الصين إلى أين (2/2)؟!

كما تلاحظ هذه المجموعة أن الإصلاح برمته قد إنحرف نحو الرأسمالية و نشأت بسببه مشاكل جديه? كثيرة .. و يشيرون في هذا الصدد إلى أن المشاريع الخاصة أصبحت تمثل القطاع السائد في الاقتصاد ? إذ تصل إلى(70%) من إجمالي الدخل القومي ? و من المتوقع أن يستمر توسع القاع الخاص ليستمر القطاعات الحيوية لصناعة البترول و السكك الحديدية و القصاء? الجوي و حتى الصناعات الأساسية التي تمس الدفاع الوطني ? و يرتبط هذا التطور في القطاع الخاص مع الإنحدار المستمر للقطاع العام? و ينتج عن ذلك تفاوتاً رهيباً في الدخول ? و منذ عام 1995 وصل التفاوت في المداخيل إلى مستويات عالية فاقت البلدان النامية كالهند و إيران و إقتربت من البلدان الرأسمالية الرئيسية ? وتعكس هذه الأرقام حقيقة أن النظام الإجتماعي في الصين أصبح يتصنف بالفارق الكبير بين الأغنياء و الفقراء و بين سكان المدن و القرى? كما أن هناك إستقطاب طبقي حاد ? لقد إبتعدت الصين و تراجعت عن ? هدف الرفاه للجميع ? و تقدمت خطوات في إعادة الحياة الرأسمالية بكل شرورها إلى الصين ?
و تضيف هذه المجموعة ملاحظة جديرة بالإعتبار ? و هي أن التوسع الرأسمالي في محاولات الصناعات و البناء و مناطق التجارة الحرة في الصين قد أضعف قوة العمل ? و يشيرون إلى أن الشركات الصينية و الأجنبية الخامدة لا تلتزم بقوانين العمل، بل تستعمل بعض الأساليب الإدارية المختلفة التي تصادر حقوق العمال النقابية بما في ذلك من حق التنظيم و الأحزاب و المساومة الجماعية ? و بهذه الطريقة تحرر هذه الشركات العمال من إمكانية الدفاع عن حقوقهم بالشكل الجماعي ? كما أنه يرتد بالصين سنوات إلى الوراء مجال الحقوق النقابية و العمالية? و ينتهي الأمر بالعمال إلى أن يكونوا الضحايا في مذبحة إقتصاد السوق الإشتراكي ? و تجب الإشارة أن الإتحاد الرسمي ? إتحاد عموم عمال الصين ? أصبح لا يمثل كل القطاعات العمالية ? كما أصبح دوره محدوداً في عملية الإدارة و التخطيط عكس ما كان عليه الحال قبل عام 1978 ? و تسيطر الفئات البيروقراطية على الإدارة في كل من القطاعين الخاص و العام .. و بالتالي تنعدم الديمقراطية ?
أما المشكلة الأكثر خطورة و التي سيكون لها آثاراً وخيمة في هزيمة المشروع الإشتراكي برمته في الصين? هي التغير الذي طرأ في بنيان الحزب الشيوعي الصيني منذ 1978? فبمنظور الفئات البرجوازية و الرأسمالية في المجالات الاقتصادية أثناء التحولات الأولى في الصين تجاه سياسة السوق ? إستطاعت مجموعات لا بأس بها من التسلل إلى عضوية الحزب و الزحف إلى قيادته ? و بعد أن أصبحت سياسة الخصخصة هي السياسة الرسمية للدولة الصينية ? أدى ذلك إلى أن كل أعضاء الحزب الشيوعي الذين كانوا في قمة إدارة مشاريع الدولة ? و الذين إستفادوا من سياسة الخصخصة ببيع العديد من المشاريع التي تملكها الدولة إلى مديري هذه المشاريع ? و هنا تم تحول كبير ? إذ أصبحت المشاريع العامة و بعض الصناعات الرئيسية ملكية خاصة و أصبح أعضاء الحزب الموظفين السابقين في الدولة إلى رأسماليين ? و هذه هي الشريحة الأكثر قوة في الطبقة الرأسمالية الجديدة التي برزت في السنوات الماضية ? و تشير التطورات أنه ربما كان لهذه الفئات دوراً في تغيير و تنازل الحزب الشيوعي الصيني بتعديل نظامه الداخلي بإلغاء الفقرة التي ترفض إستغلال أعضاء الحزب للعمال .. بالطبع لقد فتحت قيادة الحزب الشيوعي و منذ 1978 أقام هذه الفئات لنيل عضوية الحزب خارقة بذلك النظام الداخلي للحزب ?
و الجدير بالذكر أن الفئات البيروقراطية التي كانت في قمة أجهزة الدولة في بلدان أوروبا الإشتراكية السابقة هي التي لعبت دوراً مهما في فشل التجربة الإشتراكية ? و هي نفس الفئات التي ورّثت الأنظمة السابقة في الجانبين الاقتصادي و السياسي ?
يمكننا القول ? إستناداً لما سبق ? إن عملية ?الإصلاح? التي تتم في الصين تحت? القيادة الحالية للحزب الشيوعي قد إنحرفت عن المسار الثوري لحركة التقدم الصينية ? و إتجهت إلى خدمة التطور الرأسمالي ? و الفشل الرئيسي في الإنحراف عن الإشتراكية هو عدم الإلتزام بالمبادئ الأساسية التي قادت الثورة الصينية منذ بدايتها ? إن ماركس الذي أشار إلى نهاية الرأسمالية القائمة على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج و حلول الإشتراكية القائمة على الملكية العامة لوسائل الإنتاج ? ? لم يغفل عن صياغة مبدأ عام يحدد آلية تشغيل الاقتصاد الجديد? و هي التسيير الذاتي ? و تطبيق هذا المبدأ كفيل بتحقيق أمرين مهمين في مصير التجربة?. أولهما أن تطبيق مبدأ التسيير الذاتي في المؤسسات الإنتاجية و المشاريع و الإدارية ? يسد الطريق على نشوء البيروقراطية? التي كان ماركس يدرك جيداً مخاطرها و تحذر منها في ضوء دراسته للرأسمالية ? فإختيار العاملين في كل مؤسسة ? بحُرية? كاملة للهيئة التي تشرف على سير العمل ? و التي لا تعود ملكيتها لأي كان و إنما للمجتمع برمته ? مع الحق بنزع الثقة منها أو من أي من أعضائها ? وفي كل الأوقات ? إذا لم يبرروا الثقة الممنوحة لهم ? لا يترك مجالاً لنشوء البيروقراطية ? أما في التطبيق العملي في الصين اليوم ? كما كان في التجربة الإشتراكية في أوربا ? فقد إستعرض عن مبدأ التسيير المؤسسات الإنتاجية ? و الشيء الثاني أن تعميم هذا المبدأ في كل مؤسسات المجتمع كله? و من المسلم به أن وأد الديمقراطية السياسية الذي واكب النموذج السوفيتي كان له دور مهم في إنهيار تلك التجربة ? خصوصاً في حرمان المجتمع من كشف النواقص و التجاوزات الخطيرة في عملية البناء الاقتصادي ? الاجتماعي ? و يبدو أن القيادة الصينية رغم إنحرافها عن المسار الإشتراكي لازالت تتبع نفس الأسلوب في حجب مبدأ الديمقراطية و حق النقد الذاتي .
و في جانب السياسة الخارجية لدولة الصين فيبدو أن التحول الداخلي نحو الرأسمالية قد إنعكس سلباً على دور الصين كدولة و حزب في المساهمة في النضال ضد الإمبريالية و التضامن مع نضال الشعوب ضد العدوان الإمبريالي و هجوم النظام الرأسمالي على الديمقراطية و حقوق الطبقة العاملة في بلدان أوروبا ? و بديهي أن الصين ? عضو مجلس الأمن الدائم للأمم المتحدة ? و التي كانت في أحياناً كثيرة أثناء وجود الإتحاد السوفيتي تقف مؤيدة لحق الشعوب في إستقلالها و الدفاع عن أراضيها و حقها في إستقلال مواردها الطبيعية و تحرير إرادتها في التطور المستقل و التحرر الوطني و الاجتماعي ? قد تقاعست عن ذلك الواجب و لم تعد القوة التي تعتمد عليها حركة التحرر الوطني العالمية ? و تمشياً مع سياسة الإصلاح و الإنفتاح الرأسمالي تشارك الصين الآن في منظمة التجارة العالمية و صندوق النقد الدولي و البنك الدولي ? و بالتالي أصبحت الصين عضواً في المؤسسات المالية الرأسمالية ? و تنشط الشركات الصينية العابرة للقارات في فتح أسواق جديدة للنظام الجديد في الصين في أنحاء العالم .
قد يكون هناك أملاً في إعادة تسليح الحزب الشيوعي الصيني بالوسائل الماركسية و فكر ماو ? لكن يبقى الوصول إلى ذلك الهدف في أيدي الماركسيين الصينين و الطبقة العاملة الصينية ? و ذلك لن يتم إلا بإستعادة القطاع العام لدوره السائد في الإقتصاد و تفعيل القوانين التي تحد من الخصخصة و توسيع سلطة مجلس الشعب ? و زيادة ممثلي العمال و الفلاحين و إستعادة دور المنظمات الجماهيرية في التخطيط و المراقبة و التنفيذ و صيانة الحزب و أجهزته القيادية من تغلغل الكوادر الرأسمالية ?.
الميدان