في منزله وقتها في حي الأملاك بالخرطوم بحري لتنظيم العمل، أملاني رقم هاتف المنزل، وكانت وقتها كل الهواتف بالخرطوم خمسة أرقام فقط وبحري تبدأ بالرقم ثلاثة، فكتبت الرقم على طريقة الجمع الحسابية، الثلاثة أرقام الأولى في الأعلى واثنين في الأسفل ثم كتبت حاصل جمع الأعداد، وذلك كإجراء تأميني في حالة وقعت الورقة في يد الأمن نسبة لاعتقالاتي المتكررة فلا تثير شبهة وتعرض صاحب الرقم للمساءلة، فعلق د. شاكر قائلاً ما مفاده نحن في الواقع نعلم الطلاب ولكن يجب أحياناً أن نتعلم منهم. ومن حسن تصاريف القدر أن يوجد بالبلاد هذه الأيام الدكتور أحمد عثمان سراج رصيف د. شاكر في النقابة الفرعية لأساتذة كلية الطب، وقد لعب دوراً محورياً وأساسياً في العمل السياسي وإنجاح إضراب الأطباء الشهير وقتها هو وزملاؤه د. أحمد التيجاني الطاهر، د. خالد شاع الدين «انتو آيه حكاية كردفان دي .. دا من الأبيض ودا من أم روابة»، وربما نأخذ عليه دوره بحجة الإبقاء على الدكتور الجزولي دفع الله من أجل إنجاح الإضراب فلا يحدث انشقاق، فكانت النتيجة أن دُفع به إلى رئاسة حكومة الانتفاضة، وهي مرحلة مع جديرة بالاحترام لدكتور الجزولي وتحتاح إلى من هو أكثر دِربة، والنتيجة تصفية شعارات الانتفاضة، وهنا أود لو يكتب شهود العيان بطريقة سردية للأحداث وبترتيبها الزمني حتى نؤرخ لهذا الحدث الوطني المهم، فقد أكون مخطئاً في هذا التحليل، وهناك حتماً من يخالفني الرأي، ومن ثم نشخّص لما لم يصل إلى غاياته ونؤمن للثورة القادمة فلا تُسرق أو تجهض. ود. أحمد سراج فقدت البلاد بسفره سياسياً نابها ووطنياً غيوراً، وكان هو الأولى في رأيي بموقع الجزولي دفع الله في رئاسة حكومة أبريل، ولربما سارت الأمور بشكل مختلف «د. سراج أكن له محبة خاصة فقد درسني مادة الجانب الطبي من علم النفس السريري (clinical psychology) وأشرف على تدريبنا في قسم العصبية بمستشفى الخرطوم، وهذا فقد آخر للبلاد ولجامعة الخرطوم ولمستشفى الخرطوم لا يعوض بثمن» خاصة وهو من رواد أدبيات «أطباء بلا عيادات خاصة» على نهج أساتذته بروفيسور داؤود مصطفى وبروفيسور طه بعشر! كم هي بائسة تلك البلاد التي يضطر فيها أمثال هؤلاء لارتياد المنافي، مرحباً بك د. أحمد بين أهلك وطلابك وأحبائك.
أثارت قضية دور العمال في أبريل وفكرة المبادرة بتكوين التجمع النقابي ثم السعي المنظم للاتصال بالنقابات المهنية للترتيب لها، وكما جاء سالفاً أنهم بدأوا بنقابة أساتذة جامعة الخرطوم، أثار هذا اهتمام الكثيرين، ووصلت العديد من التعليقات، وهذا يؤكد تجديد الدعوة لشهود العيان إلى الكتابة السردية للأحداث حبذا لو كانت مقرونة بالشواهد والمواقف، خاصة أن شهود الحدث مازال معظمهم على قيد الحياة، متع الله الجميع بالصحة والعافية والذاكرة الصاحية لأجل الأجيال القادمة ولأجل التاريخ، فهناك أكثر من محاولة، ولعل بعضها متعمّد للتركيز على غياب دور العمال في انتفاضة أبريل، والصحيح دور تغييب العمال في إجهاض انتفاضة أبريل، وقد وصلت العديد من الأفكار كتنظيم ندوة يتحدث فيها عدد من الذين شاركوا في صناعة الحدث، أو ورشة عمل أو مؤتمر.. والباب يبقى مفتوحاً للأفكار مصحوبة بجهد التنفيذ، وبالنسبة لي سأسعى لإنتاج مسلسل درامي يجسد شخصيات هؤلاء ولو بالعون الذاتي إن لم نجد منتجاً.
وورد سؤال ضمن التعليقات عن علاقتي بالعمال، إذ يبدو الأمر غريباً أن تكون لخريج حديث هذه الصلات الواسعة مع العمال، والإجابة ربما تخص طلاب مؤتمر الطلاب المستقلين قبل غيرهم، والفكرة إجمالاً وبعد التخرج ينتفي الانتماء لمؤتمر الطلاب المستقلين لانتهاء المرحلة الطلابية تحقيقاً للمبدأ الذي قامت عليه فكرة تكوين حركة للمستقلين تكون فيها الإرادة للطلاب دون غيرهم، ويتهم المستقلون في ذلك الوقت أن كل التنظيمات السياسية مهما ادعت من استقلالية طلابية فهي تخضع بالكامل لإرادة الحزب خارج الجامعة، وكثيراً ما يزجون الحركة الطلابية في أجندة غير طلابية وغير وطنية بالإجماع، وكانت الرؤية أن تنتقل حركة المستقلين فوراً إلى الشارع مع أول دفعة خريجين، وأن تنتفي صلتهم بتنظيم الجامعة إلا في إطار تواصل الأجيال، وأن يبدأ تكون مؤتمر المهندسين المستقلين والزراعيين والبياطرة والمهنيين في التخصصات المختلفة، وبالطبع هذه الفئات بها عدد كبير من غير المنظمين يكمن أن يلتفوا حول الفكرة كما التف حولها الطلاب في جامعة الخرطوم أول الأمر وقلبت الموازين في الحركة الطلابية.. ولكن كانت تواجهنا مشكلة العمال والمزارعين والفئات التي لم تكمل التعليم الجامعي بالتالي لم يتسن لها الانضمام إلى المؤتمر، وفئات المجتمع الأخرى.. واخترت أنا العمل وسط العمال بوصفهم الفصيل الأقرب والأكثر تأثيراً، لجهة أنني تقلدت موقعاً جعلني معروفاً إضافة إلى الذين رافقناهم من العمال في المعتقلات والإضرابات، أما كيف كان المدخل فللشهيد حسين الهندي والأستاذ علي محمود حسنين والأستاذ الأمين محمود جميل في ذلك الدور، وقد أورد الأخير بعض تفاصيل ذلك في كتابه المهم «أعوام مع الشريف»، ومن هنا كان المدخل للعمال والعمل السري معهم لتكوين التجمع النقابي، وهذا تحديداً كان في عام 1980م في وقت ودون التقليل من دور أحد، لم يسمع الناس فيه بالمهندس عوض الكريم محمد أحمد ولا الدكتور الجزولي كناشطين، لكن الأقدار ذهبت بمؤتمر الطلاب المستقلين بعد الانتفاضة مذاهب شتى، وانتهى أمره ذراعاً لحزب في الخارج كغيره من التنظيمات السياسية التي كان يتهكم عليها ويرفض فكرتها، مع جدير التقدير للجهد المبذول وإن اختلفنا معه، وهذا مبحث ينبغي العودة إليه تفصيلاً.
كما أن النجاح آباؤه كُثر ويعاني الفشل دائماً من اليُتم، فقد كثر مدعو أبريل، والبعض تقمص دور البطل وأصبح يتحدث بغطرسة لمجرد وضعه لجنة من لجان الاتصال، وهناك فكرة بدأ الترويج لها، وهي أن أبريل صناعة إسلامية، وهذا التحليل موضوعي في غياب المعلومات، ولكنه لا يصمد أمام الوقائع وتداعيات الأحداث، أولاً لضيق المسافة بعد خروج الاتجاه الإسلامي بقيادة الترابي من سلطة مايو بضعة أسابيع، ولا يمكن أن يصنع تنظيم ما ثورة يسقط بها نظاماً مهما أوتي من القدرات، ثانياً سلوك الإسلاميين أنفسهم بعد سقوط النميري كان بادي الارتباك ابتداءً من المجموعة الشبابية التي قادها على عثمان محمد طه وذهب بها إلى المجلس العسكري ليقول لهم نحن هنا هذا السلوك لا يستقيم مع مدبر العمل، وكان يمكن أن يتبعوا سيناريو «رئيساً وحبيساً» ثم الإرهاب الفكري الذي مارسوه على المجلس العسكري لعدم المساس بقوانين سبتمبر بأن من سيلغي الشريعة يكون إسلامه على المحك ويخسر الآخرة، وكثرت عبارة «خليك من أي شيء.. إنتَ كمسلم ممكن تعمل كذا» وفعلت هذه العبارة فعل السحر في سوار الدهب والذين معه من ذوي القناعات الهشة، وأبقت على شعاراتهم وصفّت شعارات الانتفاضة، وكانت ثالثة الأثافي عندما تولى عمر عبد العاطي منصب النائب العام.. ولكن يمكن القول أن خروج الإسلاميين من مايو جعل النميري مكشوفاً وسهل سقوطه، ولما كنت مسيرة الأربعاء الهزيلة التي سموها مسيرة الردع بقيادة خالد حسن عباس بذلكم الضعف، أما ولو نفذ الإضراب السياسي كما خطط له «عمال+ موظفون ومهنيون» لما صمد النظام ساعة واحدة، ولما تدخل الجيش وجاء سوار الدهب ونظامه الذي لا طعم له ولا رائحة.. ابحثوا عن عبد العزيز دفع الله ليخبرنا ماذا حدث وكيف حدث ولماذا حدث؟ يمكن القول إن الإسلاميين سقطت الانتفاضة في يدهم كثمرة ناضجة لم يحسن زارعوها حصادها تحقيقاً للقول المنسوب لأحد الفلاسفة «إن الثورات ينفذها الفدائيون ويستغلها الانتهازيون»، وقد كانوا انتهازيين بامتياز وليسوا وحدهم، وهذا سنعود إليه إن شاء الله إن كان في الأجل فسحة.
الصحافة
انتفاضة مارس ابريل انتفاضة تدليس من بعض الاحزاب ( بمعنى ان تنتفض النقابات والطلاب والضلع الاساى الشعب لمطامع خاصة لاحزاب بعينها ) … ولكن صادفت زمناً حلواً فقط .. وحكمتنا العمائم والجلابيب الى يومنا هذا … نحن فى غثيان من انتفاضة مارس ابريل ولم نبارح الفراش الابيض .
ولا زلنا حتى بعد ثورة ديسمبر