عندما كنت تاجر عملة..!!

عبد الباقى الظافر

قبل اشهر قليلة كان الدولار الاخضر يقف عند عتبة الستة جنيهات..منذ فترة طويلة فكرت في بيع بيتي الكائن في ضاحية (عد حسين) بمحلية جبل اولياء..ولهذا البيت قصة..هو أول واخر بيت استثمرت فيه حصاد غربة باردة جدا فيما وراء المحيط الصاخب..زملائي واصدقائي في المهجر الامريكي يحسدونني على هذا الانجاز غير المسبوق..فيما أهلي وعشيرتي يتأسّفون على بؤس الحصاد وضعف البنيان وبعد المنزلة..اكتشفت بعد اكثر من حسبة ان الدولار دائما يهزمني..بمعنى ان سعر البيت مقرونا بالدولار كان في انخفاض مريع.

عندما جاءني الزبون اخبرته بقصة الكلفة الدولارية لهذا المنزل..ضحك السمسار حتى بانت نواجزه ولكنه قدم حلا..رؤية الوسيط ان احول عائد البيت الى عملة اجنبية..أخذت بالنصيحة وجعلت العملة الصعبة تحت رأسي حتى ييسر الله لي شراء قطعة ارض في مكان اقرب لعملي.

ذات صباح صرح وزير المالية ان على تجار العملة ان (يبلو) رأسهم بسبب انخفاض كبير متوقع في سعر الدولار..بالطبع تحسست رأسي المتأهب للجز منذ زمن طويل..لم تكن ثقتي كبيرة في التصريحات الحكومية ..استعنت بصحفي صديق يستطيع ان يهاتف وزير المالية بعد منتصف الليل..نصيحة الزميل الصحفي بعد التشاور مع جهات اتخاذ القرار ان على ان اتخلص من الدولارات بأعجل ما تيسر..عندما مضيت الى ناحية برج البركة بالخرطوم كان الجميع يعتذر عن الشراء وبين يديهم صحيفة الانتباهة التي حملت تصريح وزير المالية..بعد جهد كبير اقنعت رجل اعمال يحتاج للدولار بأن يشتري مني بالخسارة..تلك كانت تجربتي التي تشابه اخرين في عالم الدولار.

قرات في الزميلة الرأي العام تصريحا منسوباً لنائب محافظ بنك السودان – البنك المركزي – اكد انه سيغلق حسابات تجار العملة..الدكتور بدالدين محمود اعتبر ان تجار العملة احد اسباب ارتفاع اسعار الدولار..الحقيقة ان ضعف الثقة في الجنيه السوداني جعلته مستودعاً غير امن لحفظ القيمة النقدية..في الجانب الاخر هنالك طلب كبير على الدولار لاتستطيع الدولة الايفاء به في مثل هذه الظروف الاقتصادية البائسة..قلة العرض وزيادة الطلب تصنع سوقاً لتجارة العملة..الية السوق ستتبدل التجار المضيق عليهم باخرين..وربما لجأ هؤلاء التجار لحيل اخرى لمواجهة الحرب الحكومية.

زرت مصر في فبراير الماضي..دهشت ان الجنيه المصري مازال صامدا ولم يفقد من قيمته الا بضعة قروش رغم اعاصير الربيع العربي..المفاجاة ان السوق السوداء للدولار تشتري باقل من الصرافات والبنوك..منطق تجار العملة في قاهرة المعز انهم يربحون عبر اعادة البيع للسوق الابيض ..معجزة مصر ان لديها احتياطياً ضخماً من العملات الصعبة وسياسة نقدية تقوم على الوفرة لا الحد من الطلب.

مشكلاتنا الاقتصادية حلها في سياسة تستطيع ايجاد اختراقات تقلل من الصرف غير الانتاجي ..و رؤية راشدة تفتح نوافذ للاستثمار الاجنبي المدر للعملة الصعبة.

لن استطيع ان اتحدث بالتفصيل لأن لدي سوابق تجعلني عرضة للاتهام بالعمل في السوق الاسود.

اخر لحظة