رجل ادين له بالكثير الكثير

شوقي بدري
كلما اسمع شخصا يسئ الى كل الشيعة ويكفرهم ، يصفهم بالرافضة اغضب اشد الغضب . اذا كان هنالك بعض الشيعة يسيؤون التصرف او يعطون صورة غير جيدة عن الاسلام فهنالك الملايين من السنة يجعلون الدنيا في هذا الكوكب غير صالحة للحياة . هل دعى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الى دين يعرف بالسنة ام أن كل من يقول لا الله الا الله وأن محمد رسول الله هو مسلم وأن الله سيحاسبه في يوم القيامة حسب عمله ، ام هل الجنة حكرا على اهل السنة ؟ جمعني الله باخي سعيد العلوي طيب الله ثراه . صحبته تركت اجمل الاثر على شخصيتي تبعني وستتبعني الى القبر ، له الرحمة .
كثيرا ما كان يخالجني احساس بأن سعيد لم يخلق لعالمنا، كان مختلفا جدا عن الجميع وربما لهذا لم يتأقلم مع عالمنا في بعض الاحيان . نقاءه طيبته وبعده عن الحقد الكراهية او اضمار الشر لاى من البشر او حمل ضغينة حتى الى من اساء اليه جعلته في بعض الاحيان خارج عالم البشر الذي لا يخلو من الشر الذي لم يعرفه سعيد طيب الله ثراه .
اتصل بي الاخ جعفر حسن السلمان الذي انا في اتصال به غير منقطع ، وكان معه محمد ابن الغالي سعيد العلوي . فبعد انتقال سعيد الى جوار ربه تم فتح جواله ووجدوا صورتين تجمعاني مع الحبيب سعيد العلوي قبل اكثر من نصف قرن . احسست بالجمال والوفاء الصادق الذي كان مثالا لعظمة رجل كبير يستحق كل الحب والاحترام . عندما يكرم الله الانسان يجمعه بمن هم خير منه : كان هذا حالي مع سعيد. رحم الله اخي سعيد العلوي الذي ادين له بالكثير الكثير .
كنت اذهب مع بعض الطلبة من افارقة وغيرهم بحثا عن عمل كان الجميع يجدون العمل ويتم رفضي. قال لي صديقي هيرمان الامريكي الاسود وصديق سعيد أن شكلي يوحي بأنني قد اشتبك في معركة لاقل استقزاز ، ولا داعي لتوظيفي . الميناء كان يقبل الجميع . نأتي في الصباح ويعطونا العمل. واذا لم يتوفر العمل ننصرف . ومن العادة انه عندما يتوفر العمل نعمل ساعات طويلة. والاجر كان جيدا . المشكله أن لوند بعيدة عن البحر ولهذا اضطررت للرحيل الى مالمو . وافترق طريقي من الحبيب سعيد ، كنا لا نفترق ولا نجلس الا ملتصقين ببعضنا رحم الله اخي سعيد . نهاية الاسبوع كانت تجمعنا دائما. وبالرغم من الشلة الكبيرة من امريكان جمايكيين يوغوسلاف الخ كنت وسعيد مكملين لبعضنا .
كتبت موضوعا تحت عنوان البحرينيون ،، الحلوين ،، قبل سنين عديدة.
اقتباس
البحرينيون (الحلوين) .. بقلم: شوقي بدري
السودانيون عادةً يصابون بصدمة عندما يصطدمون بالعرب لأول مرة . لأنهم يكتشفون أن الاباء ، الاخاء والنخوة والشهامة والعشائرية والتضامن والعزة والكرم , هذه اشياء توجد فقط في داووين الشعر في اغلب الاوقات . ونظرة السودانيين للعرب لاتزال ساذجة ورومانسية..
في شرق اوربا اكتشفنا أن الدهنسة , ومسح الجوخ وتقديم الرشوة والدوس على الآخرين والتقرب من المسئولين, من السمات المعروفة عن الطلاب العرب إلا من رحم ربي . كانت البعثات تباع وتشترى . وكل بسعره , الطب والهندسة أعلى سعراً . وكان السكن المميز عادةً يكون من نصيب الطلاب العرب . مسكن الطلبة بودلي في براغ 4 كان مكونا من اربعة عمارات , ثلاثة للطلاب والرابعة للطالبات . وكل مسكن مكون من خمسة طوابق . كانت الغرف صغيرة . وفي كل غرفة يتواجد ثلاثة من الطلبة . ولكن الغرف في الأركان كانت أوسع حجماً بنسبة خمسين في المئة . وهذا يعني عشرين غرفة في كل مسكن .وهذه الغرف تعرف بي روهاك باللغة التشيكية وتعني الركن . وفي كل غرفة تقريباً , كان هنالك عربي . وفي بعض الاحيان يكون هناك طالباً عربياً واحداً او طالبين فقط . وكل هذا يحدث عن طريق الرشاوي والهدايا في شكل جوارب نسائية من الغرب أو مشروبات أو ملبوسات مثل الجينز الامريكي الذي لم يكن متواجداً في شرق اوربا.
عندما حضرت الى السويد من شرق اوربا , كنت قد كفرت بالعلاقة مع العرب . كنت اتوقع كل ما هو سيئ من العرب . وكان مسكن الطلاب البيت العالمي أو الانترناشونال هاوس مليئ بالطلبة العرب , والأجانب . فالسياسة كانت ان يكون 50 في المئة اجانب , و50 في المئة سويديين . والمنزل في شارع داق همرشولد . ولقد افتتح المنزل داق همشولد سكرتير الامم المتحدة السويدي , الذي اغتيل في حوادث الكنغو في سنة 1961 . وكانت هنالك مجموعة من الطلبة البحرينيين في ذلك المنزل. والغريبة انه في تلك الفترة كان هنالك 21 طالباً من البحرين في جامعة لوند . وكان هنالك بعض الطلاب العرب والآخري . وأظلمت البحرينيين عندما نظرت اليهم بفكرتي عن العرب التي اكتسبتها في شرق اوربا . وكانت مواقفي عدائية مخجلة نحوهم في البداية. ولكن بسرعة جدا اكتشفت انهم من طينة اخرى . فلقد كانوا بجد حلوين . وتعرفنا نحن الطلبة السودانيين على الوجه الاخر من العرب .
البحرينيون يتمتعون بذكاء فطري , وروح جميلة , ومقدرة هائلة للتعامل مع الاخرين وتقبلهم . وما يميزهم بحق هو تواضعهم وبساطتهم .
في الاسبوع الاول في ديسمبر كل سنة احتفل مع نفسي بعيد ميلاد العزيز سعيد العلوي . فهو مولود في 6 ديسمبر وهو يكبرني بسنة في العمر . وأردد القصيدة التي كان يحبها اكثر وكان يرددها , وكنت قد سمعتها منه لأول مرة . والقصيدة تقول على ما أذكر : (اريد ان اقبل شلحتك … وأشرب قهوتك … والباب موصود داخل غرفتك) . سعيد كان فناناً ورساماً . و روح جميلة . وكل ما اعيد ذكراه واقارنه بالآخرين اكتشف شيئاً جميلاً وحلواً .
انتقلت مع سعيد وسكنا في شقة حديثة مكونة من ثلاثة غرف . وكعادة السودانيين احتلوا الشقة . وكان الضيوف يحضرون من الدنمارك وتمتلئ الشقة بالسودانيين . وسعيد يرحب بهم ولا يتضايق ابداً . بالرغم من ان الشقة شقته وله نفس حقوقي . الا ان السودانيين كالعادة وهم اطباء ومهندسون وطلاب ومبعوثون وزوار يتعاملون مع الشقة وكأنها شقة شوقي فقط . وليس هناك اي انسان في الوجود, كان سيتقبل هذا الوضع سوى سعيد العلوي. كان يردد يا ضيفنا اذا زرتنا تجدنا نحن الضيوف وانت رب المنزل .
أذكر ان الاخ حسن عريبي من كوبنهاجن سأله مرةً : (انت ساكن عند شوقي) . فقال له سعيد بكل بساطة: (لا , في الحقيقة انا ساكن معاه) . ولم يغضب . وقتها كان سعيد يحتاج الى الراحة والهدوء , لأنه كان قد تعاقد مع بروفسيور سويدي , والسويدي كان متخصصاً في اغاني الغوص البحرينية والتي كان يرددها البحارة والغطاسين. سعيد الذي عمل بالتدريس قبل حضوره للسويد ، كان من المفروض ان يسجل كل الكلمات في الاغاني وكان يردد سماع اشرطة ضخمة. بعض الاشرطة غير واضحة وكان من الصعب التقاط كل الكلمات وكتابتها قبل تقديمها للبروفيسور السويدي . عن طريق سعيد العلوي تعرفت على الحياة القديمة في البحرين . وتطور المجتمع وتفاعله . ومثل اغلب البحرينيين كان سعيد فخوراً بتايخ البحرين القديم , والفقر والضيق الذي كان بارزاً في حياة الفرد في البحرين قديماً . وكان يحكي لي عن المجتمع البحريني القديم الغوص معانته ، اخطاره وعلاقة البشر . كان يحثني على الكتابة لأنني بعد اصدار روايتي الأولي (الحنق) توقفت عن الكتابة .
سعيد كان يعمل في مطعم هوتيل لنديا الفاخر . وفي أحد الأيام كان الفندق يحضر عشاءاً خاصاً لكبار المسئولين وشخصيات عالمية . وذهبت سيارة خاصة لتحضر الطعام من مطار مالمو . وسعيد كان يضحك ويقول لي : (تصور ان الطعام الذي احضرناه من فرنسا كان عبارة عن محار) . و يضيف سعيد : (لقد كنا نأكل المحار في البحرين في ايام الفقر والجوع . وكانت والدتي تشدد علينا ان لا نخبر اي انسان اننا اكلنا المحار . لأن العادة ان المحار يفتح بحثاً عن اللؤلؤ , ولكن لحم المحار لا يؤكل في البحرين . ومن المضحك ان السويديون يستوردون المحار في حاوية خاصة مبردة بالطائرة , ونحن نطرح المحار ونتخلص منه, ولا نأكله الا مضطرين. ونختشي من ذكر اكله . أن الدنيا عجيبة يا شوقي) . سعيد كان عميقاً وفيلسوفاً .
أحد الأبناء السودانيين عمل مع عراقي شيعي , قبل سنوات . وكان له متجراً في وسط مدينة مالمو، وكان يعامل الجميع بتعالي . وعرفت انه يعتبر سيدأ و هذا يعني انه من البيت العلوي ( اشراف ) . ثم عرفت ان السيد هو من والده من آل البيت وان والدته من غير ذلك . وأن هنالك درجة اعلى وهي ما عرف بالعلويين . وهو الشخص الذي والده ووالدته من آل البيت . فتذكرت صديقي سعيد العلوي . وقلت لنفسي لقد كان يسكن معي أحد العلويين ولم يشعرني ابدا بأنه مترفع عن الآخرين . كان حلواً بسيطاً متواضعاً. كان بحرينياً بحق وحقيقة . كانت الابتسامة لا تفارق شفتيه ولا يهمه فلس أو ضيق . ككل البحرينيين الذين كانوا طلبة هنا كان يمارس أي عمل بدون تردد او تأفف . ولم اسمعه ابداً يفتخر بحسبه ونسبه . يتحدث عن مشاكل البحرين القديمة والحديثة بحميمية صادقة . يتحدث عن ظروف اعتقالاتهم السياسية في معتقلات الستينات . يتحدث عن قسوة الجنود البلوش . وكيف كانوا يهتفون في المعتقلات البلوش وحوش, وكيف كانوا يتعرضون للجلد . وكل هذا بدون هيلمانه و بدون نسب اي بطولات لنفسه . سعيد كان يتقبل افريقيتي وعدم عروبيتي . و لم يكن الامر يضايقه , على عكس العرب الآخرين الذين يتضايقون عندما نقول لهم اننا لسنا عرب بل سودانيون فقط .
سعيد كان حالة خاصة من تجليات الحب الصدق والوفاء ..
من الاشياء المميزة عند البحرينيين هي خفة الدم و استيعاب النكتة على عكس الكثيرين . سعيد كان رائعاً في رواية النكتة. وقال لي في احد المرات انه حكى نكتة للأخ موسى عبد الرحمن عثمان وهو سوداني من أولاد العباسية في امدرمان , وابن خال تؤام الروح بله رحمة الله عليه . وكان هذا في مقهى الطلبة الكبير فأنفجر موسى بقامة اهله الدينكا العالية , وصوته العالي في ضحكة لفتت كل المقهى . حتى العاملين توقفوا ونظروا اليه . كان يقول لي موسى يتذوق النكتة لكن المشكلة ان على الانسان ان يختار المكان . او ان يحكي الانسان النكتة في مكان عام ويهرب . الاخ ممون يوسف المامون كان يحضر لنا كثيراً , وكان زائراً شبه دائم في شقتنا . وكان يستأنس بسعيد ويحب رفقته . وسعيد كان بارعاً في استنباط أكلات خفيفة . وأكلته المفضله كانت البيض بالبطاطس . أو سندوتشات الطماطم والمارتديلا بالجبن , التي يخرجها ساخنة من الفرن . وكان مامون يحبها لدرجة الجنون ..
سعيد كان يحثني في بعض الاحيان على صنع الملوخية السودانية . وكان قد رفض فكرة الملوخية في الأول . وكان يحسب أنها الملوخية المصرية التي نذوقها في القاهرة . ولكن عندما تذوق الملوخية السودانية المسبكة باللحم الكثير , صار يقول لي ان الانسان يجب أن لا يتسرع في الحكم . لأنه كان يحسب ان الملوخية السودانية هي الملوخية المصرية . كما كان يذكر لي أنه كان عنده فكرة خاطئة بأن مصر والسودان تتشابه في كل شئ .
وفي احد الايام ذهب سعيد لزيارة مامون في مسكنة في المسكن الطلابي والمسكن عبارة عن عشرة غرف في ممر طويل ومطبخ كبير مشترك . فأقترح مامون عمل نفس السندوتشات الساخنة فأفهمه سعيد بأن الموضوع غير ممكن لان ليس عندهم فرن . فأراد مامون ان يصنع تلك السندوتشات بعد أضافة المارتيدلا في محمصة العيش العادية . فأحتفظ سعيد برقته ومعقوليته المعهودة قائلاً : (أن السويديين سيحتجون لان المحمصة ستتلوث بالجبن السائل وستصدر روائح غير مستحبة) وقال مامون وكأنه لا يزال في حي الموردة في امدرمان : (مالو اتكلموا حا اشاكلهم) ويقصد انه سيتشاجر معهم . فأنسحب سعيد بكل بساطة واخذ دراجته وحضر الى شقتنا . وبعد ايام بعد ان عرفت بالقصة سألت سعيد عن سبب انسحابه و عدم اخباري بالقصة . فقال لي ما معناه نحن اجانب في بلد السويديين , كيف نسيئ التصرف واذا اراد اصحاب البلد ان يلفتوا نظرنا يكون الرد مشاجرة.
أحد المبعوثين السودانيين كان يسكن في مجمع اسبارطا الضحم في جامعة لند . وأرتبط بصداقة مع سعيد وتصادف سقوط هذا الشاب في الدرج . وعانى من اصابة في رأسه . وسعيد كان يعوده دائماً . وبعد احد تلك الزيارات وفي طريقة الى حيّنا (لينارو) الذي لم يكتمل تشييده , وكان بعض الاماكن مليئة بالحفر . سقط سعيد من دراجته . والدراجة في لوند هى وسيلة مواصلات البروفسيرات والطلبة . وفي الصباح كانت يده قد تورمت . فأخذته الى المستشفى . وتألمت عندما اخبرني الطبيب ان هنالك عظم صغير لا يزيد عن مليميترات , يتواجد بين اليد والساعد , وان هذا العظم انكسر وهذا شئ لا يحدث ابداً . وتألمت . وتقبل سعيد الأمر ضاحكاً قائلاً ما معناه اما ان اكون انا على كمية من النحس , أو انني شخص مميز , ينكسر فيّ عظم لا ينكسر ابداً . وعانى سعيد من الجبص لفترة طويلة . وسعيد كان يضحك وتقبل الأمر ولا يشكو ابداً كعادته. وصلتي بسعيد لم تنقطع ابداً الى الآن . وعندما عمل في مجلة مصنع الدرفلة في البحرين كان يبعث لي بالمجلة ويراسلني . وتنقطع مراسلاتنا في بعض الاحيان . ولكني اذكره دائماً كأحب واجمل الاصدقاء .
كان هنالك طالب باكستاني ضئيل الجسم . وكان البحرنيون يشيرون اليه , بصاحب سعيد . وكان الباكستاني كثير الحركة , ويتواجد في كل مكان . وكان سعيد يقول انه يرتاح لرؤيته لأنه الشخص الوحيد الذي يمكن لسعيد ان يتغلب عليه في معركة جسدية . و طان كان سعيد بعيداً عن العنف .
في كتاب حكاوي امدرمان ذكرت الاخ جعفر حسن السلمان . وفي فترة الطلاب اظن ان جعفر كان اشهر طالب في لند . ولا أظن انه سيأتي طالب في يوم من الايام ويحظى بتلك المكانه . وكان الجميع يعرفه بيافا. وكما قال جعفر انه لو واصل سكنه سنتين اضافيتين , لصنعوا له تمثالاً في وسط مدينة لند الجامعية . جعفر كان كثير الانتشار وعمل كديسك جوكي وهو الشاب الذي يشغل الاسطوانات ويعلق عليها في الديسكوتيكاهات . كما كانت له مغامرات ومؤامرات . وكما اوردت في كتاب حكاوي امدرمان انه ارتبط بالسودانيين وفي فترة بسيطة اتقن اللهجة السودانية لدرجة وانه صار يقنع كثيراً من السودانيين بأنه سوداني . وكنا نقدمه للسودانيين الجدد بجعفر من امدرمان, ويصدق البعض عندما يبدأ جعفر بالكلام بلهجة امدرمانية خالصة . وكان لماحاً و يجيد المقالب . سعدت عندما عرفت أنهم قد جعلوا احد الطلبة العرب يشرب مقلباً رائعاً . وذلك الطالب كان ثقيل الظل متغطرساً . وأفهمه الاخوة البحرينيون بأن مطعم استيكات في وسط المدينة الذي هو عبارة عن برج حصن قديم , ويزين مدخله درع فارس وبخوذه مثل فرسان القرون الوسطى . وتحدثوا عن أن المطعم كان يريد ان يوظف شخص قوي البنية, لكي يلبس ذلك الدرع ويستقبل الزبائن . وان جعفر سيتقدم لتلك الوظيفة . وسارع الطالب العربي بالذهاب الى المدير ومارس بعض الدهنسة ومسح الجوخ وزكى نفسه كالشخص الملائم لتلك الوظيفة , التي لم يكن لها وجود في الحقيقة .
لا يمكن ان يتذكر الانسان الطلبة البحرينيين في لند , بدون ان يتطرق الانسان الى المناضل علي الدويقر . ولقد تعرض علي الدويقر لفترات طويلة في سجن البحرين . و يحكي انه بعد ان اطلق سراحه في احد المرات حضرت له والدته حفلاً و دعت اصدقائه . وأعدت له الطعام الذي يحبه. (حتى ينجبر عظمة بعد السجن ). و بعد أن قشر أول موزة حتى يأكلها حتى أحل البوليس بداره لأخذه من جديد وكان يقول : ( لا أعرف اي ابن كلب قد حرك مظاهرة في نفس اليوم ) . وكالعادة كان علي اول حضروا لأخذه , حتى قبل ان يكمل موزته الاولى , وأرجعوه الى السجن . لدهشتنا وجدنا ان الطلبة البحرينيين على وعي سياسي متطور جداً . وكانوا بحق قادة سياسيين.
العم حسن سلمان والد جعفر رحمة الله عليه , حضر لزيارته . وكنّا جميعاً منكمشين , ونجلس بأدب, ونتحدث بحذر . إلا انه طلب منا ان نسقط لقب العم , ونعتبره احد افراد الشلة , وقد كان . وكان حلواً سهلاً لطيفاً . وكان يتحدث عن لؤم السياسة وقذارة السياسيين . وكيف انهم ذهبوا الى مصر في زمن جمال عبد الناصر , وعندما عادوا بعد التدريبات العسكرية والسياسية كان الأمن البحريني في انتظارهم . فلقد توصل نظام جمال عبد الناظر مع اتفاقيات مع حكومة البحرين . وكانت كل الصور والأفلام السينمائية لتدريبهم متوفرة عند الأمن البحريني . في ذلك الوقت كانت البحرين ودول الخليج تحت السيطرة البريطانية . وكان العم حسن سلمان يقول لنا ان السياسة ليست ابيض وأسود فقط. والعم حسن كان يقول لأبنه جعفر عندما شاهد صلاته الواسعة مع الطلبة الامريكان والجمايكيين وبعض الانجليزالخ , والحفلات الدائمة , ومعرفة اغلب الناس من فتيات وشباب بجعفر (هذه هي الجامعة الحقيقية يا ابني . الجامعة الحقيقة هي الدنيا والناس. الشهادات والاوراق ليست كل شئ ) . وترك العم حسن صورة لا يمكن نسيانها وذكريات جميلة . كان انساناً متفتحاً بكل المعنى , رحمة الله عليه . وبعد ان عاد الى البحرين قام بأرسال ابنه الاصغر محمد علي لينضم الى شقيقه جعفر .
البحرينيون كانوا مترابطين , ولم تكن هنالك اي مشكله بينهم كشيعة وسنيين . وأذكر ان الأخ الجنتلمان عيسى كان مهذباً ومحبوباً من الجميع . وكان يعمل في المطعم في مسكن الطلاب. وكان محترماً من الجميع . وأذكر انني اضطررت ان استدين منه ثمن وجبة في مساء بارد , أحلت بي صديقة شكت جوعاً ولم يكن عندي ما يؤكل أو مالاً . ولم تكن علاقتي به حميمة وقتها . ولم اعرف الا بالصدفة انه سنّي . وهذه الحقيقة لم اعرفها انا من عيسى أو من البحرينيين . بل عرفتها من طالب دراسات عليا مصري, كان يمتاز بثقل الدم . وهو الذي بحث ودقق . ولم يكن الامر مهماً بالنسبة للبحرينيين . .
قبل شهور قالت لي الابنه مها , وهي ابنه اخصائي طبيب سوداني في استوكهولم وهي طالبة في كلية العلوم في جامعة مدينتنا مالمو. أن البروفيسور عزام يبلغني تحياته . وهو في كلية العلوم . عزام كان احد الطلاب البحرينيين . وهو شقيق البروفيسور المشهور في جامعة لند , كلية العلوم السياسية الهادي خلف . وهم ابناء عمة العزيز جعفر حسن السلمان. وجعفر يحكي لي رحلتهم من البحرين التي استمرت لأسابيع في الستينات مع عزام , الى ان وصلوا الى جامعة لوند . والسبب كان أن الهادي قد سبقهم الى جامعة لند . وكان قد تبقى لجعفر مئة دولار عندما وصل السويد . و بدأت رحلة البحث عن عمل ثم الالتحاق بالجامعة . والبحرينيون على عكس الآخرين يفتخرون بأنهم قد مارسوا كل الاعمال من غسيل الاطباق او كبائعين . أو كجرسونات , بدون أن يحسوا بمركب نقص .
الأخ العزيز جعفر السلمان , كان يسخر من الوضع السابق في البحرين , مقارنةً بالحالة اليوم . و الحقيقة ان الكثير من الدول التي اصابت حظاً تحاول ان تتنكر , و تنسى الماضي . جعفر كان يذكر لي انه بعد ذبح دجاجة أو احد الفراخ ان والدته كانت تطلب منه ان ينثر الريش و الأمعاء خارج المنزل, حتى يعرف الناس انهم قد ذبحوا دجاجة . و لكن بعد استيراد الدجاج الدنماركي , صار الفراخ هو طعام الفقراء . هذه الظاهرة كانت تميز بيوت الأغنياء في السودان و بعض دول الشرق الأوسط .
و شئ اخر يجمعنا مع البحرينيين هو تقبلهم للمصائب و عدم الجزع . و أذكر ان عزام قد تعرض في السبعينات لحادث سير بالسيارة . و عندما ذهبت لزيارته في المستشفى كان يسير بعصاتين . و كانت ضحكته تجلجلبالغم من المه . و كان يقول ما معناه , الحمد لله ان الانسان عائش . و قبل بضع سنوات عندما كان ابن عزام في الثانية أو الثالثة عشر من عمره , كنت اقابلهم عندما كان ابني فقوق نقور يشترك في منافسات كرة القدم . و أذكر ان عزام كان يركض على تلك الساق التي كانت مصابة و يشجع ابنه بالرغم من أنه قد ازداد وزناً مقارنة بأيام الشباب . و كان لا يرتاح طيلة الماتش , و يركض بجانب الميدان و يشجع ابنه . و عندما كنت اسأله اين يجد تلك الطاقة , كان يضحك و يقول لي : ( و الله ما اعرف , يمكن من حبّي لأبني , ما انا بحبه كتير , و ما بحس نفسي بركض ) .
هذا الحب الابوي لمسته عندما حضر جعفر قبل ثلاثة سنوات مع ابنته فاطمة وهي اخر العنقود . هذا قبل تسجيلها في السويد والحصول على جواز سويدي ثم انتقلت الى الدراسة في انجلترا . وهذا الأرتباط الاسري والاهتمام من الاباء بالأبناء لاحظته عند كل البحرينيين . فهم يعيشون من أجل ابنائهم وبناتهم . ويرتبط البحرينوين بروابط اسرية قوية صارت تنعدم في العالم العربي . وأذكر ان جعفر كان يتحدث عن والدته بحميمية , ويذكر نقاشاته معها وكأنها صديقة، بروح بعيده عن التشدد و الحساسية التي تكتسي بها علاقة الوالد مع الابن في مجتمعاتنا .
عندما كنّا جالسين في مقهى الجامعة الضخم , والذي كان مكان تجمع كل الشباب , قمت بتعبئة طلب التحاق بالجامعة . وساعدتني صديقتي السويدية . وكنت لا ازال أحمل احساس شرق اوربا , وأحاول الابتعاد عن العرب . فأقبل نحوي الأخ الهادي خلف . وأظن ان احد الاخوة قد عرض عليه طلبي التحاقي بالجامعة . واشار الى بعض الغلطات . وطلب مني بدون سابق معرفة ان اصححها . وقلت له ممتعضاً ما معناه ان هذا الكلام قد قامت بكتابته سويدية ، فقال لي نعم انها سويدية ولكنها ليست اكاديمية وليس كل سويدي ملم بلغته . وهل كل بحريني أو سوداني ملم باللغة العربية تماما. فاحسست باحترام للرجل .
قبل بضع سنوات استضفت في برنامج في السويد. وبسبب هذا البرنامج كان يستوقفني البعض ويشيد بما قلته . وفي هذا البرنامج كنت اهاجم السويد وأقول ان الغرب هو من صنع ما يسمى بالارهابيين العرب في افغانستان . لان السي اي ايه هي التي قد دربتهم. ولقد دفعت السعودية وبعض الدول العربية الفاتورة . وأن بعض الدول الاوربية ومنها السويد قد فرحت بهزيمة الاتحاد السوفيتي في افغانستان . وان هذه هي بضاعتكم قد ردت اليكم . وأن تحطيم الاتحاد السوفيتي قد أتى لكم بالمجرمين والمافيا الروسية . والآن تشتكون من الارهاب العربي الاسلامي . ان هذا من صنع يديكم . وكنت احس بنشوة وانني قد (جبت الديب من ديله) . فأتصل بي البروفيسور الهادي وارسل لي موضوعاً قد كتبه قبل سنين عديدة, وتنبأ في بداية الحرب الافغانية بأن ما حدث من ارهاب وتفجيرات مثل تفجير مركز التجارة العالمي والتفجيرات الاخرى سيحدث . لأن ذلك الشباب الذي دفع به الى حرب افغانستان سيدرب شباباً آخرين . وأن الأمر لن يتوقف عند افغانستان بل سيستمر . ولقد تحققت نبؤة البروفيسور البحريني الهادي خلف ( ابو رسول ) . واحسست بأكبار للرجل . فتحليلي الذي كنت فخوراً به في الاعلام السويدي , كان ما تنبأ به الاخ الهادي قبل سنين عديدة . فالهادي يأسرك بعينيه النفاذتين وادبه وبساطته وبعده عن الجخ والتشدق والفخر مثل اغلبية العرب .
كان للطلبة الايرانيين وجود مكثف في الجامعات السويدية . والآن يكادوا ان يكونوا اغلبية في كليات مثل الطب . وفي احد المحاضرات السياسية التي ضمت كل اصناف البشر, قام الطلاب الايرانيون في بداية السبعينات بالهجوم على المتحدث والمشاركين . وكادوا ان يفشلوا المحاضرة, لأن البعض يتحدث عن الخليج العربي . والخليج هو الخليج الفارسي . وبعد العرب يصرون على عروبة الخليج . وكادت أن تقوم معركة وحسم الهادي الامر قائلاً : (ان الخليج ليس بعربي أو فارسي . الخليج في الحقيقة هو خليج امريكي, تسيطر عليه امريكا وتتصرف فيه كما تشاء) . فهدأ الجميع .
الحقيقة انني تعلمت كثيراً من البحرينيين . وأذكر ان سعيد العلوي كان يقول لي: (ان تمثيل مقتل الامام الحسين في كل سنة , كان يدرب بعض الكوادر الشبابية على المسرح . وان هذا سيكون اللبنة الأولى للمسرح البحريني) .
من الأخوة الذين اذكرهم جيدا الأخ سلمان البحريني, الذي كان معي في نفس الفصل في اثناء دراسة اللغة السويدية . وبعد ان تحصل على شهادة اكمال الكورس . تحصل على قلب مدرستنا شاشتن والتي صارت زوجته . وعندما ذهب الأخ ابوبكر بدوي مصطفى الى البحرين في الثمانينات لزيارة صديقنا جفعر السلمان , كانت مدرستنا شاشتن تسكن في البحرين, وكانت تبدو سعيده . وكان يضايقها شئ واحد . هو ان الاخ سلمان كان يعرج كثيراً على والدته بعد ان يترك العمل . وكان لا يستطيع ان يأكل الاكل البحريني الذي تعبت في طبخه , لأنه يكون قد أكل عند والدته . إلا انها كانت تتفهم ارتباط سلمان بوالدته كالعادة الشرقية .
قديماً كان ولا يزال للطلاب الاجانب مشكلة في تمويل دراستهم , بالرغم من ان الدراسة مجانية في السويد . الأخ سلمان كان يقول لي انه لن يجد مشكلة في تمويل دراسته لانه كان له سبعة من الأخوة الذين يكبرونه سناً . واذا ارسل له كل واحد منهم مئة كرونا (عشرون دولار ) يمكن ان يكمل دراسته . وأذكر ان بعض الاخوة أحدهم من الامريكان كان يقول له : (ولماذا يرسل لك اخوتك مالاً ) . وسلمان كان يرد : (لأنهم اخوتي . نحن البحرينيون يساعد كل افراد الاسرة الآخر . و هذا واجبهم نحوي ) . و كان الآخرون لا يفهمون واجب اخوة سلمان نحوه . ولا يفهمون تلك العشائرية البحرينية . سلمان عمل في الباخرة العالمية الضخمة التي تذهب من السويد الى بولندا . وكان جعفر حسن السلمان قد افهمه بأنه يعمل كل صيف في تلك الباخرة . وان عمله ينحصر في الجلوس في كابينة القبطان . وأن يمسك بالدفه في بعض الأحيان . لأن القبطان عم صديقته , وسيوصي القبطان خيراً بسلمان , وسيعطيه وظيفة سهلة . وأكتشف سلمان انها احد مقالب جعفر . وان الجميع يعملون في المطعم . وتلك التجارب ولا شك قد جعلت من جعفر رجل بنك متميز بعد تخرجه من السويد .
البروفيسور مرشد الذي كان محاضراً في كلية الطب في جامعة الخرطوم قضى سنوات في جامعة لند . وعندما تعرف بجعفر السلمان وبقية البحرينيين في جامعة لند , كان يقول ان البحرينيين مختلفون عن الاخرين . وأنهم يقدسون التعليم , عندما يفكر الاخرون في الفلوس والفلوس فقط . وأنهم منفتحون على العالم واستقبال الآراء الجديدة . وأنه اندهش للحرية الاجتماعية الموجودة في البحرين , وعدد الاكاديميين الضخم . وصديقي العزيز سعيد العلوي كان يقول لي ان البترول اكتشف في البحرين قبل كل الدول الآخرى . وأن البحرينيين هم اول من تعملوا في المنطقة . ولكن اثبتت لي التجارب والأيام ان البحرينيين شعب (حلو) , ويستاهلون كل ما هو جميل و رائع . لا اذكر انني قابلت اي سوداني عاش في البحرين او كان على اتصال بالبحرينيين , و لم يكن لهم كل الحب . التحية لأهل البحرين .
https://i.imgur.com/JtkT56D.jpg
الرجل الذي ترك بصماته على روحي سعيد العلوي طيب الله ثراه
https://i.imgur.com/l0pEdnD.jpg
ياسلام عليك عمنا شوقي او الأنصاري الهارب كما يحلو لنا وله مناجاتكم، مقال دسم وجدير بالقراءة ،غني بالتفاصيل الكثيرة عن الماضي وهذا دليل علي الشيخوخة التي تستوجب الإقلاع في الحال و الالتزام بقراءة الراتب والعودة الطوعية السريعة الي حضن طائفتك
اها اخيرا ظهرت باسمك بعدما انتحلت اسمى الذى اكتب به لتستخدمه فى الاساءة لرجل شريف مثل شوقى بدرى .. بالمناسبة هنالك بصمة للكتابة مثل بصمة الأصابع يبدو أنك لاتعرفنى جيدا !
شوقي بدري شخصيا يرد علي شخص رفض الرد عليه جهرا ورد عليه باسم مستعار سوداني سابقا او سوداني طافش هههههههه معلم والله يا شوقي بدري ،حنانتها دلاكته شكارته
نعم دعا سيدنا النبي إلى السنة والتمسك بها وكان سؤالك يجب أن بكون هل دعا إلى الشيعة والتشيع والجواب بلا طبعاً – الواضح ما داير دغمسة