نخب منسية” لا يمكن تصور اكتمال حلقات العملية الإنتاجية بدونهم..

الخرطوم ? حسن محمد على

تحت وابل من الأمطار الغزيرة أو حتى في ساعات الهجير لا يكترث (الزياتون)، وهم العمالة المساعدة لسائقي التراكتورات الزراعية في الحقول، بغير تحضير آلياتهم لتعمل بأي ثمن؛ رتق ثقب في الإطار، أو تشحيم للبلالي أو حتى ملء خزانات الوقود في الدسكي الزراعي أو التراكتور، على مدار ساعات عملهم الممتدة، ولا يمكن تصور اكتمال حلقات العملية الإنتاجية بدونهم في كل الظروف فهم العامل الأهم في إنجاز مهمة تبدأ ببذر البذور وتنتهي في موائد الطعام السودانية بمختلف أشكالها وألوانها.

صحيح أن مهنة “الزيات” تنقله للترقي ليصبح سائق تراكتور محترفا، لكن بعد سنوات من الرهق، يجد فيها كل صنوف المعاناة والتوبيخ حال انتقص من مهمته في يوم من الأيام، أو تجاوزها للعبث بإيقاد التراكتور قبل أن يتم فترته المحددة بعامين على الأقل، وفي تلك المدة لا يستطيع “الزيات” أن ينبري لأي مهمة أخرى وعليه أيضا أن يتناول طعامه بمفرده وبعيدا عن قيادات العملية الزراعية الأخرى، وأن ينهمك بصورة لا متناهية في تنظيف وتلميع التراكتور والدسكي تحت مسؤوليته وإلا فسيتعرض للطرد ومن ثم قطع المسافة إلى بيته مشيا على الأقدام كعقوبة متعارف عليها.

يجتهد “الزيات” في مهمته منذ الصباح الخريفي في تدوير التراكتور وملئه بالوقود والماء، ومراجعة ماكينته بصورة دقيقة حتى يتمكن السائق من الشروع في وردية الزراعة التي تصل لأكثر من أربع عشرة ساعة يوميا، وعليه أثناء عمل “الوردية” أن يكون جاهزا للقفز بصورة بهلوانية حال اعترضت طريق الدسكي أو (البابور) قطع من الحجارة أو شجرة عميقة الجذور وتنظيفها جيدا معرضا حياته للخطر حال وصلت إليه أسنان الدسكي الحادة التي تمخر عباب التربة من أعماق بعيدة، وتبدو حالة الزياتي بتلك الحالة من منظر ثيابه الرثة الملطخة بالزيت والشحم.

اشتهر “الزياتون” بحب وتفان في عملهم، ومدح على الدوام لآلياتهم حتى تظهر بصورة جاهزة للزراعة، ومقابل كل عربة تراكتور ودسكي يوجد زيات واحد يقوم بالمهام المساعدة لكن رغم ذلك فإن أجورهم ضعيفة لحد كبير، ورغم مهمتهم الحاسمة في حلقات الإنتاج الزراعي إلا أنهم لا يجدون مقابلا معنويا وماديا مناسبا لمهنتهم الشاقة، وحيث لا يشرف أصلا اتحاد أو نقابة على قاعدة قد تصل في مناطق زراعية مثل القضارف والدمازين وشمال كردفان بالآلاف إلا أنهم يعملون في تلك الظروف بمقابل لا يتجاوز الالف جنيه أو الالف و500 جنيه شهريا للمناطق البعيدة.

وعرف مجتمع “الزياتين” الذين دفعتهم ظروف الحياة الاقتصادية للتخلي عن الدراسة لإعانة أسرهم بقدر كبير من الطرافة والبساطة، وبعد من حياة الحضر بشكل كلي، لكنهم مجيدون للاستماع للراديو ولديهم حصائل معرفية متواضعة عما يدور في عوالم المدن من حياة البذخ والكسل، لا يمكن أبدا تصور انطلاقة العملية الزراعية دون أن يضع الزيات لمساته الأخيرة على الآلاف من الآليات العاملة في مجال الزراعة والحصاد، وهي لمسات تستحق الثناء لعوالم منسية رغم جدها واجتهادها.

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..