جدل في السودان حول بعثة الأمم المتحدة لدعم الحكومة والسلام في دارفور

عاد السجال الداخلي في السودان حول سيادة البلد، مع موافقة مجلس الأمن الدولي على طلب الحكومة بتفويض الأمم المتحدة لإقامة بعثة سياسية تحت الفصل السادس، بدءًا من مايو/ أيار المقبل، ففيما رأى البعض في الخطوة مساعدة للبلاد بالخبرات الأممية المطلوبة في إصلاح هياكل الدولة المدنية وإعداد الدستور الانتقالي وتنفيذ اتفاقات السلام، اعتبر آخرون أن البعثة تعد مدخلا لانتهاك سيادة البلد وإيجاد مركز قوى جديد تستفيد منه الحكومة لإقامة توازن مع العسكر.
وتقدم رئيس الحكومة عبد الله حمدوك، في فبراير/ شباط الفائت، بطلب لمجلس الأمن الدولي، حول التفويض لإنشاء بعثة سياسية خاصة من الأمم المتحدة تحت الفصل السادس لدعم السلام. وعقد مجلس الأمن، الجمعة الماضية، جلسة عبر تقنية الاتصال المرئي، حيث وافق أعضاؤه على طلب حمدوك.
إصلاح دستوري وانتخابات
وحسب شيريث نورمان شاليه، نائبة الممثل الدائم لأمريكا في الأمم المتحدة فإن البعثة ستصل في مايو/ أيار المقبل.
وقالت في كلمتها «لا يزال القلق قائما لاستمرار انعدام الأمن في دارفور، بالإضافة إلى وقوع انتهاكات جنسية واسع الانتشار».
وبينت أن «البعثة مهمتها دعم رئيس الوزراء وحكومته المدنية، وأن الدعم سيشمل السلام، الإصلاح الدستوري، الانتخابات وإجراء التعداد السكاني».
ووفق بيان للمندوب الدائم للسودان، السفير عمر محمد أحمد صديق، فإن «السودان قد تقدم طوعاً بطلب إلى الأمم المتحدة لإنشاء بعثة تخلف اليوناميد وفقاً لخطاب السيد رئيس الوزراء الثاني بتاريخ 27 فبراير/ شباط 2020 الذي حمل رؤية كافة مكوِّنات الحكومة الانتقالية، والذي فصّل في توضيح نوع الدعم المنشود من المجتمع الدولي والأمم المتحدة للسودان بعد خروج اليوناميد، وبما ينسجم مع الأولويات الاستراتيجية للحكومة الانتقالية».
وطالب بأن «تنشأ البعثة بشكل شفاف وتشاوري يضمن المِلكية الوطنية للبعثة وتكون وفقاً لمقتضيات الفصل السادس من الميثاق»، مشدّداً على أن «أي نقاش حول الفصل السابع، أو نشر عناصر شرَطَية أو عسكرية وفقاً له، لن يكون مقبولاً لدى الحكومة السودانية».
لكن الدبلوماسي السابق في الخارجية السودانية، السفير الرشيد أبو شامة، عبّر عن مخاوفه من أن يشكل طلب حمدوك مدخلا لما سماه «الاستعمار الجديد».
وأوضح في تصريحات لصحف محلية أن «الاستعمار القديم بالجيوش قد انتهى، لكن ثمة استعمار جديد يكون عبر المنظمات الدولية التي يمكن أن تضم عناصر استخباراتية يدخلون أي بلد مزودين بأجهزة متطورة لا يمكن السيطرة عليها».
وتساءل «هل وصل رئيس الوزراء لدرجة من القنوط من الكوادر الوطنية الموجودة حتى يلجأ للأمم المتحدة؟ أين وضع السودان إقليميا ودوليا وهو الذي نال استقلاله قبل ستين سنة؟».
في المقابل، ثمن عبد الله ديدان، المستشار السياسي السابق لرئيس الوزراء، موافقة مجلس الأمن على طلب السودان، معتبراً في تصريحات لـ«القدس العربي»: أن «التخوفات من تحول ولاية البعثة الأممية الجديدة من الفصل السادس إلى الفصل السابع شبه مستحيلة، لأن البعثة أيا كان نوعها تنشر وفق متطلبات السودان، حتى بعثة يوناميد المنتهية ولايتها وفق الفصل السابع عندما تم نشرها كان ذلك وفق شروط السودان وحده».
وأوضح أن «البعثة المنتظرة لن يكون فيها أي وجود عسكري، بعكس ما يروج كثيرون، وأن وجد عسكريون سيقتصر وجودهم على الحماية الشخصية فقط للموظفين وفي حدود حركة وتسليح ومهام محددة وفي أضيق نطاق ممكن».
دبلوماسي سابق: الاستعمار الجديد يكون عبر منظمات دولية يمكن أن تضم عناصر استخباراتية
وزاد: «مجالات عمل البعثة محصورة في تقديم الدعم السياسي لإكمال عملية الانتقال السياسي وإصلاح هياكل الحكم وتطوير الخدمة المدنية وتقديم الدعم الفني المطلوب لإعداد الدستور الانتقالي وكتابته لما للأمم المتحدة من خبرات في هذا المجال والتعداد السكاني وعملية الانتخابات والتحضير لها».
وأضاف: «من الأشياء التي سيستفيد منها السودان دعم عملية السلام بشكل فني خلال التفاوض،ولكن الجهد الأكبر في استدامة السلام سيكون عبر توفير المال والخبرة الكافية لإعادة النازحين واللاجئين الذين يصلوا لنحو 3 ملايين شخص بعضهم داخل السودان، إلى جانب تقديم الدعم لعمليات التسريح وإعادة الدمج لجيوش الحركات المسلحة التي تصل لنحو 10 مجموعات فيها آلاف المقاتلين وهي عملية تحتاج لخبرات جبارة وأموال طائلة لا تتوفر للحكومة الانتقالية الحالية التي تعيش أزمة اقتصادية».
إيجاد مركز للسلطة
وكان وزير الخارجية السابق الدرديري محمد أحمد قال في مقال له، إن «الغرض الرئيسي فيما يبدو من طلب حمدوك من الأمم المتحدة بعثة سياسية خاصة هو إيجاد مركز للسلطة في الخرطوم توضع تحت تصرفه قوة ضاربة تنهي احتكار الجيش وقوات الدعم السريع للقوة المسلحة في السودان».
وزاد: «البعثة السياسية الخاصة التي طلبها حمدوك أمر دبر بليل، وهي موجهة لعدو داخل المنظومة الحاكمة وليس خارجها، وأن التشاور حولها لم يشمل الشركاء الداخليين أو الإقليميين».
لكن دبلوماسيا سابقا من الذين جرت أحالتهم للتقاعد في الأسابيع الماضية ضمن قوائم إزالة التمكين، نفى ذلك، وقال لـ«القدس العربي» رافضاً الكشف عن اسمه،: «هذا الحديث غير صحيح نحن كنا لصيقين بإنشاء هذه البعثة، ولا يوجد فيها أي مكون عسكري أو قوات مقاتلة، هم موظفون وخبراء وإن وجدت قوة ستكون للحماية الشخصية مثلها مثل القوة التي كانت ترافق غسان سلامة (المبعوث الأممي السابق) في ليبيا فهي تحمي الموظفين لكنها لا تتدخل في الصراعات الداخلية الليبية».
ولكنه استدرك «اعتقد أن القرار يستثني قوات الشرطة المنتشرة في دارفور ضمن قوات يوناميد العسكرية التي سيتم سحبها بالكامل، خاصة وأن الشرطة الأممية هناك تعمل بالتعاون مع وزارة الداخلية السودانية في عدد من البرامج إلى جانب قضايا حقوق الإنسان والانتهاكات في المجتمعات المحلية، وهي قوة صغيرة جدا تصل لألف شرطي».
وحسب كلامه «هذه البعثة تواجه الضائقة الاقتصادية التي تعانيها الأمم المتحدة بشكل عام ما أثر على صرف رواتب الموظفين الأمميين، لكن مع ذلك عمليات حفظ السلام دائما تجد الدعم المقدر من الولايات المتحدة وألمانيا والخمسة الكبار».
وأشار إلى «كبر حجم البعثة المنتظرة لأنها ستنتشر في جميع أرجاء السودان ومدنه ما يجعلها بحاجة لمكاتب ووسائل حركة وحراسة وتنسيق مع الولايات عن دورها ومهامها».
ولفت إلى «وضع الاتحاد الأفريقي الذي رعى اتفاق العسكر والمدنيين من الحرية والتغيير، حيث هناك من يرى ضرورة إبعاد الافارقة بعد تجربة البعثة المختلطة يوناميد، ومن يرى ضرورة وجود الافارقة في البعثة الجديدة».
وختم: «هذه البعثة إن ابتعد الناس عن تشويهها وإضعافها، يمكن أن تقدم خدمات كبيرة للسودان في فترة الانتقال الحالي من ناحية فنية وسياسية واقتصادية، حتى الذين يرفضونها الآن نسوا أن سيادة السودان انتهكت بشكل أبشع في السابق والآن هذه بعثة فنية سياسية وليست عسكرية، وهناك من لا يرغب بوجود دولي ضابط للمرحلة ليتثنى لهم تخريبها».
القدس العربي