لسنا في مباراة كرة قدم

*ان يلقي الجندي حتفه في ارض المعركة لا يعتبر امر غريبا وخاصة ان الحرب لم تندلع الا لتحصد ارواح الانسانية ولكن ما هو غريب ان يبتهج جنديا او مدنيا اخر بموته.
*في الحروب هنالك دوما منتصر ومهزوم .ولكن القانون الاخلاقي يلزم المنتصر بعدم اعلان ابتهاجه بمقتل الافراد الذين ينتمون للمهزوم.
*في السودان تصاعدت في الفترة الاخيرة الاحتكاكات العسكرية بين القوات الحكومية والحركات الثورية المناهضة لها في كل من اقليم دارفور وولايتي النيل الازرق وجنوب كردفان .وصاحب هذا التصعيد ارتفاع ملحوظ في نبرة الخظاب الاعلامي .فما ان تندلع معركة بينهما حتي يسارع كل من الطرفان الي اعلان “انه قتل عدد كبير من افراد الطرف الاخر” فالجبهة الثورية مثلا تؤكد باستمرار بانها “قتلت بعض القوات الحكومية ” كما ان حكومة الجبهة هي الاخري ايضا تعلن ذلك باستمرار . وتضطر قطاعات كبيرة من الشعب السوداني الي تاييد احداهما لذلك تجد التعليقات التي ترافق اخبار الانتصارات العسكرية في المواقع الالكترونية و الوسائل الاعلامية المختلفة تجدها تسعي الي تأكيد ابتهاجها بمقتل افراد الطرف الاخر. وليس غريبا في ظل هذا الوضع ان تجد من يعلن ” اقتلوا العبيد ..اقتلوا الجنجوجيد .. اقتلوا الجلابة” او من يؤكد “ديل يستاهلوا الكتل ..لازم يقتلوهم ..ريحونا منهم .” وغيرها من التعليقات التي تحرض للعنف والكراهية.
*الحقيقة التي لابد ان نضعها في الاعتبار ان “الحرب شر لابد منه ” كما ان الظلم والعنف من الاشياء المصاحبة لها .ولكن هذا لا يمكن ان يجعلنا باي شكل من الاشكال ان نتجرد من انسانيتنا فنبتهج بموت الطرف الاخر بل ونعمل علي انتهاك كرامته الانسانية .
*افراد الجبهة الثورية يصنفون ضمن الكائنات التي تنتمي للجنس البشري ..وهنالك اسباب معينة جعلتهم يفضلون خيار الكفاح المسلح .كما ان افراد الجيش السوداني او حتي المليشات ايضا يقعون في نطاق ذات التصنيف كما ان هنالك عوامل محددة جعلتهم ينفذون اجندة النظام دون وعي منهم منها افتقارهم للوعي السياسي والفكري ورغبتهم الملحة في دفع ضريبة الوطن بجانب اعتماد النظام علي قاعدة “جوع كلبك يتبعك ” والتي تجعل قطاعات كبيرة من الشعب السوداني تقبل بفكرة ان “تتجيش” من اجل الحصول علي بعض المبالغ المالية التي قد تنجيها من الفقر والحرمان .
*عندما يضطر احد افراد “النظام او الجبهة الثورية ” لقتل فرد من الطرف الاخر فهو لم يقتل الا اخيه في الوطن والانسانية وليس من المنطق ان يبتهج الانسان بمقتل اخيه .
*الحرب شر لابد منه حسب ما قلت سابقا .ولكن عندما نضطر لقتال بعضنا علينا ان نحترم ضحايانا .فبدلا من ان نقول قتلنا وسوف نقتل وانهم يستحقون ذلك علينا ان نعلن باننا قد فقدنا احد اخوتنا في الانسانية ونحن نقدم تعازينا الحارة لاسرة القتيل .وهنالك فرق كبير بين الجملتين .فقتلنا تعني بانك قتلته متعمدا اما فقدنا فهي بالتأكيد تعني خلاف ذلك باعتبار انك لا تسعي الي قتله ولكن الاقدار هي من تكفلت بفعل ذلك .
*عندما تؤكد بانك فقدت احد اخوتك في الوطن والانسانية نتيجة صراع مسلح فانك قد تقدم التعازي لاسرة الفقيد وبالتالي فقد تقنعها في ازاحة الصورة السلبية التي رسمتها لك في مخيلتها .ولكن حينما تعلن بانك قتلت احد افراد اسرتهم فانك بالتاكيد ستثيرهم ضدك حتي لو كان القتيل من الذين يتسمون بالعنف والظلم .
*ان يكون شخصا ما ظالما ومستبدا لاينزع عنه لباس الانسانية .فهو انسان غض النظر عما ظل يرتكبه ضد الاخرين من ممارسات ترفضها الاخلاق والمعاني السامية . واذا ما نجحنا في قتل ذاك الانسان فان العرف الاخلاقي يمنعنا من انتهاك كرامته او التقليل من شانه.
*في بعض الدول المتقدمة ومن شدة احترامهم للذات الانسانية قاموا بالغاء عقوبة الاعدام حتي لو كان المذنب قتل اكثر من شخص .بينما نحن في السودان لازلنا حتي الان نقاتل بعضنا والاسواء اننا نفرح لقتل اخوتنا في الوطن والانسانية لا لسبب سوي انهم يختلفون معنا في الاعتقاد والتفكير والتوجه السياسي والانتماء الاثني.
*اكثر ما لفت نظري في التعليقات الخاصة باخبار الانتصارات العسكرية ذاك التعليق الذي طلب كاتبه من القراء بالا يبتهجوا بموت الاخرين بل واعلن “لسنا في مباراة كرة قدم ” لذلك ساردد بدروي ماقاله ذاك الشخص واعلن”لسنا في مبارة كرة قدم” .
*نحن نعيش في ظل عالم ينحدر باستمرار .. في ظل وضع يتدهور من حين لاخر لذلك فالواجب يلزمنا ان نحترم بعضنا ونكرم ضحايانا حتي لو كانوا ظالمين او مستبدين . انا لا استطيع ان اطالب بوقف الحرب الدائرة الان لسبب بسيط هو انني لا املك المفاتيح التي توقفها .ولكن كشخص يؤمن بفكرة ان الانسان انسان غض النظر عن توجهاته وانتمائه ساُطالب باحترام كرامته حتي لو كان قاتلا وشريرا.
[email][email protected][/email]