من يُطفئ الحرائق؟

لن نغرق في شبر موية الانتقادات التي توجه هذه الأيام لمدير جامعة الأحفاد البروفيسور قاسم بدري، ليس لأن تصرفه كان عادياً ولا يستحق النقد والاستهجان، بل لأن هناك قضايا مُلحة وهي الأهم، والأجدر بالتناول الصحافي وتنظيم الحملات الإعلامية أكثر من غيرها، وهذا بالطبع ليس تقليلاً من شأن القضايا الأخرى… لكن من الطبيعي أن يستعصي على الكاتب تناول أي قضية قد تبدو من “النوافل” في ظل أخريات يكون تناولها بمثابة أداء “الفرض”،إ ذ لا يمكن أن أهتم بأداء النوافل وأترك الفرض، لذلك سنغض الطرف مؤقتاً عن قضايا كثيرة ونحن نرى الأسواق تقدحُ ناراً تحرقُ أيدي كل من تسول له نفسه شراء ضروريات الحياة من مأكلٍ ومشربٍ ودواءٍ وكساءٍ… فليس سهلاً على المرء أن يكتب عن قضايا ثانوية، وهو يرى ألسنة لهب الغلاء تمتد إلى بيوت العوائل السودانية التي لا حول لها ولا قوة وتحرق كل ما ادخرت من حصاد السنين والرهق، بينما الحكومة سادرةٌ في غيِّها وضلالها القديم، والدولار يواصل ارتفاعه ليبلغ الـ “35” جنيهاً كما حدث أمس السبت… في رأيي قضية الغلاء الطاحن، وفوضى السوق والانفلات الحاصل في أسعار السلع هو أهم قضية تشهدها الساحة السودانية أكثر من التهديدات الأمنية التي تتراءى من جانب مصر وأريتريا…
صحيح أننا نرى في الضفة الأخرى أن الحدود مع أريتريا تشتعل، وطبول الحرب تصدر أزيزاً كما المدافع، واحتمالات المواجهة العسكرية قد تبدو واحدة من الاحتمالات الواردة وإن كانت بنسبة أقل، ورغم أنها واحدة من الشواغل التي تستفز الكاتب لما لها من آثار، وأبعاد أمنية، إلا أنها ستظل الأدنى درجة من الفوضى التي تعيشها أسواقنا الآن من تصاعد الأسعار وموجة الغلاء، فالأمن القومي والاستقرار سيبدأ بالأمن الغذائي واستقرار الأسر ومعاش الناس، وإلا سينفلت زمام الأمور وتبدأ ثورة الجياع الذين سيواجهون المدافع بصدور عارية وبطون خاوية…
أقول ذلك ليس استخفافاً واستهانةً لما يجري بالشرق، ولكن هناك حقائق لابد من الإشارة إليها وهي أن مصر لن تجرؤ على مهاجمة السودان، إلا إذا كانت لديها حسابات تخالف الطبيعة والمنطق وحقائق الأشياء، وقد تُكثر مصر من الجلبة والحركات “البهلوانية” ومظاهر الحشود قبالة أريتريا وذلك للاستثمار في المخاوف الخليجية مما صورته القاهرة على أنه تهديدات تركية تنطلق من سواكن السودانية، وذلك لكسب بعض “الريالات”، ولهذا فإن التهويش المصري على الحدود يبدو أن المقصود منه عرب الخليج أكثر من الخرطوم، إذ لابد من تخويف تلك الدول وإيهامها بالخطر التركي لاستنزاف بعض مواردها للصرف على الجيش المصري في أريتريا..
لذلك ستظل عندنا قضية الغلاء وفوضى السوق هي الجرح النازف القاتل الذي يحتاج بشكل عاجل إلى التطبيب والمعالجة، وستظل هي الشاغل ومحور تناولنا حتى ينصلح الحال ويُستكمل “نقص القادرين على التمام”، لكوننا ما زلنا على يقين أن كثيراً من الأزمات مفتعلة، وبإمكان صانعها أن يجد لها الحلول…
..اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
الصيحة