من الطيش إلى الثالث

في كثير من المحليات التي بلغ فيها تدهور التعليم درجة أشبه بالانهيار كان يوجد قاسم مشترك تقاسمته المحليات والولايات على حد السواء ، وهو”تفريغ” كثير من المعلمين ذوي الكفاءة للعمل السياسي ، والنقابات وانخراطهم في النشاط السياسي الحزبي النقابي وإعداد التقاريرالسرية، للهيمنة على النقابة ومساندة العمل السياسي وأنشطة الحزب، وبذلك ترك المعلمون الأكفاء العملية التعليمية لعديمي الخبرات وانخرطوا في العمل السياسي عن طريق سياسة “التمكين”، ووفقاً لهذه السياسة التي لا تنظر إلا لموضع القدمين، ولم تتجاوز أرنبة الأنف، تم استقطاب الكفاءات للعمل السياسي، وبالتالي تفريغهم للسياسة، وكانت النتيجة مزيدًا من التدهور في عدد من المحليات..
قبل خمس سنوات كان هناك عنوان صادم أوردته “الانتباهة” في سياق تقرير عن نتيجة شهادة الأساس بولاية سنار…العنوان كان صادماً لوالي سنار السابق المهندس أحمد عباس باعتباره المسؤول الأول في الولاية، والعنوان كان صادماً أيضاً لوزيرالتربية والتعليم في تلك الفترة، وبالطبع كان صادماً لمواطني محلية الدندر الذين ألِفوا محليتهم دوماً في المراكز المتقدمة.. العنوان كان يقول: الدندر تحرز مركز “الطيش” في نتيجة الأساس بولاية سنار، فقد كان واضحاً أن العملية التعليمية في المحلية تدهورت تدهوراً مريعاً خلال العشر سنوات الماضية ، وبلغت ذروة التدهور خلال الخمس سنوات المنصرمة ،مما استوجب انعقاد مؤتمر لمناقشة قضايا التعليم بالمحلية تبنته منظمة الدندر الطوعية بالتعاون مع محلية الدندر، انعقد في ديسمبر الماضي، وكان مؤتمراً علمياً ومنظماً تنظيماً جيداً، تضافرت فيه الجهود الرسمية والشعبية على أروع ما يكون التعاون والتنسيق ، وأعَدت أوراقه ثُلة مميزة ومختارة بعناية من الخبراء الأكفاء، وخرج بتوصياتٍ قمة في الروعة وتحديد المشكلات بعناية فائقة..
مما اختزنته ذاكرتي من كلمات خلال ذلك الملتقى كان حديثاً ممعناً في التحدي والتعهدات الصارمة جاءت بأسلوب الواثق، جرت على لسان معتمد الدندر المهندس عبد العظيم آدم يوسف…تعهدات بأن يفعل كل ما في وسعه لتغيير النتيجة البائسة ” الطيش” من خلال تنفيذ كل توصيات الملتقى وأن يعمل كل ما يستطيعه لتعود لمحلية الدندر سيرتها الأولى في طليعة محليات الولاية،وأضاف وقتها ” من اليوم أعدكم أن تكون الدندر في المقدمة ولن تكون الطيش بعد اليوم”… وقد كان الذي وعد به الرجل قولاً وفعلاً وكان الأمر يقيناً حينما كان الناس يشاهدون أمس المؤتمر الصحفي الذي بثه تلفزيون السودان وليُعلن اسم محلية الدندر، المحلية الثالثة…وتلك كانت نُقلة كبرى لمحلية انتقلت بمجهود مُكثف ومخلص خلال بضعة أشهر من “الطيش” إلى المركز الثالث، وقد رقصت المدينة طرباً لهذه النُقلة وأريقت دماء الذبائح في سوق المدينة وأزقتها، وزغردت عذارى الحي،وسكبت لحناً في شرايين الحياة وعربدت الطبيعة فرحاً وتيهاً…مبروك عبد العظيم آدم يوسف، ومبروك لإدارة التعليم والمعلمين ولأهل الدندرأجمعين، ولوزير التعليم راعي الملتقى هاشم عبد الجليل.. اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائمًا في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.
الصيحة