أخبار السودان

تكييف المآلات الاقتصادية/الاجتماعية والسياسية لثورة ديسمبر المجيدة وأليات الحلول (5-10)

حسين أحمد حسين

3- أصحاب المصلحة في معمعان الفترة الانتقالية

3-1 من هم أصحاب المصلحة في التغيير

 في البدء دعونا نُعيِّن من هم أصحاب المصلحة في التغيير، ومن هم أصحاب المصلحة في عدم التغيير. وفي الحقيقة من واقع تحليل مضني للفئات/الطبقات الاقتصادية الاجتماعية في السودان منذ ما قبل الاستقلال إلى يوم النَّاسِ هذا (سائراً في ذلك على نهج أستاذنا Tim Niblock)، وجدتُ أنَّ الشرائح الاجتماعية التي لها مصلحة مباشرة في التغيير هي الشرائح العمالية وأرباب المعاشات وعموم المستضعفين والقوي الحيَّة الحديثة التي جسَّدها مجتمع اعتصام القيادة العامة وشرائح البورجوازية الصغيرة/المهنيين المنحازة نُبلاً وأخلاقاً وإنسانيةً لهذه الشرائح العمالية والضعيفة والقوى الحيَّة الحديثة التي تشكل اليوم 67% من سكان السودان.

 

أمَّا أصحاب المصلحة في عدم التغيير فهم أحزاب الشرائح الرأسمالية المختلفة (خاصةً الشريحة ذات الهيمنة كما يصفها قرامشي) ذات العقلية الريعية والمَنْحَى الخراجي في الاستثمار، ومؤخراً لَحِقتْ بهم العسكوطفيليات – وهي نخب العسكر المترسملة حديثاً بالفساد داخل المؤسسة العسكرية السودانية، والبورجوازية الصغيرة المتحالفة مع هذه الفئات؛ وبالتالي كل هذه الفئات لا ترغب في الديمقراطية ولا في تغيير الأنساق الاقتصادية الاجتماعية الموروثة منذ زمان المستعمر.

 

وبالتالي هذه الشرائح الاقتصادية الاجتماعية (التي أطلقنا عليها حلف القوى الاقتصادي The Power Block) هى بهذا الوصف المسئول المباشر عن كل الانقلابات العسكرية على ثورات السودان الشعبية؛ إذ أنَّ العسكر بمفردهم، وبخاصة قبل ترسمل نخب المؤسسة العسكرية، لا يستطيعون أن ينجزوا انقلاباً عسكرياً من غير حاضنة رأسمالية داخلية أو خارجية. وعليه فهي أيضاً المسئولة بالأساس عن قطع الطريق على ثورة ديسمبر المجيدة حينما همست للعسكوطفيليات بالاستمرار في السلطة وعدم تسليم السلطة لتجمع المهنيين السودانيين باعتبارهم جماعة غير ناضجة سياسياً.

 

ويحدث ذلك ببساطة لأنَّ ما نالته هذه الشرائح الرأسمالية والعسكوطفيليات بالديكتاتورية لم (ولن) تنله بالديمقراطية؛ التي من شأنها أن تمنع العلاقات الفاسدة وتمنع استغلال الإنسان لأخيه الإنسان؛ وتمنع على وجه التحديد استغلال الشرائح الرأسمالية والعسكوطفيليات للشرائح العمالية والمستضعفة والمهنية والقوى الحديثة. وبهذا المنطق، فإنَّ عدالة/تجانس واتزان وديمقراطية واستدامة معادلة الإنتاج (معادلة الإقتصاد القومي الكلية) هى الأساس المادي لأى نظام سياسي ديمقراطي مستقر، وبالتالي أىُّ اختلال فيها يؤدي إلى الاختلال في ذلك النظام السياسي، وينزع عنه صفة الديمقراطية والشرعية والاستدامة ولو بعد حين (راجع: حسين 2018).

 

ولما كانت إدارة معادلة الإنتاج بما يخدم كافة شركاء العملية الإنتاجية/الاقتصادية هي إدارة للاقتصاد القومي بأكمله ودفعه نحو تحقيق العمالة الكاملة فالثورة الوطنية الديمقراطية ولو بمعناها الليبرالي، عليه فإنَّ العمال والمستضعفين والقوى الحية الحديثة والمهنيين المنحازين لهم (كما أشرنا بعاليه وكما فصلنا في المرجع أعلاه) هم الأكثر استفادة من الديمقراطية وهم سندها الحقيقي والأحرص على استمرارها واستدامتها من شرائح رأس المال والعسكوطفيليات والشرائح البورجوازية المنحازة لهم، وذلك لأنَّها ببساطة تمنع عنهم الاستغلال والابتزاز الذي تمارسه هذا الشرائح الرأسمالية والعسكوطفيليات، بل هم حارس الديمقراطية الذي ظلَّ مغيَّباً عمداً في المشهد السياسي السوداني منذ الاستقلال وحتى يوم الناس هذا كما سنرى أدناه.

 

ولنتبيَّن مصدر الإختلال في المعادلة السياسية القائم على الإختلال في المعادلة الاقتصادية القومية منذ الاستقلال حتى الآن، سنقوم بعرض معادلة الإنتاج/الاقتصاد في صورتها المجردة، ثم نضاهيها بما يدور في واقع التشكل الاقتصادي الاجتماعي والسياسي السوداني لنصل إلى أعداء التغيير الديمقراطي الحقيقيين وإلى السبب الجوهري وراء عدم استقرار الديمقراطية وبالتالي قِصَرها (11 سنة ديمقراطية مقابل 55 سنة ديكتاتورية) في الأرينة السياسية السودانية.

 

وبالتالي إذا نظرنا إلى معادلة الإنتاج المجردة والمبسَّطة نجدها تتكون من الآتي: الإنتاج/الاقتصاد القومي = العمل + رأس المال + التنظيم + الأرض + (عوامل أخرى – كالتقدم التكنولوجي والمعلوماتية – سنضعها في الصورة الصفرية (…) للتبسيط).

 

وإذا أخرجنا هذه المعادلة من التجريد إلى الواقع – أى إلى إطار التشكل الاقتصادي الاجتماعي في السودان، فإنَّنا نجد أنَّ معادلة الإنتاج = (العمال والمستضعفين، القوى الحيَّة الحديثة، والقوى المهنية المنحازة لهم) + (رجال الإعمال، ورواد الأعمال من المهنيين المنحازين لهم) + (البورجوازية الصغيرة/المهنيون المعنيون بالتنظيم وتوازن المعادلة الكلية/القومية) + (بورجوازية الدولة وهِيَ أجسام الخدمة المدنية والعسكرية المستقلة (أو هكذا يجب أن تكون) كموظفي القطاع العام، القضاء، البوليس، الأمن، الجيش، وغيرها + (…).

 

وإذا أمعنا النظر بمايكروسكوب التحليل الطبقي للمعادلة أعلاه وبحثنا عن حرَّاس عناصر الانتاج فيها على مستوى الأرينة السياسية في الواقع السوداني، سنجد أنَّ حراس عنصر العمل (العمال والمستضعفين والقوى الحية الحديثة والقوى المهنية المنحازة لهم) مغيبون عمداً في المشهد السياسي السوداني وبمؤامرة كُبرى من قِبَل شرائح رأس المال والعسكوطفيليات وشريحة البورجوازية الصغيرة المنحازة لهم والنظام الرأسمالي العالمي منذ الاستقلال حتى يوم الناس هذا؛ بل هى أعظم سرقة سياسية في تاريخ السودان؛ وندلِّل على ذلك بالآتي:

 

(أ) (لا يوجد حزب للعمال والمستضعفين والقوى الحية الحديثة والقوى المهنية المنحازة لهم في السودان قائم بالأصالة عن نفسه منذ الاستقلال حتى اللحظة) + (توجد أحزاب للشرائح الرأسمالية) + (توجد أحزاب للبورجوازية الصغيرة يميل جُلُّها للشراكة مع الشرائح الرأسمالية خاصة في غياب حزب للعمال والمستضعفين والقوى الحية الحديثة والقوى المهنية المنحازة لهم) + (بورجوازية الدولة (بعسكوطفيلياتها) التي عليها الحفاظ على ما هو قائم في المجتمع أمام عينيها ظنَّاً منها أنَّه يمثل كل عناصر المجتمع) + (…) = معادلة إنتاج/معادلة اقتصاد كلي/قومي متحيزة لصالح رأس المال.

 

(ب) (توجد أحزاب بورجوازية صغيرة تتحدث بشكل غير عضوي باسم العمال والمستضعفين والقوى الحية الحديثة والقوى المهنية المنحازة عضوياً لهم، ولكنها على نحوٍ ما متحالفة مرحلياً لمدة 66 سنة مع شرائح رأس المال بزعم انجاز قضايا العمال والمستضعفين والقوى الحية الحديثة والقوى المهنية المنحازة لهم) + (توجد أحزاب رأسمالية قائمة بذاتها) + (توجد أحزاب للبورجوازية الصغيرة التي تعتاش على شرائح رأس المال بشكل واضح) + (بورجوازية الدولة بعسكوطفيلياتها) + (…) = عملية إنتاجية متحيزة لصالح رأس المال.

 

وتُقرأ هذه المعادلة بحسب عدد الأحزاب المسجلة رسمياً كما جاء في سودان تربيون 2014 البالغ 75 حزباً كالآتي: (صفر للأحزاب العمالية والمستضعفين والقوي الحية الحديثة والقوي المهنية المنحازة لهم) + (3 أحزاب رأسمالية) + (72 حزب وسط/بورجوازية صغيرة/مهنيون وكلها تعتاش سياسياً بالحديث عن الفقراء واقتصاديا بالتحالف مع الأغنياء) + (بورجوازية الدولة المترسملة عسكوطفيلياتها حديثاً) + (…) = عملية انتاجية متحيزة لصالح رأس المال.

 

(ج) لاستعدال هذه المعادلة المتحيزة رأسمالياً (على الأحزاب المتحدثة باسم العمال والمستضعفين والقوى الحية الحديثة والقوى المهنية المنحازة لهم أن توسع مواعينها لتشمل فعلياً كافة العمال والمستضعفين والقوى الحيَّة الحديثة والقوى المهنية المنحازة لهم؛ وتشمل حتى تلك المنضوية طائفياً تحت شرائح رأس المال وغيرها؛ أو أن تتحول إلى حزب للعمال والمستضعفين والقوى الحية الحديثة والقوى المهنية المنحازة لهم؛ أو تسكت عن التحدث باسمهم لينجلي الموقف السياسي عن ضرورة قيام حزب يخصهم ليدافع عنهم بالأصالة لا بالوكالة) + (3 أحزاب رأسمالية) + (72 حزب وسط/بورجوازية صغيرة) + (بورجوازية الدولة المفكَّكة  عسكوطفيلياتها والمنحازين لها) + (…) = معادلة انتاج/معادلة اقتصاد قومي عادلة/متجانسة ومتوازنة وديمقراطية ومستدامة، تنحو باتجاه العمالة الكاملة، فالثورة الوطنية الديمقراطية في نهاية التحليل ولو بالمعنى الليبرالي؛ وبالتالي غير متحيزة لصالح رأس المال، بل لكل فئات المجتمعً.

 

ولذلك نحتاج لرئيس وزراء منحدر من الأسر الفقيرة العمالية والمستضعفة والقوى الحية الحديثة والقوى المهنية المنحازة لهم، ليكون  قادراً علي إدراك واقع الاقتصاد القومي المتحيز رأسمالياً وبالتالي قادراً على معالجة هذا الاختلال، وواعٍ لمتطلَّبات المرحلة؛ التي تتلخَّص في أن يكون للعمال والمستضعفين والقوى الحيَّة الحديثة والقوى المهنية المنحازة لهم في السودان حزب يخصهم، ويدافع عن حقوقهم بالأصالة لا بالوكالة؛ وذلك فقط (وأكرر فقط) لجعل الاقتصاد القومي عادلاً ومتجانساً ومتوازناً وديمقراطياً ومستداماً وغيرَ متحيِّزٍ لصالح رأس المال فقط، بل لكلِّ فئات المجتمع.

 

أقول ما أقول بخاصة، لأنّنا وجدنا أنَّه حينما تتقاطع مصالح العمال والمستضعفين والقوى الحيَّة الحديثة والقوي المهنية المنحازة لهم، مع مصالح أحزاب البورجوازية الصغيرة المتحدثة باسمهم فقط والمتحالفة مرحلياً مع غريمهم لانجاز مصالحهم لمدة 65 سنة، فكثيراً ما تنتصر أحزاب البورجوازية الصغيرة هذه لمصالحها على حساب مصالح العمال والمستضعفين والقوى الحيَّة الحديثة والقوى المهنية المنحازة لهم.

 

فمثلاً، حينما ضيَّقت الانقاذ الخِناق على الشعب السوداني، هاجر معظم أفراد البورجوازية الصغيرة المتحدثة فقط باسم العمال والمستضعفين والقوى الحية الحديثة والقوى المهنية المنحازة لهم (بمن فيهم كاتب هذا المقال)، وتركوا العمال والمستضعفين والقوى الحيَّة الحديثة والقوى المهنية المنحازة لهم، يواجهون مصيراً قاسياً من الظلم والقهر والاستغلال والمسغبة والمرض الذي أوصلهم إلى مرحلة عدم القدرة على الحياة  (Life Dysfunctioning) في كثيرٍ من الأحيان.

 

والملاحظ في إطار المناقشات التي دارت/وتدور مع لجنة البشير/البرهان الأمنية، فإنَّ البورجوازية الصغيرة في إطار قوى الحرية والتغيير (قحت) المتحالفة باطنياً مع شرائح رأس المال والعسكوطفيليات، بدأت تميل لقبول معادلة الاقتصاد القومي المتحيِّزة رأسمالياً في إطار نموذج الحكم المدني – العسكري القابضة عسكوطفيلياته على السلطة والاقتصاد منذ الحادي عشر من أبريل 2019. وعلى عكس ذلك، فالبورجوازية الصغيرة المنحازة للعمال والمستضعفين والقوى الحية الحديثة والقوى المهنية المنحازة لهم، كانت ترصد من موقعها الطبقي الطليعي والمستنير انحراف النموذج المدني – العسكري عن أهداف الثورة،  وكانت ترصد انقلاب لجنة البرهان الأمنية المنجَّم منذ بواكير ظهوره.

 

وعليه هذه الأوضاع تتطلب أن تكون للفئات العمالية والمستضعفة والقوى الحيَّة الحديثة والقوى المهنية المنحازة لها (أصحاب المصلحة الحقيقيين في التغيير المدني الديمقراطي في كل السودان) حزبها القائم على أمرها (أكرِّر) بالأصالة لا بالوكالة لأغراض خلق نموذج اقتصادي متوازن وغير متحيز رأسمالياً. ومن الممكن أن يكون هذا الحزب هو حزب الحرية والتغيير كما اقترحه بروفسير بشرى الفاضل، ومن الممكن أن نسميه أيضاً الحزب المدني الديمقراطي كما قال بذلك أستاذنا عمر يحى الفضلي (أو حزب العمال والقوى الحديثة كما اقترحه شخصي الضعيف)؛ غير أنَّ المهم في كل ذلك أن تضم هذه المسميات العمال والمستضعفين والقوى الحية الحديثة والقوى المهنية المنحازة لهم، بالقدر الذي يرفع إسهامهم في السياسة السودانية من عتبة النقابات الفئوية ولجان المقاومة إلى عتبة الأحزاب السياسية ويرفع إسهامهم في الجانب الاقتصادي لمرحلة خلق نموذج اقتصادي متوازن وديمقراطي ومستدام؛ وبالتالي نكف عن استغلال أصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير مرة واحدة وإلى الأبد.

يُتبع  …

[email protected]

 

تعليق واحد

  1. ان شاء الله بعد سقوط لانقلاب
    المدنية دي حتبقى 700 سنة لقدام بل الى الابد ان شاء الله

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..