أخلاقنا.. سلطة المجتمع وسلطة القانون

هل تفشي مظاهر الفساد الأخلاقي وانتشار المخدرات وسط الشباب يعني فشل المشروع الحضاري وفشل برامج تزكية المجتمع بعد أن حظيت بكل هذا الزخم الإعلامي والسياسي الكبير ونالت حظاً وافراً من الاهتمام التنفيذي والتشريعي خلال السنوات الماضية..؟ هل تحتاج الإنقاذ إلى عملية إعادة تقييم لهذه المشروعات والسياسات، لمعرفة الأخطاء واكتشاف الخلل..؟
هذه أسئلة أساسية ومهمة نتواجه بها حين نطالع الأخبار والأرقام التي تتحدث كل يوم عن حاويات مخدرات يتم ضبطها في الموانئ والمنافذ ومثل ما كشفت عنه وزارة الداخلية السودانية يوم الأربعاء من ملامح تقارير وأرقام مزعجة وهي تتحدث عن تفشي الجريمة وتحريك نحو 300 حملة يومياً بهدف منع الجريمة، وقولها على لسان الفريق السر إن قوات الشرطة السودانية تقوم بضبط 900 شخص من المروجين والمتعاطين وتجار المخدرات بشكل يومي، عبر حملات التفتيش من قبل شرطة أمن المجتمع.
هذه أرقام مزعجة تستوجب وضع تساؤل أو تعليق محبط أمامها يقول: وما الفائدة من كل برامج الإنقاذ الموجهة نحو تقويم سلوك المجتمع، وتبني مشروعات استنزفت ما استنزفت من وقت وجهد ومال، وكانت تعبر عنها شعارات توجه الدولة نحو إرساء قيم وأخلاق الإسلام في المجتمع ومحاربة الظواهر السالبة وتوجيه اهتمامات الشباب نحو قيم الخير والبناء والحث على السلوك القويم؟..
أين إنتاج هذا المشروع وأين هي نتائجه؟.. هل لا يزال مجتمعنا في مرحلة تلقي العلاج؟، ولماذا تطول فترة العلاج لهذا الحد طالما أننا مجتمع مؤسس على أرضية أخلاقية إسلامية، وله قيمه وأخلاقه المعروفة؟ ..
هل هو ميزان رقابة القانون مقابل رقابة المجتمع؟.. أي أن المجتمع السوداني في عهود سابقة حين لم تكن هناك قوانين خاصة بتربية المجتمع وأخلاقياته، لم يكن يخلو هذا المجتمع السوداني من كل الظواهر السالبة لكنها كانت محصورة في شرائح معروفة تمثل نسبة طبيعية من السواقط في كل المجتمعات وهي النسبة التي لا تأبه كثيراً برقابة المجتمع ولا تحرص على إيفاء شروط التقييم الجيد من المجتمع. فكانت نسبة مقدرة منهم ينخرطون في ليالي المجون وجلسات الخمر، ثم تغير الأمر حين تحولت الرقابة عليهم من مجرد الرقابة الاجتماعية الى الرقابة القانونية فلجأوا إلى خيار المخدرات التي لا يكون من السهل اكتشاف من يتعاطاها في وسط المجتمع .
يمكننا أن نقبل نفي الجهات الراصدة لهذه التغيرات أن تكون النسبة، أي نسبة الفساد الأخلاقي قد زادت، لكن ربما غير أصحابها مسارهم فتحول الكثير من شاربي الخمور إلى تعاطي المخدرات ووجد فيها بعض الشباب المنحرف خياراً غير مفضوح اجتماعياً وصعب الاكتشاف قانونياً بالمقارنة مع تعاطي الخمور مثلا ًالتي يسهل التعرف على متعاطيها بالملاحظة، وبنفس المستوى تحولت النسبة المفترضة من الممارسات غير الشرعية ومظاهر الدعارة الى خيارات جديدة .
لكننا حتى ولو سلمنا بعدم وجود زيادة كبيرة في النسبة العامة للفساد، وهذا على سبيل الافتراض فقط، فسنظل أيضاً نزعم أن النسب على الأقل لم تتناقص وبالتالي تظل تلك التساؤلات حول نتائج المشروع الحضاري التي طرحناها في بداية المقال تلح في طلب الإجابة ..
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين
اليوم التالي