التنمية من خلال الفساد (1)

الدور المرتقب للمثقفين السودانيين في هذا المنعطف التاريخي.. مقالة كتبها الدكتور الصادق عوض بشير بصحيفة الايام العدد الحادي والثلاثين من يوليو عام 5002م وقرأت المقال مرة ومرتين واحتفظت به.. وترك عندي أصداء واسعة في مجملها تؤكد أهمية الموضوع وصعوبته وتشابكه. فدكتور صادق بحث ملياً عن الدور وتساءل عن كيفية بلورته وكيفية المحافظة عليه والتمسك به.
٭ دكتور صادق بحث عن دور المثقف في الحياة السياسية في السودان منذ الاستقلال ولكنه لم يجده بالحجم المأمول ووصل إلى أن اخفاق كل الانظمة التي اعقبت الاستقلال يرجع إلى عدم بروز دور للمثقف.. لا يستطيع أحد كائناً من كان ولا استثني أحدا ان يتحدث بجدارة عن انجازات فعلية وجذرية في السودان منذ الاستقلال في 6591م وحتى اليوم من النوع الذي يقلب حياة الناس رأساً على عقب.. صحيح ان احزابا كثيرة وأنظمة متعددة بما فيها الانقاذ قامت ببعض الانجازات الملموسة والمهمة التي لا تتكسر حتى لا تغمط الناس حقهم ولكنهم جميعاً دون إستثناء اتبعوا في هذه الانجازات ما يعرف عالمياً بالتنمية من خلال الفساد.. والتنمية من خلال الفشخرة والدعاية.
٭ ودكتور صادق بعد ان تناول صعوبة المرحلة خلص إلى أهمية دور المثقف المخلص لشعبه ومن هنا حرضني مقالة على مداخلة حول هذا الأمر المهم في زمان تلاشت فيه حتى مثل تلك القعدات أو الندوات التي تجمع أهل الهموم المشتركة على شرف مقالة دكتور صادق التي أعدت قراءتها.
٭ قد يندهش البعض من التطرق لهذا الموضوع باعتبار ان واقع الحياة لا يحتمل مثل هذه الكتابات التي لا تعبر إلا عن هموم مجموعات صغيرة مازالت تراودها الاحلام الرومانسية ولكني أقول لهؤلاء بالفعل الحياة صارت ذات إيقاع سريع وفارغ وحزين وان الازمة شملت كل مناحيها.. والغلاء والخلخلة الاجتماعية بلغت مداها.. ولكن هذا يجب الا يعني نهاية الحياة ولا يقضي على الأمل ولا يبرر النقد الاطاحي وجلد الذات بسياط اليأس والتقييم ذي البعد الواحد للأشياء.
٭ كانت ومازالت وستظل الحاجة المتأججة لدى أي أمة من الأمم تتطلع للجديد المفيد وتعمل على تحقيق هذا الجديد الذي تتطلع اليه. وتبرز تلك الحاجة في شكل واضح على مدى ساحات العمل الفكري والثقافي عند المنعطفات الحادة أو الهادئة التي قد تنجح بفعل متغيرات سياسية واقتصادية.
٭ في السودان نتحدث كثيراً في مجالسنا عن معنى الثورة الثقافية والبعث الحضاري باعتبار انهما ركنان جوهريان وأساسيان في عملية إحداث التغيير المنشود في حياة الانسان السوداني. ويدور حديث أكثر حول اصل هذه الثقافة ومكوناتها والحديث يتصل أكثر عن مفهوم المثقف ومن هو وما دوره في الحياة العامة ومن هنا تتداخل الأمور وتتشابك عند نقطة ماهو الفرق ما بين المثقف والمتعلم.. ودكتور منصور خالد عندما اراد ان يناقش علاقة المتعلمين بالسلطة لم يقل المثقفون وإدمان الفشل وإنما قال النخبة وهذه قد تضم المتعلم والمثقف اذا ابعدنا تعريفا عن مفهوم السياسة الضيق.
الصحافة