العيد وافى تفيض ايامه حزنا دفينا وتتوشح لياليه دمعا ثخينا

الى اولئك التلميذات الصغيرات اللاتى لا تزال صرخاتهن ترن فى الآذان حينما تهاوت بلوكات حجرة الدراسه وحيطان مدرستهن على رؤوسهن واضحين ? باذنه تعالى- شفيعات لوالديهن.. والى الثلاث وعشرين من اليافعين واليافعات الاطهارضحايا الجشع واكل السحت والخداع الذين كان كتابهم المسطور تحت امواج بحيرة السد المشؤوم..ذلك الحائط المسى زورا بهتانا بالسد الذى لا ارضا روى ولا زرعا انبت ولا ضوءا اضاء ولا ظلمة ازال.. السد المأزوم الذى بدأت ازماته منذ بدايات انشائه وقيل عنه ما قيل و استعصى عليه توليد الكهرباء منه الآ اذا ولج الجمل فى سم الخياط ! فكان وبالا ونقمة على اهل المنطقه بما جلبوا لبنائه من اموال الربا التى لم توجه الى ما جُلِبت من اجله.. توزعها القوم فيما بينهم سحتا وكل اهل السودان يسالونه تعالى ان يدخلها عليهم “بالساحق والماحق والبلاء المتلاحق”.. ومن جهل وصلف من ظلوا يرددون فى عبط وعبث “ارّد بالسد” وقد شيدوا من حوله من الابنية زبدا سيذهب جفاء لا ولم ولن ينتفع به الناس.. منشآت ظلت وما تنفك خاوية على عروشها ينعق فى ارجائها البوم متناسين ان الانسان هو الاعلى قدرا عند رب العباد والاغلى قيمة لدى من يعدّهم المتاسلمون المهاجرون الى الله هم اهل الكفروالالحاد وظلوا فى طغيانهم وعنجهيتهم يعمهون لا يدركون ما عليهم من مسؤوليات جسام تجاه مواطنيهم الذين ادّعو انهم جاءوا لآنقاذهم.. ليه ما شيدوا لهؤلاء الايفاع الاطهارولومدرسة واحدة?تقيهم مغبات العبورالى الضفة الاخرى كل صباح على مركب مهترىء بين امواج موسم الفيضان. وقد ظللت ابحث فى كل قواميس العجم والعرب ما يتناسب للتعبيرعن الفاجعة الاليمه من كلمات عزاء للنفس ولاهل الضحايا الباكين ولكل محزون على رحيلهم من اهل السودان المحزونين ومن شاركهم الاسى الدفين وامتلآت مآقيهم دموعا مدرارة ربما تشفى الى حين ولكنها لن تجدى مهما طال الزمان وتوالت السنين..فانى بما كان لى من مواقع القيادةعلى التعليم قبل الثلاثين من حزيران ولى من مشاعر واحاسيس المعلمين الذين احبوا وتعشقوا التعامل مع بنى البشرعامة ومع الطلاب على الاختصاص .. القدر الوفير.. وتستخفنى بسمة الاطفال مثلما يغمرنى الاسى والحزن وتدمع عيناى مدرارة على رحيل الكبارمن الاهل والاصدقاء والاحباب ناهيك عن الصغارالذين لم يعرفوا من الدنيا الا البراءة والطهر والنقاء وصفاء السر والسريره.. اخاطب تلك الجثامين التى ينتظرالاهل والاقارب طفوها على سطح الامواج.. اجساد الايفاع الابرياء الذين وان تغيرت وتبدلت ملامحهم ألا ان على وجوههم تظل سيماء الطُهروالوداعه وتكاد تنطق السنتهم فى براءة تمزق نياط القلوب “ايه اللى حصل دا وليه يحصل وما ذنْبنا! هل لأن اباءنا اصروا على البقاء فى موطن اجدادهم ونحن تقبلنا العبورالى دراستنا كل يوم صاغرين يحدونا الامل فى استشعارالمسؤولين ويقيموا لنا مع حائط السد مدرسة على مقربة من اهلنا نسعد فيها بمواصلة الدراسة فيها مثلما سعد فى سوابق ازمان حكم اهل الكفروالالحاد الوالى ومساعدوه والوجهاء وكبار رجال دولته بدراستهم فى ظروف هى بكل المقاييس كانت افضل واحسن..
دعونى اقول لكم ايها الاحباب الصغار الاطهار يا من جلستم فى سوابق الازمان على حجورالثكلى من امهاتكم وتعلقتم على اكتاف آبائكم والسروريلفهم وتغمركم البهجة والافراح انقل اليكم ما جرى بعد ان انقلب بكم المركب البئيس.. لهف نفسى عليكم وقدامتلآت بطونكم من مياه الدميره وتقطعت انفاسكم وتوقفت قلبوبكم..يا الطاف الله..جاءت الانباء الحزينه الى الآباء والامهات وانتقلت الى مدرسيكم ومعلماتكم .توقف نبض الحياة فى كل موقع..فى ديارالاهل والجيران الذين اندفعوا فى جنون الى حافة البحيره بين دموع الامهات وصرخات العمّات و”حى ووب”الخالات .وتجمدت مشاعرواحاسيس الصغار من اخوانكم واخواتكم لايدركون ماذا حدث ومابال القوم يتصايحون ويتساءلون عن مواقيت عودتكم حالما انتصف النهار..والآباء واولياء الامورفى ذهول يسارعون بين المكذبين للخبرالفاجع الاليم وبين الرافعين اكُفّهم الى الله ضارعين لا يسألونه رد القضاء ولكنهم يطلبون منه اللطف فيه.. اما على الضفة الاخرى فقد خرج زملاؤكم ورفيقات دربكم الذين كنتم تهرعون للقائهم كل صباح مع معلميكم ومعلماتكم .. خرجوا جميعا لا يلوون على شى منطلقين منتحبين..ومقاعدكم مع السبورات التى ازدادت توشحا بالسواد لاذت بالصمت والسكون داخل فصولكم..واكيد ستتوقف احاديثكم واقاصيصكم عن ساعات دراستكم وتخمد حركة معدات العابكم الى زمان يطول وقد انتزعتكم ايدى المنون من بين ايدى الآباء والامهات و المعلمين لكنها من المحال ان تنتزعكم من قلوبهم وافئدتهم ووجدانهم وانتم لا تزال حياتكم اشجارا تفيض اخضرارا وتتطلع الى نضج ثمارها لتكونوا ذخرا لاهليكم وللسودان..
رحلتم جميعا وكانكم اخترتم لأنفسكم زمان رحيلكم وتوافقتم علي تنفيذ النداء الالهى ايها الاحباب فى لمح البصر.. ثلاثة وعشرون كالانجم من ابناء واحفاد وبنات وحفيدات اهلنا المناصير وثلاثة نجيمات اخريات قلذات اكباد من يعيشون على تخوم عاصمة البلاد..طيورالجنان الملائكة الاطهار..براعم – يا للحسرة – فى اكمّتها ذوت..رحلنم حين “انجزت المنايا فيكم وعيدها واخلفت الآمال ما كان فيكم من الوعد” و”اهديناكم الى الثرى حين شِمنا الخيرمن لمحاتكم وآنسنا من افعالكم آية الرشد”..”حرّاقه وفرّاقه يا دارالكدر..معروف سرورك ما ندر” وتركتم عن غيرقصد من اى واحد منكم – فى نفوس اهل السودان لوعة فى القلوب وغصّة فى الحلوق وزفرات حرّى فى النفوس..نفوس من سعدوا بوجودكم بينهم آباء وامهات ومعلمين ومعلمات.. يذكرونكم “ما حنت النيب فى نجد” وما لاح بدر او نادى المنادى بالاذان وما رنت الاجراس فى كل صرح تعليمى وقف فى ارجائه طابور الصباح.. رحيلكم ايها الاحباب بسبب اهمال المسؤولين وتقاعسهم عن القيام بواجباتهم يؤجج فى القلوب الْسِنَة النيران الثائرة – التى لن تخمد – على كل من كان سببا او شارك فى حدوث الفاجعة العظيمه.. وبدون مراعاة لحال الاهلين عموما ولمشاعر الآباء وا حاسيس الامهات على وجه الخصوص.. قال سنقوم ببناء مدرسه على اراضى القريه الباكية الحزينه.. بعد ايه؟ وليه ما تم بناؤها من قِبل..و قال ايه قال تبرع بعُمرة “المُحرّم” لآباء وامهات الضحايا..وحج لهم فى العام القادم!..هل عمرة اوحج عام قادم (اذا طالت الآجال وصدقت الوعود وألآمال) تفضّل بهما من كانوا السبب فى رحيل فلذات الاكباد.. تطفىء نيران رحيل واحد او واحدة من الصغيرات ناهيك عن خمسة منهم لأب مكلوم وام ثكلى رغم ان رجال المناصير ونساءهم لديهم من الادراك الواعى ما يجعلهم يتقبلون المصاب بالصبرالذى لا مفر منه..العزاء لكم اهل المناصيرولكل اهل السودان جميع ولا حول ولا قوّة الآ بالله العظيم.