صراع البقاء والاستمرار.. الإعلام الإلكتروني في مواجهة التقليدي.. أوراق في مهب الريح

الخرطوم – خالدة ودالمدني
ينأى بعض الإعلاميين المخضرمين عن الإعلام الإلكتروني، مكتفين بما وصلوا إليه من خبرات ومناصب، كما يصفون الشباب بضحالة الثقافة، وبأنهم يشبهون أجهزتهم الإلكترونية، بالتالي لا يستطيعون التفكير في الأمور الأخرى، والتواصل اجتماعياً مع غيرهم في العالم الحقيقي، ويعتمدون كلياً على المجال الإلكتروني، ما لا شك فيه أن التقنيات الإعلامية الحديثة ضرورية، ولا نستطيع تجاوز استفادة الصحافيين منها بشكل ملحوظ في إنجاز أعمالهم، ورغم الشك أحياناً في دقة المعلومة، لكن بالمقابل الإعلام المفتوح يصحح ذاته، وما إن تذاع شائعة حتى يخرج من يكذبها ويستمر الجدل إلى ظهور الحقيقة، ولتوضيح بعض المفارقات بين الإعلام الحديث والتقليدي استطلعت (اليوم التالي) آراء العديد من الإعلاميين بجانب الخبراء.
في موازاة ذلك عدَّت الأستاذة مياه النيل من صحيفة الصيحة أن الأجهزة الإلكترونية مكملة للعمل الصحفي. وأردفت: على الصحافة الحقيقية أن تتحرى المعلومة الصحيحة من موقع الحدث أو من المصادر، وهذا عصر السرعه يتطلب إرسال المعلومة من قلب الأحداث، خاصة إذا بعد موقع الحدث، بالتالي لابد من استخدام الوسائط الحديثة. تتابع: “الصحفي الناجح من ينزل الشارع”، ومن خلال متابعة الصحف يتضح لنا بعض الأخطاء والخلل جراء نقل معلومات مغلوطة أو غير دقيقة، لذلك تفقد مصداقيتها لدى القراء، أما الصحفي الذي يعمل من داخل مكتبه يفشل في تمليك القراء المعلومة الصحيحة، ويمكن أن يعرض ذاته والصحيفة للمسألة القانونية. وختمت: أساس صناعة المادة الصحفية هو الشارع، ومن عجز عن ذلك دعيني أصفه بالفاشل، حد تعبيرها.
نبض الشارع
من جهته، يرى هيثم عباس ? صحيفة التغيير – أن الإعلام الإلكتروني ييسر الطريق على الصحفي المخضرم ذي الخبرة الكبيرة. وأضاف: حيث يوظّف مواقع التواصل الاجتماعية والإلكترونية واسعة التداول في عمله الأعلامي، ويمكنه الحصول على معلومات قيمة تغنيه عن البحث واستجلاب مواد من الخارج، وبذلك لا أعتقد أن التكنولوجيا عاقت العمل الصحفي بل دعمة مسيرته بأفكار عديدة وجديدة.
معلومات مشبوهة
بدوره، يرى فريد حسن – صحيفة التغيير – أن العمل الإعلامي، وتحديداً الصحافة، لابد فيه من وجود الصحفي على أرض الواقع، لكي يتابع ما يحدث بدقة. وزاد: من يعمل من داخل المكتب لا يستطيع حتى وصف الحدث، وأساس العمل الصحفي هو البحث عن حدث جديد وواقعي، علماً بأن الإنترنت به بعض المعلومات مشبوهة وغير صحيحة. وفي سياق تعليقه، يلفت متوكل عمران -مهتم بالإعلام التنموي – إلى ضرورة الربط بين وسائل الإعلام التقليدية والحديثة للمواكبة والاستجابة لكافة المتلقين. وأضاف: السودان يُعدُّ رائداً في مجال الإعلام الأفريقي، وهذا الإرث التليد كان سبباً في بروز العديد من الإعلاميين السودانيين على المستويين الوطني والإقليمي وحتى العالمي. وشدَّد عمران على تبادل المعرفة والخبرات بين الأجيال، وهي من أهم سمات التطور في جميع المجالات خاصة الإعلامي. وأضاف: يمكن التعلم وأخذ الخبرات من جهابذة الإعلام ما يجعل المادة الإعلامية أكثر تواكباً للوسائط الحديثة، وأيضاً التقليدية، وبهذا نخلق إعلاماً أكثر جاذبية ويلبي حاجة الجميع.
آثار جانبية
إلى ذلك، شبّه الصادق الرزيقي رئيس اتحاد الصحافيين ثورة التقدُّم في وسائط الإعلام والاتصالات بالآثار الجانبية للأدوية. وأردف: هذه مشكلة يواجهها العالم أجمع، حيث انتقال الإعلام من قالبه القديم التقليدي إلى آخر حديث، وبالتالي أفرز مشاكل جديدة، أهمها أن الأخير يفتقد إلى الضوابط والكوابح التي اتصف بها القديم. ويواصل: عقدت مؤتمرات عالمية كثيرة في هذا الصدد لاحتوائه، وكان بعض الإعلاميين يعملون في ظل التقليدي قبيل التطور، وملتزمين بقواعد المهنة أكثر من الأجيال الجديدة التي تعمل في إطار الإعلام المستحدث. وهذا لسببين: الأول أن الإعلامين التقليديين عملوا في فضاء قيمي وأخلاقي ومهني تضبطه قواعد صارمة مثلت لهم سياجاً في الأداء الإعلامي قبل ثورة التكنولوجيا. ثانياً: الالتزام بالأعراف والتقاليد المعروفة، وكذلك التشريعات والقوانين في مجال الصحافة والإعلام وشموليتها، كانت بمثابة حاضنة نظيفة وقوية للعمل الصحفي والإعلامي، مضيفاً: ولكن عند التخلي عن هذه المسلمات صار الإعلام الجديد كالانفجار وأنتج عنه كل ما يحدث من مفارقات، حيث نجد كل إنسان في أي مكان يتعامل ويتعاطى مع الأخبار والمعلومات كما يشاء دون ضوابط صارمة، لذات الأسباب فقد الإعلام أهم ما يميزه. وأشار الرزيقي إلى معاناة السودان من هذه الظاهرة، وهي اعتماد الإعلاميين والصحافيين الجدد في مسيرتهم العملية على مقدراتهم الذاتية دون التواصل مع الأجيال الأقدم، للاستفادة من تجاربهم وتبادل الخبرات فيما بينهم، وبذلك كانت التجربة الصحفية منقطعة، والدليل على قولي هذا أن كثيراً من الصحف والمجلات التي صدرت قبل سنوات لم تستمر، وكذلك وضع المؤسسات الصحفية وقلة حيلتها لن يساهم في ترسيخ أعراف الصحافة بالشكل المطلوب. وختم: غير أنها صادفت ظروف مهنية مركبة سياسية واقتصادية وثقافية هي التي صنعت الواقع الموجود الآن، وبهذا يمكن القول إن هناك مسارين متوازيين في إطار العمل الإعلامي خط الجيل التقليدي البطيء وآخر هو الجيل الجديد والسريع، والاثنان يسيران في اتجاه واحد مع اختلاف نمطية العمل
اليوم التالي