يا إيدي شيليني وختيني في بيت الله العاجبني.. مواسم تستهدف الجيوب

الخرطوم – خالدة ود المدني

حدث وأن عجت الدلالات بأثاثات بعضهم حيث تزامن استئناف عام دراسي جديد مع بداية شهر القرآن، حينها كان الخيار صعبا ما بين قضاء المستلزمات المدرسية والرمضانية ولاحقا عيد الفطر، ربما ضحى معظمهم بطقوسهم التسويقية المسبقة للشهر الفضيل، باعتبارها استعدادا لوجستيا ضمن ترتيبات أخرى.

أما هذا العام فتبدلت الأدوار وجلس رمضان في المقعد الأمامي، وتزاحمت أسواق المدينة رغما عن الضائقة المعيشية، ولكن حدوث الطامة الكبرى يأتي بتعاقب موسمي العيد والمدارس، فكلاهما هاجس لدى الصغار الذين لا شأن لهم بما يحدث في البلاد بل جل همهم (ارتياد الأسواق وشراء الجديد) ولا مجال للاعتذار، ما يجعل ذوي الدخول المحدودة يلجأون لبيع أثاثاتهم أو ما يماثلها، حتى يبعثوا السعادة في نفوس أبنائهم أسوةً بأقرانهم.

ألعاب شعبية

وللتو مرت بخاطري إحدى الألعاب الشعبية كنا نلهو بها، عندما يصعب علينا الاختيار نردد “يا إيدي شيليني وختيني في بيت الله العاجبني” يبدو أني سألهو بها مرة أخرى، بمعية امثالي مع توالي المواسم الثلاثة القادمة.

ربما تكون مصائب قوم عند غيرهم فوائد، مثل بشير وزملائه، يجمعون ميزانية العام في تلك المواسم التي تهز عروش الكثيرين، في سياق تعليقه يرى بشير آدم (صاحب محلات تفصيل) بالسوق الشعبي الخرطوم، أن الحياكة فنٌ وذوقٌ لكنها تتطلب الدقة والصبر، وأردف: في درست كلية التجارة لكني أعمل في السوق، اعتقادا مني بأن الوظيفة لها منافع اجتماعية أكثر من المادية، وحاليا أكملت عشرة أعوام في كنفها، وزاد: عملي موسمي تنتعش أسواقه في أواخر رمضان وما بعد عيد الفطر، نسبة لتعدد المناسبات في الأثناء، علاوة على موسم المدارس، لذلك أكرس جهدي لتعويض ركود الأسواق في سائر الأيام، وختم: دائما أوفر جزءا من المال قبل رمضان تحسبا لشح العمل في مطلعه، بالمقابل نجتهد وقت الذروة لتغطية الفجوات المالية، ونصح: نبعد عن التبذير في شهر رمضان، حتى نستطيع تغطية مستلزمات العيد والمدارس كذلك، كونهما من شأن الصغار لذلك يجب علينا تفضيل أولوياتهم، وإن صعب الأمر.

الصبر خيار أول

ومن جهته يقول عادل سيد أحمد (موظف): نحن نعمل مقابل مرتبات لا تكفي حاجة أسرنا، وليس لنا خيار غير الصبر “وبقينا نخت طاقية دا في راس دا” حد تعبيره، وزاد: لا نحمل هما كبيرا لشراء أغراض رمضان، بقدر مانعجز عن قضاء مستلزمات العيد والمدارس على التوالي، لذلك على الجهات المعنية مساندة الشرائح الضعيفة وهم الأغلبية حسب الواقع، بالسعي لتخفيض أسعار السلع الاستهلاكية الرئيسة، بجانب دعم أدوات وملابس المدرسة كل عام، من خلال تسهيلات المعاملات التجارية وما يليها، وأضاف: مواسم متعاقبة تستنزف جيوبنا باستمرار، ومن حقنا معايشتها دون ضغوط نفسية تفسد علينا دائما الاستمتاع بالحاضر.

شهر كامل

في ظل أوضاع معيشية ثقيلة الخطى.. التزمت بعض الأسر تمسكها بطقوس رمضانية متوارثة، بيد أن تضاعف أسعار السلع جعل معظمها في موقف المتفرج فقط، ولا حول ولا قوة له لمجاراة فوضي الأسواق، واستغلال مثل هذة المناسبات كونها موسمية، وعلى المواطن أن لا يحتج طالما هو في حاجة لها، هكذا يمضي رمضان ﻟﻴﺒﺪﺃ ﺍلفصل ﺍﻟﺜﺎﻧﻲ من المعاناة، ﺑﺘﻀﺎﻋﻒ أﺳﻌﺎﺭ ﻣﺴﺘﻠﺰﻣﺎﺕ عيد الفطر، فضلا على انتقال حمي الغلاء إلى أغراض المدارس وتوابعها الأخرى، معاناة متتالية تستهدف الجيوب خلال 60 يوما.

صيام دائم

فى موازاة ذلك يعزو (أ، س) أعمال حرة ـ تضجر الكثيرين، إلى استمرار وتيرة الغلاء الطاحن، وأردف: صيام الشهر واجب علينا، لكن إلى متى نصوم من ما لذ وطاب؟، نحن وأبناؤنا محرومون من خيرات بلادنا بسبب غلائها، وفي الوقت ذاته تصدر شرقا وغربا، وتساءل: أليس هذا صياما دائما؟ لذلك لا يؤثر قدوم رمضان مع أمثالنا بشيء، وعلق ضاحكا: “هي دي بلد دي عليك الله أسواقها مليانة والناس تاكل بعيونا ما قادرة تشتري، ما نحن في حالة بروفة طول السنة على الصيام، علشان كدا بخافوا منو زبائن قندهار وحوش السمك وما شابه ذلك” وفجأة وجه حديثه نحوي متابعا: “أوع تكوني من الجماعة ديل يا فردة ونظام جرحتة مشاعرك وكدا”.. حينها التمست من نبرات حديثه ما يسمية خبراء النفس بالحقد الاجتماعي، وبلا شك هؤلاء أصيبوا بالإحباط والاكتئاب، نتيجة السياسات الاقتصادية السالبة التي قادتهم إلى هذا المنعطف النفسي الخطير.

في الذاكرة

ما زال محدثي يسترسل قائلا: رمضان وعيد الفطر مناسبتان مقدستان فى ذاكرتي منذ طفولتي، عندما كنت أذهب مع والدي للتسوق استعدادا لهما، وفي العيد كنا نأخذ كل ما نختاره أنا وإخوتي، آنذاك كانت البلاد بخيرها وأبي لا يرفض لنا طلبا أبدا، وزاد: الآن أعجز عن توفير ضروريات المعيشة لأسرتي، ورغم دراستي علوم الإدارة لن أستطيع إدارة أوضاعي، أعمل فى الأسواق وأيضا لا أتسوق كغيري، وختم: تمر الأيام مسرعة ويأتي عيد الفطر ومن بعده تستأنف الدراسة عامها الجديد وصغارنا لا يعذروننا، لذلك نرمي بأنفسنا في التهلكة حتى لا نحرمهم الفرحة

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..