عام..بلا “زين”

لم أذهب للقاهرة بعد الثورة، كنت فيها حتى قبل الثورة بأسبوعين، ثم حدث فيها ما حدث. لكن لا أفكر الآن في القاهرة التي سأذهب إليها بعد أيام، كيف صارت بعد الثورة، بل أفكر في كيف هي القاهرة من دون “زين”؟
عام مضى على رحيل صديقنا وزميلنا زين العابدين أحمد محمد، غادرنا قبل عام بالضبط، وفضل أن يكون في رحيله في القاهرة التي أحبها وأدمن العيش فيها. أكثر من 22 عاما قضاها هناك، وصار فيها معلما ومزارا، ولا أدري كيف هو طعم القاهرة ولونها ورائحتها بدونه.
لا أعرف متى تعرفت على الزين بالضبط، لا أحد من أصدقائه يعرف، فأنت تتعرف عليه، ثم يستغرقك تماما، بحيث لا تعرف طول علاقتك به، هل هي سنة، سنتين، أم قرون. ربما عرفته مع بدايات العمل الصحفي، حين كان يعمل في صحيفة “الأيام”، لكن أذكر أن علاقتنا توطدت في مكاتب صحيفة الخرطوم القديمة التي توجد بها الآن صحيفة “قون”. وقد صار هذا المكان منتدى ونقطة تجمع لكثير من الصحفيين بعد مجئ الإنقاذ وإغلاق كل الصحف. كان يعمل بمكتب صحيفة “الشرق الاوسط اللندنية، وينهي دوامه اليومي بالاطلالة علينا في مكتب “الخرطوم”.
وذات “زنقة” من نتاج تلك السنوات، قرر الخروج للقاهرة، جاء لوداعنا، ثم اختفى وظهر في القاهرة. ومنذ تلك الفترة ارتبطت القاهرة عندنا بشخص الزين، هو رمزها وزينتها وبهجتها ورفيق مشاويرها التي لا تنتهي، ولا تفرق بين الليل والنهار.
وسرعان ما لحقنا به للقاهرة بعد عامين، لنصدر صحيفة “الخرطوم” من هناك، وبالطبع كان هو من أعمدتها في البداية. عملنا معا، نعم، لكن حاصرته ظروف عمله في مكتب “الشرق الاوسط” بالقاهرة ولم تمكنه من مواصلة العمل، لكن لا شئ يمنعه من التواصل الاجتماعي معنا، في المكتب ، في الشقق التي سكناها، وفي شوارع ومقاهي القاهرة التي لا تعرف النوم، وأخيرا في شقته في شارع “جول جمال” التي صارت مزارا.
وحتى بعد عودتنا للصدور من الخرطوم، ظل زين هو ممثلنا الشخصي والاجتماعي في القاهرة، نبدأ أيامنا هناك به، وننهيها عنده. في زيارتي الأخيرة قلت لبعض الأصدقاء أنني مرهق ومشغول، ولن أطلع الناس على وصولي، فقط الزين هو من سأتصل به. بعد يومين غرقت في بحر من المجاملات والزيارات الاجتماعية والاتصالات الهاتفية اللائمة، وكل يقول “عرفنا بوصولك من زين”؟. قال لي مبررا : والله أنا كلمت اتنين تلاتة بس.
كثير من الصحفيين والصحفيات والفنانين والفنانات أخذ الزين بيدهم وقدمهم للناس، وقد كانت هذه هي هوايته التي لا يملها ولا يتعب منها، حتى الفنانة “جواهر” قدمها لنا حال وصولها من السودان للقاهرة، وساعدها في تسجيل أول شريط لها، وليتها تذكر ذلك وتتذكره.
أذهب للقاهرة ولا التقي الزين في وسط البلد، ولا نتآنس في مقاهي البورصة، ولا يهب فجأة من جلسته ليقترح عليك مشوارا ، تسأل :وين يا الزين، فيقول: نمشي لفلان في مدينة نصر، ونغشى علانا في مصر الجديدة، ونمر على ناس جايين من السودان في فندق “..” …وبعدين نقضي السهرة مع سيف الجامعة في المعادي..!!
كيف هي القاهرة بدونك يا زين، وهل لا تزال هي القاهرة؟ رحمك الله.
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. من منكم يعرفه ؟؟؟!!

    زين العابدين أحمد محمد

    الرجل الذي علمني كيف أصيغ من ثرثرة السياسيين جملةً مفيدة !!

    وعلمني أن الروابط الإنسانية أقوى وأقيم بكثير من علاقات المصالح والماديات !!

    وعلمني أن الحياة ( أتفه) من أن نعيشها وفي قلوبنا حقد وغل للآخرين !!

    ومنه تعلمت أن الخوف من المرض لا مبرر له فالرب واحد والموت واحد والفوز بمحبة الناس طريق مضمون لجنات الخلد !!

    بالأمس أكمل عاماً تحت التراب ومازلت العق دمع الحزن المالح على رحيله المر وأتذكر كيف كانت آهات الحاجة زينب والدته وصرخات شامية شقيقته وبكاء صلاح شقيقه يلهب الروح بسياط الفراق السرمدي ..!!

    هذا هو زين العابدين أحمد محمد الصحافي والشاعر والإنسان .. أخي ومعلمي وصديقي الذي مانادته إبنتي إلا بخالو زين الحبيب ..!!

    فلنترحم علي روحه الطاهرة جميعا من يعرفه ومن لا يعرفه فقد كان مختلفاً لن يجود الزمان بمثله ..!!

    في جنات النعيم يازين الناس ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..