الي أبي في عليائه

بسم الله الرحمن الرحيم
الي أبي في عليائه
(يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي)
صدق الله العظيم.
الموت حق والحياة كذلك، ورغما عن ذلك يظل سؤال الموت وكنهه مسألة ليست محيرة فقط، ولكنها تجربة لأ تعاش إلا من خلال الحدوث الفعلي، وعندها لا معني للسؤال؟! أي الموت خارج المنطق ويتعالي علي قدرة التفكير وغرور المفكرين! ويحيل الي التعامل مع ظاهر الظاهرة، والسبب أنه معني بمسألة الروح، العصية بدورها علي التفسير او المعرفة!! والمؤكد أن الموت يترك أثر عميق من الحزن في الدائرة المحيطة بالميت، وهو أثر يخترق النفوس ويضغط بثقله الهائل عليها، بل يعتصرها إعتصارا. في تناسب طردي مع علاقة الميت بأفراد هذه الدائرة المحيطة، سواء أكانوا آباء او أبناء او أحباب او أصدقاء او حتي من تجمعهم قضية او مبدأ عام بالميت. هذا من جانب، ومن الجانب الآخر، حضور الميت في الذاكرة الحية، كسلوك فردي وكإنجازات علي المستوي الخاص او العام، فهذه كما أسلفنا تلعب بدورها دورا كبيرا في فداحة الأثر وعمق المصاب وصعوبة التأقلم مع الغياب.
وعموما فقد الأب او الأم بصورة خاصة، يجعل الحياة أقل متعة وأمان! ولو أنه يجبر المصاب علي رؤية الحياة بشكل مغاير! او رؤية الحياة والموت والمصير برؤية أكثر عمقا وأقل غرورا وتباهٍ! ومن الأشياء الغريبة، لم يخطر ببالي لحظة، مسألة موت أبي او أمي او أحد إخوتي، إلا كخاطرة سوداء، سريعا ما أتخلص منها، حتي لأ تفسد علي لحظتي او تعكر مزاجي، وهذا إذا لم أقل أنها تصيبني بإحساس الذنب! وكنت أظن واهما، أن الحياة ستستمر علي هذا المنوال، الي متي لا أعلم ولا رغبة لي في العلم؟! حتي أصابني قدر الموت في أبي، وكم كان وقعه صادما مرا أليما لا يوصف، يحمل طابع الغدر والمباغتة! وبقول آخر، يأتي الموت دائما بطريقة غير متوقعة او في لحظة تشعر وكأن الحياة فعل أبدي! وأن ما تراه من موت الآخر القريب في محيط بلدك او حلتك او معارفك او البعيد عبر شاشات التلفزة، ما هو إلا فعل مسرحي، ينتهي بمجرد إنتهاء وقع هول الخبر او مراسم العزاء!
كان أبي من طينة البسطاء الطيبين الزاهدين. وقد يري الكثيرون في آباءهم النماذج الخيرة، او تختلط عليهم مشاعر البنوة، بالتقييم الحقيقي او الموضوعي في الحكم علي الآباء، وأحيانا يتداخل نازع البر او التقدير البديهي لهم او مشاعر الفقد والحرمان في هذا الحكم! ولكن(مشترك ايضا بين الجميع!) أبي وبعيدا عن التحيُّز الي المشاعر الأسرية والروابط العائلية. كان نسيجا متفردا، ليس علي المستوي العام او الأداء العام او الحضور الطاغي الإجتماعي او العائلة الممتدة، فهذا لم يكن ملعبه الذي تميز فيه. ولكن علي المستوي الشخصي، أي كإنسان لم يعش البساطة فقط، ولكنه تمثلها دون تكلف او دراية، أي كفطرة او سجية لم يجتهد في السعي إليها! ولكن المؤكد أنه عبر عنها بطريقة نموذجية او معيارية. ومارس الزهد في كل شئ، لدرجة تجبرك علي التساؤل هل لأبي رغبات ومتطلبات كالآخرين؟! ففي حضرة أبي لا تشعر بشموخ الزهد فقط، ولكنك تشعر وكأنه خلق ليعطي فقط! أي كنبعٍ صافٍ، يرتاده الشاربون دون أن ينتقصوا من ماءه شيئاً. والعطاء هنا ليس بمعناه المادي الضيق، ولكن علي المستوي الإنساني الشامل! فهذه البساطة في الحياة والزهد في مغرياتها، او الرضا بما تعطيه دون شعور بالغضب او التأفف، او مجرد الرغبة المجردة من أمل في المزيد او تحسين الأوضاع الخاصة، تتخلل كل مسيرته في الحياة! بل تشعر في حضرة أبي بحالة من التوازن مع الطبيعة لوجاز التعبير! أي مثل الجبال والأشجار والأنهار في تعاملها او إستجابتها لتصاريف الزمان وتقلبات القدر! فأبي لأ تعرفه إذا كان مفلسا وهو الغالب بحكم وظيفته او يمتلك الكثير، ونادرا ما كان يمرض او يشكو او يتذمر او يلعن الدنيا وسوء الحال، وهي أشياء كنت أراها وأسمعها علي الدوام من الدائرة المحيطة الضيقة او الواسعة، بل كنت أحسها علي المستوي الشخصي، وأنتمي بإخلاص لروادها ومدرستها! خصوصا ونحن أبناء دولة لا يستقيم معها إلا الكدر والنواقص والعجز عن التمام وتوقع الأسوأ كل صباح! بل حتي ردة فعله تجاه الأنظمة الباطشة التي إنتظمت مسيرتنا السياسية وحكمت أغلب تاريخنا الوطني الحديث، نجده يتعامل معها كأقدار الحياة او كأمراض مزمنة يمكن التعايش معها حتي الشفاء منها صدفة او آليا او عن طريق الفناء.
كنت نادرا ما أختلف مع أبي علي العكس من أمي! وذلك ليس بسبب قلة موارد الخلاف، وهو أمر متوقع بحكم إختلاف الأجيال والتعليم والتجارب والرغبات او النظرة العامة لكل الأمور والأشياء! ولكن السبب الأساس هو الحياء من أبي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخري وهو الأهم، تنازله حتي عن آرءه او حقوقه او أملاكه في سبيل إرضائي او إرضاء من يختلف معه! ولذلك كثيرا ما كنت أعتبر الخلاف مع أبي أعظم كلفة نفسيا ووجدانيا، قبل ان يكون عقليا او واقعيا! خاصة مع إنسان كنت أصنفه بيني وبين نفسي، أنه يحلق في مرتبة الإحسان وليس العدل! وذلك ليس علي المستوي الديني او الفقهي او الخوض في تعريف الإحسان والعدل ومكانة العبد من ربه. ولكن بمعني، أن الإحسان مرتبة تتجاوز العقل وتتسامي علي المعقول، وإحتمال تتعامل مع الأرواح في شفافيتها وإطلاقها، علي العكس من العدل، فهو أقرب للمنطق والعقل والواقع الأرضي المعاش، وهو الأقرب لعامة الناس بما فيهم مفكريهم وعلماءهم، بمعني خذ حقك وأعطِ الآخر حقه! وهذه المرتبة التي كان يتمتع بها أبي من وجهة نظري الشخصية، وبمنطق القرب والتقييم الذاتي والجهل بالدوافع والملابسات وليس بمنطق الغيب وملابساته التي قد تستقيم معها تلك المرتبة! والتي قد يصنفها منطق العدل أحيانا بالسلبية!! قد أباحت لأبي أن لا يمتلك أي حقوق، او حقوقه أن ينال الآخرون كل شئ، أما هو فإذا تبقي القليل فله فيه رفاه وإلا فالعدم قمة مبتغاه! ما يهمه فقط أن يذهب الي فراشه وليس له مع الآخر ضغينة، او شبهة مشكلة مع أي أحد ومن أي نوع!
عمل أبي بقطاع التعليم، يوم كان للتعليم هيبة وقيمة، وللمعلم كرامة ودور إجتماعي فعَّال. وسلخ فيه أنضر سنين عمره، قبل أن يحال الي المعاش، وينتهي به المطاف كادحا من عمل يده في الأسواق! وأكثر ما أعجبني في مسيرة أبي التعليمية، ليس طيبته فقد كانت مبذولة في كل مكان يرتاده، ولكن عدم ركونه لأساليب التدريس التقليدية الروتينية، وميله لتطريز حواف العملية التعليمية الأكاديمية الجافة، ببعض الملح والطرائف وتأليف الأشعار الخفيفة الوصفية الكوميدية من البيئة المحلية. وأيضا كراهته للجلد والعقوبات الجسدية ونفوره من مرتكبيها، بل وتعاطفه مع الطلاب والحؤول دون تطبيقها إن أمكنه ذلك، او كما قيل لنا من بعض معاصريه. ولكن ما سبب لي الضيق والحنق والغيظ ولو بأثر رجعي في مسيرته تلك، وهو ما كنت أعتبره إستغلالاً لأبي ولطيبته، خاصة عندما يحين كشف التنقلات! وخصوصا عندما يقذف به من ريف الي ريف، وهو ابن المدينة الصغيرة. بل أحيانا يحل محل رافضين او متحايلين علي كشف التنقلات(حيطة قصيرة) وهو باسم راضٍ! والمؤسف أن ذلك تم في سني نضارة الخدمة المدنية، او ما يسمي بالخدمة المدنية الزاهية، التي مازلنا نبكي عليها بمرارة!! وذلك ليس إنتقاصا من قدر الأرياف فدولتنا كلها ريف! ولكنه مسلك يطعن في قيمة العدالة وكرامة ونزاهة عذرية الخدمة المدنية المقدسة!! فهذا المسلك من الأمور التي لأ يمكن بلعها بأي معيار!! ولكن لأبي معاييره الخاصة التي لا نعلمها! وعموما فقد كان قليل الكلام عن كثير من الأشياء والإستفسارات الشخصية، فكان يكتفِ بالصمت او تغيير الموضوع، فنعلم نحن عدم رغبته في التفسير، فنسكت عن السؤال المباح!! رحمك الله يا أبي فقد ذهبت بالكثير من الأسرار والقليل من الأجوبة؟!
أما عن مساحة الحرية التي أتاحها لنا نحن أبنائه، فهذا ما يثير الحسد من الغير، ويناقض طابع الدولة وطبائع المجتمع المحيط! الذي يمثل فيه الأب رمز السلطة والقهر والكبت او الإستبداد، وهو ما ينعكس في شكل ممارسات السلطات الحاكمة والتقاليد الإجتماعية المتحكمة، او البيئة الثقافية الطاغية علي الواقع الماثل والتاريخ المتطاول! فقد كان أبي يترك لنا حرية التصرف والإختيارات، وهو في هذا المسلك لا يتبع قواعد ديمقراطية مستحدثة او شرائع دينية متسامحة، ولكن تشعر وكأن الأمور بين يديه إنسيابية تتآلف مع طبائع الأشياء، أي قوة الدفع الطبيعية هي التي توجه الأمور او سمها الفطرة السليمة، لتقريب الحالة وتسهيل الوصف. ولكن هنالك إستثناءات تتزامن مع إرتكاب بعض الأخطاء، ولكنها علي كل حال لا تصل حد التعنيف الجاف المذل او الضرب يوما من الأيام، وكان أقصي ما ينالنا من عقاب، هو نوع من الحدة غير المعهودة. فنعلم بدورنا كمية الجرم وعظمة الذنب الذي أقترفناه وهو لعمري عقاب أقسي من الضرب! إذا علمت أعزك الله، مدي حرصنا علي أبعاد كل ما يضايقه او يسبب له أي نوع من تعكير المزاج! وعموما لم يكن يستسيغ كثرة اللوم والتقريع او الجفاء المستطيل، لذلك سرعان ما يعود لهدوءه المعهود وصفائه النبيل المحير وضحكته الخفيضة، التي تحمل مشاعر الطيبة والرضا أكثر من علامات الفرح والسرور! وهي مشاعر وعلامات عجزت كل أهوال الزمان عن تعكيرها او تغيير خط سيرها، ولله في خلقه شئون! ولكن من الأشياء التي تهزم ثباته وتقلق مزاجه وتثير حيرته وتجعله في حالة أقرب للإضطراب، عندما يدب الخلاف بيني وبين أمي او بيننا كإخوة، فتجده هاما قلقا وفي حالة ذهاب وإياب بيني وبين أمي او بيننا كإخوة، حتي تنقشع سحابة الغضب وتعود المياه الي مجاريها، ليعود له صفاءه المعهود والسكون الممتع الذي يعشقه، ومن حسن حظه أن لحظات الخلاف والخصام لا تزيد عن بضع ساعات او قد يكون هو السبب الأساس في إزابة الغضب وإعادة الأمور الي نصابها، وهل يجوز الخصام والغضب في حضور هيبة الطيبة وسلطان البساطة والنقاء! سامحنا يا أبي فقد كنت تستحق منا تقدير أكبر وبر أعظم، يتجاوز رتابة التقدير اليومي و برودة الإحترام المكرور!! فإذا كنت عائش، فلا معني لهذا الطلب، فقد كنت متسامحا بطبعك لينا سهلا بسجيتك! ولكننا لأنعلم بيقين ما يدور خلف الغياب، ولو أننا أكثر إطمئنان وأقل جذع علي مصيرك، بشهادة عشرتنا لك وإستمتعانا بوجودك وأبوتك، ولا نزكيك علي الرحيم العالم بكل شئ غفار الذنوب مضاعف الحسنات والأجور.
ومهما فصلت في حسن شمائلك وطيب معشرك ودماثة خلقك، فإن كل ذلك يتضاءل عند وصف العلاقة التي تجمعك مع زوجك أي أمي، فهذه لوحدها كانت نسيج متفرد من الوفاء والمودة والرحمة والصبر الجميل علي صدمات العشرة وتجسير الخلاف او النظرة المتباينة لأمر من الأمور او مطلب من المطالب العصية علي الأنجاز المستعجل! وهذه العلاقة الغريبة العجيبة كانت أكثر ما يلفت نظرنا ويثير حيرتنا نحن أبنائه! ناهيك عن الآخرين! وكنا نردها لخدمة أمي لأمه عندما كانت عائشة. ولكن المؤكد أن ذلك يرجع لأبي بشكل حصري ودون حسابات مسبقة، وذلك إتفاقاً مع طبعه السهل ورغبته في إرضاء كل الناس. وكانت هذه العلاقة مثار تعليق كل من يتصل بأسرتنا الصغيرة عن قرب، الشئ الذي دفع صهرنا للإفصاح عن أمنيته في توثيق تلك العلاقة في شكل فيلم او مسلسل، لصعوبة وصفها او تقدير حجم هذه الرابطة او كنه متانتها او كما قال! والحق يقال أن أبي كان اللاعب الأساس والمحرك الفعلي لهذه الآصرة الفريدة. ولو كنت طالبا من أحد أن يسجد لأحد لطلبت من أمي وإخوتي وشخصي أن نسجد لأبي!!
عموما الحديث عن النفس او الأشخاص المقربين، قد يكون ممل وغير مرغوب، خصوصا من علي منبر جماهيري او إعلامي عام، وفي ظل أوضاع أبسط مايقال عنها أنها كارثية وتتطلب الجدية والعمومية وتتضافر الجهود، لتعديلها وإقالة عثرتها! ناهيك أن الآخرين يكفيهم ما هم فيه من هموم!! ولكن يخفف الأمر، أن هنالك نماذج من الأفراد او الجهات او العلاقات، تستحق أن يسلط عليها الأضواء، وذلك ليس للعبرة والإعتبار والتوثيق المستحق فقط، ولكن في الأساس للتأكيد أن هذه الحياة ورغما عن إحباطاتها وإنكساراتها وخذلان بعض رموزها المقدرين! إلا أنها تستوعب كوكبة مضيئة ورياحين فواحة ومعطرة للفضاء الإنساني رغما عن مغموريتها! لتؤكد أن الخير والقيم الإنسانية الحقة والخلق القويم، بل الإنسانية بمعناها الواسع التي تستوعب ليس الآخر المختلف فقط، ولكن قبل ذك كل الأشياء أي التصالح مع البيئة الشاملة باحياءها وجماداتها! وأبي كان من هذه الطينة، بشهادة كل من عرفه او تعامل معه، وبحرقة بكاء اللصقين به او حسرة كل من سمع عنه. وأعتقد أن هذا يشفع له ان يشغل جزء من مساحة الإعلام وزمن القراء ومساحة معتبرة من وجدانهم وحيز إهتماهم. وأن يعلم الآخرون جزء من شمائله وقليل من خصاله الكريمة، التي مؤكد أنها تتقاطع مع خصال آلاف من الآباء البسطاء علي أمتداد تضاريس وخرائط وساحات بلادي! الذين لا تعلم أجهزة الإعلام الرسمية عنهم شئ! لأن أقصي ما تسعي إليه هو التحشيِّد الرخيص الذي يستثمر في أوجاعهم بالأمنيات والوعود الكاذبة الرخيصة! والحق أنها لا تشبههم ولا يشبهونها، ويسوءهم أن يجاوروا هذه المسوخ التي تعتليها بالذعيق والكذب والتدليس! وأين هي المساحة التي يمكن أن تمنح لهم؟ وهل ترك القادة والحكام الفاشلون والإعلاميون المنافقون فرصة او مساحة ولو صغيرة لهم؟!! وقد سدوا كل المنافذ والفضاءات الإعلامية، التي يدفع ضرائبها وتكاليف تشغيلها هؤلاء البسطاء!! ولكن واقع الحال يقول هؤلاء البسطاء، هم القادة الحقيقيون والأبطال المجهولون، الذين إذا لم يمنحونا سوي مساحة الود والتسامح والتصالح مع الحياة والآخر لكفاهم هذا!! وداعا أبي، وداع يمتزج فيه الحزن علي الفقد، بالسعادة علي أنجاز رحلة الحياة بهذا القدر من السمو والتواضع والشموخ. وداعا وفي البال ذكراك ماثلة وأقوالك ومواقفك حاضرة ومستديمة. وحسرة أليمة وحزينة تكمن هنالك، في أعماق العمق، حيث لا يد تصل او لسان يعبر او حروف تبين او دموع تخفف وقع المصاب!!
وأخيرا
يظل الموت صنو للحياة، ونهاية حتمية لكل أبن أنثي، ولكنه أيضا دعوة بطريقة غير مباشرة، للتمسك بالحياة وإكمال المشاريع الناقصة والأحلام الغير متحصلة، وكما أنه فرصة للتريث من عناء الحياة والإنغماس الأعمي في تفاصيلها المتشعبة والمغرية علي التغافل والتغلغل في جوف آمالها اللانهائية! وهذا غير أنه صدمة عصية علي الإحتمال! والسؤال الصعب، هو كيف يمكن تحويل الموت الي روح لتجديد الحياة وتعظيم قيمتها؟! او ما هي الآلية التي تثمر الحياة سواء إستعداد للموت او إتصالاً شفافا بالأموات، من غير المرور ببرزخ الأحزان المستديمة واللهو المترهل؟! وبتعبير آخر، كيف نعيش الحياة برشاقة وحيوية وإنتباه!!
يا مالينا ثبات من عندك
فجعت غيبتك صباح الطلة
والأيام الزاهية بقربك
عاد الليلة (مُعبة) دموع
طالت بينا دروب الحسرة
من يوم ضيك
أصابو خفوت
ما طعم رحيلك
ومر نار فقدك
وحات ذكراك
غلبو يفوت
اللهم الرحمة الواسعة والمغفرة الشاملة لأبي، عدد مداد كلماتك وزنة عرشك، اللهم وأطب مرقده في جوارك، وأجعله في رفقة حبيبك وحبيبنا المصطفي (ص) وأجعله اللهم من لحظة موته لصيقا بالمصطفي وصحبه لأ يفارقهم طرفة عين الي أبد الآبدين. والرحمة والمغفرة تمتد لكل الأموات، والشفاء العاجل لكل المرضي، الآباء والأمهات علي وجه الخصوص، والإنعتاق والتحرر لكل شعوب الأرض المقهورة، فالحياة علي قصرها لأ تحتمل فساد الدكتاتوريات وتسلط المستبدين، إنا لله وإنا إليه راجعون.
رحم الله والدك ياستاذ واسكنه فسي جنانه ووسع له فى قبره وأواه مع الصديقين والشهداء من أهل الرفقة العظيمة . وعوضكم فيه خير العوض وجمعكم معه تحت ظلاله يو لا ظل الا ظله – لقد كفيت ووفيت بهذا المقال الفلسفى الثقافى ىالدينى الرفيع واناغ لله واناغ اليه راجعون
على حمد ابراهيم
الأخ عبدالله .. رحم الله والدك رحمة واسعة واسكنه الفردوس الأعلى مع النبيين والصديقين ةالشهداء وحسن اولئك رفيقا .. لقد قرأت المفال الجميل اكثر من مرة لأنني فقدت والدي العزيز في مثل هذه الأيام من العام الماضي ..وجدت في مقالك الكثير مما ذكرته في المرحوم والدك يكاد ينطبق تماما على المرحوم والدي وكأنك كتبت المقال على لساني لذلك سال دمعي فياضا وانا أفراؤه .. الرحمة لجميع موتانا والشقاء العاجل لمرضانا ويسلم قلمك الجميل ودمتم ..
رحم الله والدك ووالدينا جميعاً يا عبد الله – فعلا لقد عبرت عن حقيقة بقولك (وعموما فقد الأب او الأم بصورة خاصة، يجعل الحياة أقل متعة وأمان! ولو أنه يجبر المصاب علي رؤية الحياة بشكل مغاير! او رؤية الحياة والموت والمصير برؤية أكثر عمقا وأقل غرورا وتباهٍ!)- لقد مست هذه العبارات الصادقة ما لمسته في نفسي بعد وفاة أبي عليه وعلى أبيك الرحمة ومازلت أعيشه، فقد تغيرت نظرتي للحياة بعد فقدان والدي الذي أفقدني طعم الحياة وعدم قيمة البذل والنجاح الذي كنت لآ أرى قيمته إلا أمام والدي وكأنني كنت أفعل ذلك من أجله ورضائه وافتخاره بي وما يتبع ذلك من رضائه ورضا الله علي وبفقدانه فقدت من أهدي إليه نجاحاتي وتفوقي في الحياة ولعلها هذه بداية المرحلة في العمر لكي أحل محل أبي بالنسبة لأبنائي فنقنع بما مضى ونحال إلى إلهام لأبنائنا لكي يجتهدوا ويبدعوا إرضاء لنا وينجحوا في حيواتهم كما كان آباؤنا مصدر إلهامنا وحافزاً لنا في خوض غمار الحياة بكل ابتلاءاتها.