مقالات وآراء

ضحايا حروب السودان وغياب العلاج والتـأهيل النفسي

بقلم: مصعب عبدالماجد

لاتزال الحرب في السودان تحصد ارواح المدنيين وتسبب النزوح، الإنتهاكات الجسدية  لأبناء وبنات الشعب السوداني على نطاق واسع وألحاق الضرر بملايين المدنيين بطرق لا حصر لها، بما في ذلك قتل المدنيين وترك الناجين مصابيين ومشوهين – وهناك تقارير حقوقية تشير الى الكثير من حالات التعذيب والتمثيل بالجثث والإغتصابات…الخ. في ظل هذه الظروف العصيبة والمعاناة التي يمر بها السودانيين في الداخل والخارج، والدمار الذي لحق بالمؤسسات الصحية، ظهرت التشوهات النفسية والإجتماعية وسط الكثير من السودانيين دون أن تجد إهتماماً واسعاً من قبل الجهات ذات الصلة، وبالتالي تبرز الحاجة الماسة الى العمل لتقديم الدعم النفسي والإجتماعي لضحايا الحرب بشكل فعال عبر تنسيق الجهود المحلية، الإقليمية والدولية. ولعل الدعم النفسي للأجئيين، النازحين والمستقرين يعد امراً بالغ الاهمية نظراً للتأثير العميق للحرب والنزوح القسري على الصحة النفسية والعقلية. الكثير من السودانيين والسودانيات لازالوا يتعرضون لتجارب قاسية ومؤلمة بسبب الحروب والإنتهاكات والمتكررة التي نتج عنها تحديات مختلفة. لهذا فان تقديم الدعم النفسي والإجتماعي يساعد في عملية التعافي من الصدمة النقسية وإستقرار الصحة العقلية والقدرة على مواجهة المصائب والشدائد، ولا سيما إعادة التماسك الإجتماعي الذي تعد غاية في عملية السلم المجتمعي.

فالحروب المتكررة التي حدثت في السودان منذ فترات طويلة وغياب العدالة للضحايا احدثت دمار نفسي هائل وسط مختلف الشرائح الاجتماعية وخاصة الاطفال، حيث تغير سلوكهم وبرز نزعات تمجيد العنف والسلوكيات التي تحفز الثأر والعدوان، كما ان هذه الحروب خلفت افرازات كثيرة يتطلب الشروع في التخلص منها قبل ان تتراكم وتصبح اكثر تعقيداً.

فعملية تقديم هذا النوع من التأهيل النفسي والإجتماعي يساعد الضحايا على التخلص من التشوهات النفسية والاجتماعية ويعيد الانسان الى حالته الطبيعية وإستعادة طاقته الإيجابية للإنتخراط في المجتمع ومؤسساته باعتباره فاعل اساسي في عملية الإنتاج والمساهمة في تطوير وتقدم المجتمع، وكذلك يساعد الاطفال على التخلص من النزعات العدوانية وحالات الرعب والهلوسة التي تصاحبهم اثناء النوم واللعب. فالدعم النفسي يساعد الضحايا بشكل كبير في إعادة الإندماج في المجتمع بصورة تلقائية دون أية حواجز.. هذا من الجانب الإجتماعي والنفسي.

إما من الجانب القانوني، فتكمن اهمية عملية التأهيل النفسي والإجتماعي  للضحايا في إستعادة شخصاتهم التي فقدوها اثناء الحرب بسبب التعذيب والإنتهاكات وفقدان الأهل والاقارب، فيمكنهم من المثول في يوماً ما امام المحاكم للإدلاء بشهاداتهم التي تساعد على تحقيق العدالة لهم وللاخرين.

ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق القتصادية والاجتماعية والكثير من الصكوك الإقليمية والدولية على الحق في الصحة (أي حق العلاج) بجميع أشكاله باعتباره حق اساسي لا غنى عنه من أجل التمتع بالحقوق الاخري، وعلى كل انسان ان يتمتع باعلى مستوى من الصحة، وبالتالي فان تقديم البرنامج المتعلقة بالتأهيل النفسي والإجتماعي لضحايا الحرب هو حق لكل إنسان امر في غاية الاهمية من أجل حياة إجتماعية سليمة خالية من التشوهات النفسية.

فان هذه الحرب ستنتهي يوماً ما ويحتاج السودانيات والسودانيين الى إعادة بناء الوطن الذي دمره الحرب، وهذا يتطلب انسان له القدرة للتغلب على الذكريات الأليمة والقاسية للتعامل والتفاعل مع الاخرين.

كل هذه الأسباب مجتمعة تتطلب منا الإنتباه والتحرك لإبراز اهمية العمل في هذا المجال مع الجهات المحلية، الإقليمية والدولية حتى نتمكن من تقديم ما يمكن تقديمه لشعبنا العظيم.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..