يقتلونك بحسن نية

منى أبو زيد

?لو عالج الطبیب جمیع المرضى بنفس الدواء لمات معظمهم? .. أبو حامد الغزالي ..!
الحدیث عن الأمراض هو ?الونسة? المفضلة لدى كثیر من الناس .. والمتونِّسون عن المرض
والعلاج في بلادنا نوعان: الأول هو الذي یستمتع بالشكوى من المرض على إطلاقه، فما أن تجاوره في أحد المحافل أو تبادره بالتحیة في مكان عام، سائلاً إیاه عن الصحة من باب المجاملة، حتى یتفانى في سرد أدق تفاصیل تاریخه المرضي مستعیناً ببعض المصطلحات الطبیَّة التي اكتسبها بفضل قلقه الَمرَضِي وتردِّده الدائم على عیادات الأطباء، وهو بطبیعة الحال لن یلتفت إلى تذمرك واستیاءك من سیل الشكوى المنهمر على رأسك، فهو منهمك ومستمتع بالحدیث عن أمراضه المزمنة .. لذا دعه یسترسل ولا تكترث بمحاولة البحث عن إجابات مناسبة، وتذكر بأنه غالباً سیمشي في جنازتك ویترحَّم علیك – أنت الذي لا تشكو من أي شيء تقریباً- بینما یعیش هو عمراً مدیداً حافلاً بالشكوى
أما النوع الثاني من أولئك ?المتونسین?، فیسعدهم دوماً أن یتبرعوا لك بشتى أنواع الوصفات الطبیة، ویلحُّون علیك في تجربتها ناصحین ومبشرین بمفعولها السریع ونتائجها المدهشة، هؤلاء یخبرونك على الدوام بأنه لا حاجة بك للذهاب إلى الأطباء، و إذا لمح أحدهم في عینیك بعض التخاذل یلوح بسباته في وجهك منذراً ومحذراً ..
وقد تكون جالساً في عیادة الطبیب تنتظر دورك، ویكون أحد هؤلاء الناصحین جالساً بجوارك، ولأن ?ونسات? المرضى في العیادات تدور غالباً حول المرض موضوع الزیارة ستخبره عن سبب ترددك على هذا الطبیب الذي یتردد هو علیه أیضاً، لكنه عندها ? ویاللعجب – لن یتورع عن إعطاءك وصفة طبیة مجربة بعد أن یخبرك بأنهم سوف یطلبون منك الفحوصات الفلانیة ویكتبون لك الدواء العلاني .. ثم ینصحك بعدم الاستماع إلى ترهات الأطباء ..!
كل هذا وأنتما تجلسان على باب ذات الطبیب الذي ینصحك بعدم الاستماع إلیه .. وحینها لن تجرؤ بالطبع على أن تسأله ? السؤال الذي یدور في ذهنك الآن – ?لماذا تجشَّم عناء المجيء إلى هذا الطبیب إذاً?
الملاحظ ? أیضاً ? أن معظم المنتمین إلى النوع الثاني یأتون من أسر طبیَّة، بمعنى أن یكون أكثر أقرباءهم أطباء فیجمَعون? بحكم – ذلك كماً هائلاً من المعلومات ویحفظون الكثیر من المصطلحات الطبیة عن ظهر قلب،وهذا النوع من ?الونسة? الملیئة بالوصفات الطبیة الخطیرة، لا علاقة له بدرجة التعلیم أو الوعي أو المكانة الاجتماعیة بل هي هوایة ? خطیرة – لا تستثني من شرورها أحداً .. لا تنسى أن الرئیس الأمریكي الأسبق ?أیزنهاور? مات بسبب وصفة طبیة خاطئة تبرَّع بها رئیس الوزراء البریطاني الأسبق ?تشرشل? الذي كان یعالج نفسه بنفسه ویتبرع بوصفات علاجیة لكل من حوله ..!
على كُلٍّ: أفضل طریقة للتعامل مع هذا النوع من الناصحین هي أن تتظاهر بالاقتناع بنظریاتهم والحماس لوصفاتهم مع كل الشكر والامتنان، ثم تقوم ? بعد ذلك – بمسح تلك الوصفات القاتلة من ذاكرتك أولاً فأوَّل .
خلاصة القول: لا تعول أبداً على حسن نیة من یتبرع لك بنصیحة طبیة في هذا السودان، فالطریق إلى بعض القبورمفروش بحفنة ? لا بأس بها – من النوایا الحسنة ..
اخر لحظة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..