أحزاب الحوار

عندما أعلنت حكومة المؤتمر الوطني عن الحوار، اعترض عليه الكَثيرون باعتبار أنّه ليس حَلاً للأزمات السودانية، بل هو في حَدّ ذاته أزمة، ولأنّ المُشكلة تَكمن في المؤتمر الوطني نفسه وقَناعاته التي لا تَقبل الآخر ولا تُؤمن بالديمقراطية، ورغم هذا قبلت به شظايا الأحزاب التي عُرفت بأحزاب (الفكّــة) ومعها عَدَدٌ من فتات الحركات المُسلّحة، وعلى رأس هذه القائمة حزب المؤتمر الشعبي الذي هو أصلاً جُزءٌ من الوطني، وكم غَنّت تلك الأحزاب والحركات للحوار واعتبرته الطريق الوحيد للخُرُوج من الأزمات التي ورّطنا فيها المؤتمر الوطني، استمر الحوار ثلاث سنوات تَحمّلت فيها تلك الأحزاب والحركات الكَثير من الإهانات وظَلّت طيلة تلك المدة تشكو وتنتقد سُلُوك المؤتمر الوطني الذي ظَلّ يُعاملها بدونية دُون أن تثور لكرامتها. الشعبي الأكثر قُوةً ظَلّ يُهدِّد بالانسحاب كلما فعلت الحكومة ما لا يرضيه ورغم ذلك لم يَنسحب، حتى تشكّلت حكومة ما سُمّي بالوفاق الوطني التي تفتقر إلى الوفاق، وجاءت النتيجة فورية فقد شهدت البلاد خلال الفترة التي تلت تشكيل الحكومة المزيد من التدهور ووصل الاقتصاد إلى مرحلةٍ مُزمنةٍ، اليوم أصبحت الأسعار ترتفع على رأس كل ساعة وكذلك العُملات الأجنبية والغلاء يطحن المُواطنين، وكلما فعلت الحكومة ما تعتقد أنّه مُعالجة زادت الأمور سُوءاً، وحتى هذه اللحظة لم تستطع أحزاب الحوار أن تقول شيئاً غير أن تتفرّج في المؤتمر الوطني وهو يقود البلد نحو الدمار الكامل، والشعبي يُهدِّد ويتوعّد ولا يُنفِّذ. نجاح أيّة حكومة في تحقيق الاستقرار الاقتصادي يَحتاج إلى الاستقرار السِّياسي وقُدرة الحكومة على إنتاج سياسات فاعلة تضع الدولة في بداية الطَريق الصّحيح، ومُشكلة السودان الآن تكمن في أنّ حكومة المؤتمر الوطني (رايح ليها الدرب) منذ أن وصلت إلى السُّلطة ولن تعثر عليه أبداً، لا لسببٍ سوى لأنّها تُعاني من خللٍ في مكونها البشري الذي لا يملك عقلية تُفكِّر باتجاه الخلاص بقدر ما تُفكِّر في البقاء بالسُّلطة مهما كلف من ثمن، فكل مسؤول ينظر لمَصلحته الشخصية ويعمل من أجلها، ولذلك كل مُحاولات مُساعدتها من الداخل والخارج لا تأتي بنتيجةٍ، فهي ينطبق عليها قول المثل (لا بترحم ولا بتخلي رحمة ربنا تنزل). أحزاب الحوار وعلى رأسها الشعبي هي التي أسهمت بشكلٍ كبيرٍ في أن يصل السودان إلى هذا الحال، فدعمها للحوار والمُشاركة فيه منح المؤتمر الوطني الزمن وإيجاد الأعذار والمبررات وإيهام الناس بأنّه ماضٍ في طريق الحل، حتى مخرجات الحوار لم يُنفّذ منها شيئاً غير حكومة مُتهالكة بلا كفاءات ولا رؤية ولا هدف.. المؤتمر الشعبي أقوى أحزاب الحوار ما زال يُهدِّد بالانسحاب وسط مُطالبات بذلك من عُضويته، ولكن تنطبق عليه مقولة من شابه أخاه فما ظُلم، الآن وصلت الأمور إلى آخر المَطاف ورغم ذلك لا يتوقّع أحدٌ من أحزاب الحوار أن تتحرّك فقد عامت مع المؤتمر الوطني.
التيار