السودان: فضائح وتضخيم ذات!

معاوية يس

يقال في عامية أهل السودان «كَنْكَشْ» لمن تعلق في الشيء بقوة، تشبّث به. وورد في «قاموس اللهجة العامية في السودان» لمؤلفه الدكتور عون الشريف قاسم: «يقولون: الله يكَنْكِشَكْ: أي يصيبك بتيبُّس الأعضاء». وهي كما نرى لا أصل لها في العربية، ولا هي من الدخيل من اللغات الأخرى. ومع أن هذه المفردة لا صلة بها بعالم السياسة، إلا أنها شديدة الالتصاق بالسياسة السودانية. جميع السياسيين في بلادنا يصابون بداء «الكنكشة» حال وصولهم إلى المنصب الوزاري، وتحلو «الكنكشة» وتنطبق تماماً في حال الانقضاض على السلطة بليل، أو حتى في وضح النهار، عبر انقلاب عسكري، ثم تصبح الهواية المفضلة للحاكم الانقلابي «المكنكِش» إحباط مؤامرات الإطاحة به، والقضاء على الثورات التي تستهدف بقاءه «مكنكشاً».

ومن عجبٍ أنها ليست وقفاً على من هم في المنصب الوزاري وحدهم؛ إذ إن لدينا بعض النماذج لحالات «كنكشة» حتى في الحلم بالمنصب الوزاري، باعتبار أن تاريخهم الحزبي، ونضالاتهم العريضة تجعلهم مؤهلين للقب «الوزير»، لولا مؤامرات زملائهم السياسيين وأحقاد منافسيهم من أعضاء التكتلات الأخرى. ويود المرء من هؤلاء أن يكون منصب الوزير مسك الختام لحياته الطويلة، ولو كتب له الموت قبل تحقق ذلك الحلم فسيموت وفي نفسه شيء من وزير لم يكُنْهُ.

وفي حال الأنظمة العسكرية التي تلغي حق المواطن في أن يكون له رأي ودور في صنع القرار، يظل المسؤول – وزيراً ومن دون ذلك – في منصبه حتى لو كانت إخفاقاته بحجم الفضائح، وليس مجرد إخفاقات من يعمل ويجتهد فيصيب أو يخطئ. ولعل ما حدث للوفد السوداني «الضخم» إلى دورة الألعاب الأوليمبية العربية، التي اختتمت في العاصمة القطرية الدوحة أخيراً أنصع مثال.

كانت نتائج أداء الرياضيين السودانيين في الدوحة فضائح بكل المقاييس، وفي البلدان التي يحترم السياسيون فيها عقول ناخبيهم، لن يجد المسؤولون عن إعداد ذلك الوفد خياراً سوى الاستقالة، لكننا في السودان ليس لدى شعبنا خيار سوى الصبر على «كنكشة» مسؤولي الخيبة والفضيحة والفشل. تصور لو أن الأحداث التالية وقعت في إنكلترا أو أي دولة أوروبية، كم ستوفر من المداد للصحف الشعبية والرصينة لتبدأ حملات الإصلاح وكنس المسؤولين الفاشلين:

– رئيس اتحاد الرماية السوداني اصطحب ابنته لتمثل السودان، وأحضرها إلى الدوحة برفقة ابنها وزوجها، وعلى رغم ذلك نسيت مسدسها! (صحيفة «السوداني»).

– لاعبو القوس السودانيون وصلوا إلى الدوحة بأقواس غير قانونية!

– منتخب كرة اليد السوداني خسر برقم قياسي لمصلحة نظيره المصري بنتيجة 58 – 5!

– ضم الوفد السوداني إلى ألعاب الدوحة نحو 300 رياضي، وهو أضخم وفد رياضي يخرج لتمثيل البلاد، على رغم ذلك لم ينجح في انتزاع أي ميدالية ذهبية!

– الرياضيون السودانيون نزلوا إلى «المضامير» والملاعب وهم يرتدون زياً لا يحمل اسم السودان ولا علم البلاد!

– في كرة القدم مني المنتخب السوداني بخسارة مجلجلة أمام نظيره الفلسطيني، وتصر الحكومة السودانية على أن هذا الفريق هو «المنتخب الرديف» وليس المنتخب الوطني الأول الجدير بتمثيل البلاد!

– في كرة الهدف للمكفوفين، خسر الفريق السوداني لمصلحة نظيره الفلسطيني 3 – 9.

… والنتائج/ الفضائح لا تُحصى. ومن جواهر كلام «المكنكشين» تصريح لرئيس اللجنة الأوليمبية السودانية هاشم هارون، جاء فيه أن اللجنة ليس من اختصاصها محاسبة الاتحادات الرياضية، ولا إعداد المناشط الرياضية فنياً، «لذلك فهي ليست مسؤولة عن النتائج السلبية في ألعاب الدوحة» (صحيفة «الصحافة» السودانية).

وسئل المدير العام للرياضة بوزارة الشباب والرياضة السودانية الدكتور نجم الدين المرضي عن تعليله لظاهرة اصطحاب مسؤولين في اتحادات رياضية أفراد أسرهم معهم إلى الدوحة، فرد: «هذا في عُرف أولئك يقع ضمن أهلية وديموقراطية الحركة الرياضية» (صحيفة «الصحافة»).

هذه هي المرة الأولى التي أكرس فيها قلمي لشأن رياضي، وهو مجال لا أدعي فيه معرفة، غير أن الحرقة التي تصيب المرء، وهو يرى اسم بلاده ملطخاً بفضائح هذا الأداء الهزيل والنتائج المأسوية، تقود إلى نتيجة منطقية وحيدة؛ أن الرياضة والفن ليسا جزيرتين معزولتين عن التدني والتدهور اللذين تعاني منهما البلاد بسبب السياسات الخاطئة والفاشلة في الإدارة الحكومية والعقلية الحاكمة. والأقرب إلى الحكمة أن تغليب وإفشاء داء «الكنكشة» في السياسة والحكم يجعل انتقال عدواه إلى الرياضة أمراً طبيعياً. ففي السياسة يرتكب المحفل الخماسي الذي يحكم السودان الفساد، ولا يجدون حساباً، بل يُصار إلى ترقيتهم وترفيعهم في كل تعديل وزاري. وها هم قادة وزارة الشباب واللجنة الأوليمبية السودانية والاتحادات الرياضية يكررون الإخفاق بدوي مجلجل ولا يتوقعون قراراً يتصدى لـ «كنكشتهم».وفي الوقت نفسه الذي كان الوفد السوداني المشارك في ألعاب الدوحة يلحق باسم السودان كل يوم إخفاقات مؤلمة، واصل الإعلام الحكومي السوداني «القاصد» تضخيم الذات بادعاء انتصارات للقوات المسلحة في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، ونفي انشقاق كتيبة من جنده اختارت الانضمام إلى حركة العدل والمساواة المتمردة، التي أعلنت زحفها من الغرب صوب العاصمة الخرطوم. وفي الوقت ذاته واصلت المعارضة المؤتلفة مع النظام تغنيها بأوهامها الجديدة حول الضرورات الوطنية التي تتطلب نسيان الخلاف مع الجبهة الإسلامية القومية، وهي لا تدرك أنها أزاحت بائتلافها مع المحفل الخماسي عبئاً ثقيلاً عن كاهل الشعب السوداني الذي تبلورت الآن خياراته السديدة للانضواء تحت مظلة ثورات الربيع التي تجتاح محيط بلادها أياً يكن شأن التخذيل والاستهزاء بهذا المارد المستجم… هنيئاً لهم بالمستنقع الذي اختاروه، وهنيئاً لجمهورهم الكادح، فقد أضحى قراره نفض الطرف عنهم غير مُكلِّفٍ بتاتاً.

* صحافي من أسرة «الحياة».

[email protected]

تعليق واحد

  1. لا حول ولا قوة الا بالله —- حسبنا الله ونعم الوكيل……… ان الكاكي لا يصنع حياة ابدا …. لانه ببساطة مدمر داخليا …… ومن ثم ينعكس تحطيما خارجيا لكل شيء نبيل وجميل ….. وبما ان مثلهم الاعلى الى الان …. في ميادين التدريب العسكري هو نابليون ……….. لذلك لا نتوقع منهم ما يفخرون به يقدم الا البلاد…….. الدمار لكل اوجه الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ….
    الا ان النصر آت لا محالة …… الا ان الظلم ظلمات في الدنيا والاخرة….. ولا راحة ضمير لمن يتولون المسؤولية…. فيقدمون مصالحهم على مصلحة الوطن والمواطن.

  2. بل يا استاذ معاوية كنكش اصلها من مادة كمش ومن معانيهاانقباض الشيء وايضا الانقباض على الشيء والانطواء فيه ومنه الكماشة و ."كَمَشَهُ مِنْ عُنُقِهِ" : لَوَاهُ بِيَدِهِ مِنْ عُنُقِهِ. "لاَ نَدَعِ الفُرْصَةَ لِلسُّلْطَةِ لِتَكْمُشَنَا كَمَا تُكْمَشُ أَفْرَاخُ الدَّجَاجِ".
    ولامكان الابدال بين النون والميم كما في ابدال نون التنوين ميما فقد صارت في الهجة السودانية (كنش) واضافت الدارجية الكاف الثانية واظنها من باب الكلمات الدالة على تكرار الفعل مثل فكفك وفرفر وبلبل.
    واعتقد بعد كنكنشة الانقاذيين في السلطة بهذه الصورة الغريبة ، آن الاوان ان تدخل هذه الصيغة الى قاموس اللغة العربية بعد التحديث الذي جرى عليها

  3. ليس في السودان رياضة حيث انها لم تتعد مستوى فرق الحارات وشلة الدافوري نتيجة تربع وجوه وعوائل معينة على المرافق الرياضية كأنما خلقوا لها وخلقت لهم لذلك لا اتعب نفسي في قراءة ما يكتب عن الرياضة بل احجمت عن متابعة اخبار الرياضة المحلية أو مشاركات الفرق السودانية في المنافسات ا لعالمية تفادياً لوجع القلب والذبحة الصدرية….

    اما كلمة كنكش فتدخل في نطاق ما يكتبه الاستاذ عبدالمنعم الفيا في تقاطعات الانجليزية والعربية حيث انها هي نفسها Congestion في اللغة الانجليزية وبذات المعنى….

  4. هذه هي المرة الأولى التي أكرس فيها قلمي لشأن رياضي، وهو مجال لا أدعي فيه معرفة، غير أن الحرقة التي تصيب المرء، وهو يرى اسم بلاده ملطخاً بفضائح هذا الأداء الهزيل والنتائج المأسوية .

    يا زول حرقتك في محلها , أنصحك خليك في الشأن الرياضي لأن كلامك منطقي , لكنك تشطح في السياسة كثيراً ولا تسجع اللعبة الحلوة رغم قلتها لأنك مكنكش في يسار العارضة أو المعارضة اليسارية التي لا تقدم ولا تؤخر .

  5. يا أخى : كيف يستقيم الظل والعود أعوج .. والناس على دين ملوكها..الكيزان لايفهموا فى الرياضة ولا.. الآداب ولا.. الفنون ..ولايحزنون..ديل بفهموا فى الفساد والنهب .. والإحتيال..والقتل ..والإبادة والعنصرية…وتعدد الزوجات ..وتكبير المؤخرات..وحك الجبهات . والتطاول فى البنيان…. رحم الله إسم … السودان.

  6. المقال يحمل افكار فرضت الرد على المعلقين الاول ابو العزائم انا معاك الكاكى كريه لكن على مر الازمنة هو المناط به حماية الدولة ولا الفكرة؟ جديدة من زمن الرسول (ص) هو بجند وبعرف يعنى شنو قيادة عسكرية فالكاكى بحمى الفكرة اى باجماع اهل البلد وبرضو شكرا لاجتهادك اما للمعلقين للغة هى دى لغتنا وبجهلنا منو اللى فى راسو فكرة ولو بليدة ولو قريبة للاستاذ عبدالله الطيب؟ارجع بتلاقى الاجابة؟ اما بخصوص الرياضة كانت موجودة قبل الانقاذ ولا كانت لى ناس ولاكانت لفكرة لانها رياضة وهى حكم الشعوب وفى الختام الدمار تم من قبل الانقاذ؟ ولا انا كذاب؟

  7. صدقونى مستقبل مظلم ولو انتظرنا مسئول يغيير حا يزيد الطين بله – لابد من الشباب هم جيل الغد هم من يخططو ويقرروا كيف يكون السودان غدا – البشير والمهدى والترابى والميرغنى وعرمان وخليل ابراهيم وعبدالواحد وغيرهم كثير هؤلاء اذؤوا واضروا بالشعب وماعندهم مانع ليستلمو السلطه ممكن يرموا بكل الشعب الى البحر وتاكله التماسيح وهم يضحكون ويرقصون كما يفعل البشير – جيل اليوم دمره الانقاذ وحكومته لنظرتهم لمصلحتهم الخاصة – اذا كنتم تريدون معيشة شريفة حره لابنائكم لنجتهد من اليوم ونؤسس ونجاهد حتى يرتاح ابنائنا غدا – لماذا عين البشير ابناء الصادق والميرغنى الحكاية ورثه زريبه البشير يدخل مايشاء ويخرج من يشاء زاعما انها مصلحه الشعب 0 ابدا هو يريدهم يقتسمو معه الكيكه وفلوس الشعب الغلبان وخيراته حتى يسكتو 0 من فين يعيش الميرغنى والترابى والصادق طوال فتره سنيين المعارضه الحكومه تدفع لهم والشعب يموت جوعا – صدق من قال الشعب السودانى كسلان ينتظر فتتات العيش والخبز من مولانا الميرغنى والصادق وشيخ على عثمان وبركات الترابى ويامل ان بندقية خليل وعبدالواحد تغيير او تاكله خبز فى يوم ما 0 صدقونى كل من يلتف حول حزب سودانى اليوم اى كان هو يبحث عن مصلحته الخاصه ويمشى وراء سراب لابد ان نترفع عن عباءة الاحزاب ونترك الانانية والمصلحة الشخصيه حتى لا يصير بنا كما حدث للقذافى وحسنى مبارك هذا تذكير للحكومه والمعارضه التى تلهث وراء الحكم 0 نسال الله تعالى ان يولى علينا خيارنا0وان لا يولى علينا شرارنا 0000

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..