بقت قصة رغيف..!!

من القصائد التي يحبذ الإسلاميون سماعها أيام الثورة في عنفوانها كونها تمجد القوات المسلحة وتؤكد على أن الخيار هو لتقويتها لحسم التمرد في ذلك الوقت، قصيدة منسوبة للدكتور فتح الرحمن الجعلي يقول مطلعها:

يا زول أقيف
يا زول أقيف قول يا لطيف
القصة ما قصة رغيف

بلا شك أن الأزمة الحالية هي اقتصادية بالدرجة الأولى وكما قال أحد الظرفاء: (يجب أن لا تخدعنا الحكومة وتقول العيشة بقت بجنيه هي بقت في الحقيقة بألف جنيه)، لكن ها هي الرغيفة بقت بجنيه وغير متوفرة.

الحكومة تضع الميزانية تلو الأخرى وتعقد المؤتمرات الاقتصادية والورش والسمنارات حول الأوضاع الاقتصادية، ولكنها في ذات الوقت تبحث عن حلول لأزماتها الاقتصادية في ظل الفيل وليس الفيل، فهي تتحاشى الأسباب الحقيقية للأزمة الاقتصادية، ولذلك لن تصل للحل لأنها تريد شراء الوقت بحلول على الورق.

الأزمة الاقتصادية هي أزمة سياسية عمقتها الحكومة عمداً لأنها لا تريد الحلول التي كانت في متناول اليد، فهي بدلاً من الحوار مع المعارضين بالداخل تضيق عليهم وهي بدلاً من الدخول في التفاوض المباشر وتقديم تنازلات مؤلمة تعيد الأمور إلى نصابها تلجأ إلى سياسة عسكرة الحلول ومن هنا يبدأ الصرف على الأمن، وشاهد العدل على ذلك حتى عند وقف إطلاق النار يظل الصرف على التأمين هو الأعلى.

وفي المقابل الصرف الحكومي هو أكبر معضلة تواجه الاقتصاد، فالمواطن السوداني أصبح مسؤولاً عن نفسه من حيث توفير فاتورة العلاج والتعليم وجميع الخدمات وعلة الاقتصاد السوداني في الحكومة، هذه الحكومة حتى الآن مترهلة ومفصلة على الترضيات والمحاصصات وهي أكبر (مصاص) لدم الشعب السوداني، هل فعلاً ما زلنا نحتاج لهذا العدد من الوزراء ووزراء الدولة والجيش الجرار من وزراء الولايات والمعتمدين؟

بعيداً عن لغة الأرقام.. تشخيص الحالة الاقتصادية يشير بوضوح إلى أنها حالة أزمة سياسية في المقام الأول، والحل واضح، والمطلوب قرارات شجاعة تفسح الطريق للعمل السياسي الحقيقي الجاد دون مجاملة أو محاباة أو حسابات مصالح مشتركة لحماية النفوذ فالقضية ليست تجميل وجود وإنما إجراء جراحات مؤلمة سياسية على جسم الحكم قبل أن تكون اقتصادية وبغير ذلك فلا ظن أن هناك أي حل للأزمة الاقتصادية.

ما دام أن الحكومة رفعت شعاراً لهذه المرحلة وهو (قفة الملاح) فيجب أن تجتث كل الشعارات الماضية من أجل أن تثبت جدية شعارها الجديد بتطابقية بينة وما تقوم به من ممارسة، وبدلاً من (طق الحنك) على الحكومة إعادة النظر في مجمل تصرفاتها وتوجهاتها السياسية الداخلية والخارجية، فالحل هو سياسي قبل أن يكون اقتصادياً لأن الأزمات السياسية التي يمر بها السودان صنعتها الحكومة وليس المعارضة، وهي (أي الحكومة) لا تريد أن يمسها سوء من أي إجراء اقتصادي تتخذه، لأنها غير آبهة بما يترتب على المواطن من هذه الإجراءات السياسية قبل الاقتصادية، لكن المعدل التراكمي للسخط يزداد بمتوالية هندسية و(الناس ستصرخ يا لطيف القصة قصة رغيف).

الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..