أهم الأخبار والمقالات

البرهان وبركان الثورة الشعبية في السودان

أتيم قرنق 

الأحداث التي تتلاطم كالأمواج العاتية في السُّودان، وجموع الشعوب السودانية التي تحتج وتهتف وتهدر (كالسيول) في شوارع كل المدن علي طول وعرض السودان؛ لا يمكن ان يتجاهلها ويتغافل عنها جارٌ يتمني الخير والاستقرار والسلام  للسودان وشعوبها. كل هذه التفاعلات والتظاهرات دليل غليان وغضب شعبي نخشى أن تصلنا تبعاتُها ان لن يُعاد الهدوء والإستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي للشعب السُّوداني بما يرضيه والذي ثار وضحي من اجله.هذه الأحداث والأوضاع السياسية الجارية في السودان ، هي قضايا سودانية داخلية ليست لدي دولة جنوب السودان حق التدخل فيها، سواء كان تدخلاً دبلوماسياً او سياسياً ، إنما دور جنوب السودان يتمركز في الإستعداد الدائم في التوسط و لعب دور حيادي، اَي دور (الأجاويد) في حلحلة اَي صراع سوداني- سوداني. لكن من حق المواطن من جنوب السودان الإدلاء برأيه عن اوضاع السودان دون أن يعبر ذلك الرأي بالضرورة عن الموقف الرسمي لحكومة جنوب السودان!.

إن الروابط التاريخية والاجتماعية والجغرافية المتداخلة بين شعوب جنوب السودان والسودان هي علاقات معقدة سلباً وإيجاباً. والمعضلة والمؤلم في هذا التقدير، هو ان بعض السودانيين الذين يعتنقون إيديولوجيات فكرية وجهوية  مريضة، تعتبر اَي موقف من مواطن من جنوب السودان يعبر عن ضرورة العمل الصادق بين الشعبين من أجل التعايش السلمي والاستفادة من مواردهما؛ يعتبر انه موقف يدل علي الندم علي ‘الإنفصال’! لكن في نهاية الأمر، فإن علاقات حسن الجوار بيننا هو مبدأ عصري يجب العمل لتحقيقه من أجل منفع الشعبين في كل مجالات الحياة.

على ضوء ما تقدم، أرى إن الأوضاع السياسية الحالية في السودان معقدة وخطيرة علي مستقبلها السياسي والأمني والتنموي والاقتصادي. وتلك الأوضاع اذا لن تحل بما يرضي الجانبان المتصارعان على إدارة الحكم، المكونان المدني والعسكري ، فإن انعكاساتها ستكون سلبية علي دولة جنوب السودان!  ويبدو لي، أن هنالك ثلاثة سيناريوهات محتملة أن توؤل الأمور الي واحدة منها في السودان و هي:

الاحتمال الأول: اصرار العسكر علي عدم الاهتمام بالاحتجاجات الشعبية واعتبارها عملاً فوضوي يجب قمعه، وتسوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية والسياسية الي مستوي لا يتحمل الشعب تبعاتها فيتخلي عن الاحتجاجات والمظاهرات ؛ ويقوم المكون العسكري علي السيطرة على مقاليد الحكم مع وجود عنصر مدني ضعيف ‘تابع’ لارادة العسكر.
الإحتمال الثاني: ان تتم تسوية سودانية سياسية، بين المكونين المدني والعسكري، بموجبها تسيّر إدارة البلاد بالتوافق والتراضي حتى مجئ حكومة منتخبة ديموقراطياً.

الإحتمال الثالث: ان تنتصر المكون المدني، ويعود العسكر الي ثكناتهم؛ ويقام حكمٌ مدنيٌ يجد الاعتراف والدعم من الشعب السوداني ومن المجتمعين الإقليمي و الدولي.

والسيناريو او الإحتمال الواقعي والأقرب للحدوث الآن في السودان ، هو السيناريو الثاني وهو سيناريو قد يجد بعض الدعم الأممي والعربي وهو غير محقق لتطلعات جماهير الشعب السوداني. قد يقبل به المكون المدني لحقن دماء السودانيين؛ ولان المكون العسكري قد أجرم في حق الشعب السوداني ومتي ابتعد او ابعد عن السلطة قد يقع تحت طائلة المحاسبة القانونية ؛ وهذه المحاسبة هي ما يرتجفون من تبعاتها و يتمسكون بالسلطة لتفادي تلك . وعليه فهو حل ‘لاستراح المحارب’ .

غير ان السيناريو الذي آراءه يسعي اليه العسكر، هو السيناريو الأول، وهو اخماد بُركان الثورة الشعبية، وسيطرة البُرهان والعسكر علي الحكم مع إشتراك عناصر مدنية رخوة. وهذا السيناريو قاتم علي مستقبل السودان السياسي والاقتصادي والأمني . وهذا السيناريو ، إذا ما حدث، فسيكون كاريثي علي دولة جنوب السودان أمنياً وسياسياً! رغم قتامة هذا الإحتمال ألا ان العسكر لن يهمهم كارثية حكمهم. هذا الاحتمال ينطوي علي عدم الاستقرار في السودان وعلى طول حدوده مع دول الجوار ج، لان العكسر يحكمون من خلال خلق حروبات داخلية عنصرية ‘تراق’ فيها الدماء.

إذا سيطر العسكر علي زمام الأمور في السودان، بالإشتراك مع عناصر مدنية رخوة انتهازية او ايديولوجية ، فإن التصور التالي لن يمضي عليه ثلاث اشهر بدون ظهور نتائج استراتيجية العسكر لحكم السودان من خلال اراقة الدماء:

أولاً: سوف يرفضون التفاوض مع حاملي السلاح او يتظاهرون انهم يتفاوضون معهم مع وضع شروط يعرفون مسبقاً انها مرفوضة من قبل حاملي السلاح. ومن هنا اعلان التعبئة العامة لمقاتلة المتمردين ، أعداء السودان والعروبة والإسلام .

ثانياً : العمل الدوؤب علي إلغاء بعض بنود اتفاقية جوبا وإستعداء بعض حاملي السلاح الموقعين علي تلك الاتفاقية علي ان يعاودوا حمل السلاح مرة اخري. ومن هنا تبدأ قرع طبول الحرب بأن هناك دعم خارجي للخوارج ضد أمن ووحدة السودان.

ثالثاً : تحريض قبائل المسيرية وغيرها من القبائل العربية لشن هجمات منسقة علي مناطق مدنية داخل حدود جنوب السودان و منطقة ابيي.

رابعاً : يتم تسليح معارضين من دولة جنوب السودان و ‘تمكينهم’ علي زعزعة الأمن في الولايات الحدودية التابعة لجنوب السودان.

خامساً : التضخيم الإعلامي عن منطقة الفشقة والتركيز علي أهمية حمايتها وضرورة الاحتفاظ بها لانها جزء عزيز من ارض الوطن يجب الدفاع عنه . سوف يخلقون بعض المناوشات علي طول الحدود مع أثيوبيا ويمنحون بعض الدعم لحاملي السلاح ضد اثيوبيا ؛ ودعم كل معارض مسلح لبعض دول الجوار  (اريتريا وليبيا وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطي) .

سادساً : الارتماء في احضان مصر وتنسيق مواقف موحدة ضد اثيوبيا، وضد كل من يخطط علي الاستفادة من مياه النيل دون الضوء الأخضر من مصر ، والوقوف ضد من ينشد وينادي بتطبيق و ‘توطين’ الحكم الديمقراطي في المنطقة.
سابعاً : سوف يستمر  أفراد الجيش والمقاتلون السودانيون يحاربون في اليمن وليبيا.

هذه الصورة القاتمة ، هي المصيبة المحتملة وقوعها وحدوثها في السودان خلال الأسابيع القليلة القادمة ، سوف يسود ويسيطر التوتر والشك والترقب علي حكومات دول هذه المنطقة المضطربة.

و اذ حدثت المعجزة وإنتصر الشعب السُّوداني ، أو تم تطويع المكون العكسري وقبل بشراكة متساوية في السلطة مع المكون المدني ، فان احدي نتائجها الإيجابية هي تحقيق السلام في السودان وفي جنوب السودان ، وقيام انتخابات حرة لتحقيق الحكم الديمقراطي في جنوب السودان حسب ما جاءت في اتفاقية الخرطوم للسلام ٢٠١٨ التي تقع تحت رعاية سودانية وإقليمية !.

كم أتمني ان يعم السلام والاستقرار منطقتنا ، وبصفة خاصة جنوب السودان والسودان واثيوبيا ، ونعمل سوياً لتحقيق تنمية إنسان منطقة الايغاد تحت أنظمة ديموقراطية تتم فيها تداول السلطة سلمياً وتحل فيها التحديات بالتراضي السلمي!! .

‫16 تعليقات

  1. العزيز الاستاذ أتيم قرنق- لكم التحية – شكرا علي الامنيات الطيبة. الشباب هذه المرة يضعون لبنة دولة المؤسسات والقانون ، حزب الضباط الاحرار السري يجب أن يرفض علنا لتعود للجيش مهنيته التي بدأها منذ كان قوة دفاع السودان في 1925م. المهن في السودان تعود لوظائفها الطبيعية ومن اراد السياسة من الضباط ، عليه أن يخلع البزة العسكرية عنوان السودان كافة
    لكم التحية

  2. مشكور أخي إبن الجنوب الحبيب الأستاذ ؟ أتيم قرنق مقالك منطقي وتحليلاتك واقعية ونتمنى السلامة للشعبين الشقيقين.

  3. “… يعتبر انه موقف يدل علي الندم علي ‘الإنفصال’!”
    نعم اخونا دينق … ولكن من جانبنا …. نحنا ندمانين ومرات كثيرة نتطلع لإعادة الوحدة الطوعية
    نقول الله يلعن اللي كان السبب … الكيزان
    فصلوا الجنوب …
    واعادوا احتلال “الشمال” بالجنجويد من “مالي وتشاد و النيجر …”

  4. مشكور علي شنو مقال فطير ومنو القال ليك من الشماليين انو نحن عايزين عودة الجنوب لا أحد يريد عودتكم لأننا عمرنا ما كنا قريبين لبعض والدليل علي كده وفاة جونق قرنق في يوغندا الجنوبين لمو في الشماليين ذبح هل الشماليين هم سبب موت جون قرنق علي كل لو للانقاذ حسنة واحدة هى فصل الجنوب يا اخي ارتحنا. وبعدين اكتب عن الجنوب خليك الشمال نحن قادرين عليهو وعسكر ما بحكمنا.

    1. بس النشاز في مداخلتك خاتمتها المضللة “وعسكر ما بحكمنا” ؟! لأنو البشبه مداخلتك دي والمتسق معها هو أن تختمها بـ: “والعسكر بحكمنا” .. ومعاها كمان “كيتن ليك”!!

  5. مقال رائع ليت مدعي الخبرة الاستراتيجيه ومدعي الفكر الذين ابتليت بهم بلادنا يقرأون ويفهمون ويستوعبوا ما ذكره الكاتب الكريم في المقال أعلاه.

    … اذا بقي البرهان حاكما للسودان سيرتمي في أحضان مصر وسينفذ كل ما تمليه عليه مصر من خصومة وعداوة لدول حوض النيل وبمشاركة فاعلة من حزب الامه ( الذي تبني الموقف المصري في صراع سد النهضه وضح ذلك جليا من موقف خازوق الخارجيه مريم الصادق) والاحزاب العروبيه.

    … لا أمل لبلادنا سوي هولاء الشباب الذين تمتلئ قلوبهم حبا لهذا الوطن وقدموا أرواحهم فداءا له. وسيكون النصر حليفهم بإذن الله…

  6. عسكر السودان يرتمون دائما تحت أحضان مصر عبود وأراضى حلفا نميرى والإستنجاد بمصر لدحر المعارضة البشير فشانه أخر..مصر تريد سودنا مأزوما فقيرا مضطربا غير مستقر بحكومة ضعيفة على رأسها كالبرهانةغير أبه ولا مدرك ولا هميم يمرر لها كل مخططاتها..

  7. اتيم قرنق لقد عدت بنا الي الايام الخوالي ايام السودان الواحد. اتذكرك جيدا في البرلمان يا سلام. نتمي لك موفور الصحة والعافية ولدولتكم النمو والازدهار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..