بيان المثقفين المصريين..وقفة بجوار النيل..!!

مسألة
د. مرتضى الغالي
لا يمكن تجاهل البيان الذي اصدرته مجموعة من المثقفين المصريين حول ما وصفوه بالتطورات السودانية لأكثر من سبب.. خاصة وأن بين هذه المجموعة رجال ونساء ذوي نوايا طيبة تجاه السودان.. وفيها رموز ذات تأثير في فضاء السياسة والإعلام والثقافة في مصر .. ومع اننا نحمد لهذه المجموعة مجرد إبداء الاهتمام بالشأن السوداني إلا أن من البداهة ألا تتطابق أفكارنا مع افكارهم حول ما تطرّقوا إليه من توصيف وأحكام ومقترحات.. رغم بعض الإشارات الايجابية التي أبدوها (بصورة ما) حول أمانيهم بأن يتجاوز السودان أزمته الراهنة أو ما وصفوه بحالة السيولة السياسية الراهنة..!
فلا خلاف حول المصالح المشتركة وحول حتميات التاريخ والجغرافيا والتداخلات الشعبية ورابطة النيل والجوار.. وقد أقر البيان بأن السودان بلد كبير في القارة الإفريقية وله دور ايجابي بالغ الأهمية في تفاعلات القارة السياسية والاقتصادية..ثم أن البيان قد أدان العنف ضد المواكب السلمية الذي أدى الى اسشهاد الشباب السلميين واعتقالات الأطباء واقتحام المستشفيات وإرهاب المشيعين.. إلخ ولكن البيان لم يعلن تضامناً مباشراً مع الحراك الشعبي الكبير والإجماع السوداني الواسع والمشهود ضد الانقلاب الباطش الذي يقتل المواطنين جهاراً نهاراً..!

وأول ما نلاحظه على البيان إنه- أراد أم لم يُرد- أن يُسقط ما يدور في السودان على نموذج دور الجيش المصري في السياسة.. وهذا مما لا يتفق مع الإجماع السوداني من المدنيين ومن العسكريين على دور مخالف يجعل الجيش بعيداً عن السياسة أو عن العمل السياسي… وهنا نقول تذكيراً للإخوة الموقعين على البيان إنه ليس صحيحاً ما يُشاع عن رفض ثورة السودان للجيش.. فمواثيق الثورة ونداءاتها والوثيقة الدستورية والقوي السياسية يدعون جميعهم إلى ضرورة أن يكون للسودان جيش قوى جيد التسليح بعقيدة قتالية وطنية وعلى نهج قومي بإعتباره كياناً حامياً للبلاد له احترامه وله دوره المعهود في حماية دستور البلاد وأهلها وحدودها.. وأن الثورة لا تعادي الجيش.. ولكن ما قد لا يعلم تفاصيله البيان فإن هناك مجموعة انقلابية مسيّسة تعمل على خط الاخوان والانقاذ هي المتنفّذة الآن.. وأنها هي التي تسئ إلى الجيش وتعمل على إضعافه لصالح المليشيات.. وهي تقوم الآن بكل ما يناقض قومية الجيش ودوره.. وبصورة فاقعة..!
أيضاً لا بد من إشارة الى ما ليس مقبولًا في السودان.. ونعني بذلك الدعوة (غير الأمينة) التي تنادي بتوسيع الحاضنة السياسية خلال الفترة الانتقالية.. وهي دعوة ترمي في حقيقة الأمر إلى ادخال حزب المؤتمر الوطني المحلول دستورياً وفلول الانقاذ المدانين سياسياً وقضائياً في العملية السياسية..وهذا محظور بموجب الوثيقة الدستورية الحاكمة للفترة الانتقالية وبإرادة الثورة والإجماع الشعبي.. ولا بد أن المثقفين المصريين يعلمون هذه الوفود المؤيدة للانقلاب التي أصبحت تتوافد على القاهرة.. ولا نظن أن التوافق السياسي في مصر- على سبيل المثال- يشمل فلول الإخوان المسلمين المصريين وجماعات الإسلام السياسي..!!
وهنا لا بد من الاشارة أيضاً إلى الموقف المصري الرسمي الذي يُضفي بتأثيراته (لا محالة) على قطاعات أخرى غير حكومية وغير رسمية في مصر.. والموقف المصري الرسمي للحقيقة لم يكن متجاوباً مع ثورة ديسمبر والتغيير في السودان.. كما ان هذا الحراك السياسي الرسمى وغير الرسمي من مصر تجاه السودان لم ينشط الا بعد توقيع ما يوصف في السودان بـ(الاتفاق الإطاري) الذي مهما اختلف السودانيون حوله إلا أنه -في ما يبدو- قد أزعج مصر الرسمية.. ولا نريد أن نتحدث الآن عن تفاصيل وتوقيت عودة السيد الميرغني أو الزيارات السالبة لبعض رموز الحركات المسلحة للقاهرة.. أو زيارة مدير المخابرات المصرية للخرطوم.. والحديث عن مبادرة مصرية (في هذا التوقيت بالذات) والدعوة المتأخرة إلى عقد مفاوضات في القاهرة.. حيث لا يبدوهذا مفهوماً مع ما وصفته مجموعة المثقفين المصريين بـ(التطورات السياسية الراهنة في السودان)..ولنا عودة..!!
كيف يزعج الاتفاق الاطاري مصر اذا كان السودانيين الرافضين للاتفاق أكثر من الموافقين عليه وما الذي يزعج مصر من اتفاق كل المؤشرات تشير إلى فشله اللهم الا ان تكون مصر حريصة على عدم وقوع الفشل لأسباب تخصها.